39/08/13


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) - المكاسب المحرّمة.

الوجه الثاني:- أن يقال: إنَّ هذا الحديث وإن ذكره ابن أبي جمهور الاحسائي من دون بيان السند إلا أنَّ بعض الفقهاء نسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله بنحو الجزم لا بلسان روي أو قيل كما هو الحال في الأردبيلي(قده) فإنه في مجمع الفائدة البرهان عبّر هكذا:- ( مثل قوله صلى الله عليه وآله " الناس مسلطون على أموالهم " )[1] ، فإذن هو نسب بالحديث إلى النبي بضرس قاطع ، فإذا فرض هكذا حينئذٍ نقول إنَّ الأحاديث التي تنقل بشكل مرسل لكن بنحو الجزم - أي بلسان ( قال ) بحيث نفرّق بين ( قال ) و ( روي ) - فهنا يمكن اثبات صحة الحديث ، وذلك لبيانين:-

البيان الأول:- نقول كيف ينسب مثل الأردبيلي إلى المعصوم عليه السلام حديثاً بنحو الجزم إذا لم تكن مبررات الجزم ثابتة ؟!! فإذن لابد وأن تكون تلك المبرّرات ثابتة وليست هي إلا التواتر ، بأن نفترض أنه ثبت عنده وصول الحديث إليه بنحو التواتر وبذلك يثبت المطلوب.

وجوابه واضح حيث يقال:- يكفي لصحة النسبة بنحو الجزم أن يكون التواتر ثابت عنده وفي نظره بحيث لو اطلعنا نحن لا وافقه أو يفترض أنه استند إلى قرائن تفيد الجزم بنظره بحيث لو اطلعنا نحن لا يحل لنّا الجزم ، إذن لا يمكن أن نقول إنَّ النسبة إلى المعصوم بنحو الجزم تكشف عن تحقق التواتر تحققاً واقعياً ، كلا بل لعله متحقق واقعاً ولعلّه متحقق في نظره هو.

فإذن هذا لا ينفعنا ، فنحن نريد أنَّ التواتر متحقق في الواقع لا بنظره ، هذا لو سلّمنا بأنَّ النسبة بهذا الشكل - أي بلفظ ( قال ) - ، يعني لو جلس شخص على المنبر ويقول ( قال الامام ) فهذا يدل على أنَّ السنبة نسبة جزمية ، وهذا ايضاً يمكن أن يشكك فيه باعتبار أني حينما أقول ( قال المعصوم ) يعني المقصود على ما هو الموجود في الكتب ، فهنا يوجد المبرر فأنا أعبّر بـ( قال ) ولكني لا أذكر وأقول ( على ما هو الموجود في كتاب الكافي مثلاً أو غيره ) فإني أعبّر بهذا الشكل لوضوحه.إذن نحن لا نسلّم بأن كلمة ( قال ) تدل على النسبة الجزمية عند المتكلم وإنما لعل مقصوده من ( قال ) أي على ما هو موجود في الكتب ، كما يفعل الخطباء الآن في نسبة الكلام إلى الحسين وزينب عليهما السلام والمقصود على ما هو موجود في كتب المقاتل والسير ، وهنا أيضاً كذلك.

البيان الثاني:- وهو نفس البيان الأول ولكن نضيف إليه مقدمة أو مقدمتين كي نتغلّب على بعض الاشكالات الواردة على وذلك بأن يقال: إنَّ التعبير بكلمة ( قال ) يدل على الجزم كما ذكر في البيان الأوّل ، ثم نضيف اضافةً لم تذكر في البيان الأول وهي أنَّ احتمال الوصول عن حسّ شيء وجيه لا أنه مقطوع العدم ، فيحتمل بدرجة وجيهة قد وصلت مقالة النبي صلى الله عليه وآله عن حسٍّ إلى الأردبيلي ، فاحتمال الحسّ موجود لا أنه معدوم لكن الحسّ المورث للجزم ، ثم نضيف شيئاً ثانياً ونقول: إنه كلّما تحقق الإخبار ودار أمره بين الحسّ والحدس فالأصل العقلائي يقتضي الحسَّ ، وربما يعبّر عن ذلك بأصالة الحسّ العقلائية ، فلو فرض أنَّ شخصاً أخبرنا وقال يوجد مجلس أو درس في بيت فلان ومن هذا القبيل فنحن لا نسأله بأنه هل حصلت على ذلك عن حدسٍ أو عن حسّ وإنما نبني على الحس ، فعقلائياً لا يبعد أنَّ أصالة الحس ثابتة ، نعم ما هو مقدار مساحتها فهذه قضية ثانية ، أما في الجملة فأصالة الحس موجودة عقلائياً ، وحيث إنه لم يردع عنها من قبل الشارع والمفروض أنها عقلائية يعني هي موجودة مع الحياة العقلائية يعني هي موجودة في زمن المعصوم ، وحيث لم يصدر ردع فيدل ذلك على الامضاء ، فنطبق أصالة الحسّ هنا على الإخبار الجزمي فإنَّ الأردبيلي قد نسب هذا الحديث بنحو الجزم إلى المعصوم عليه السلام ، وحيث إنَّ هذه النسبة الجزمية فيحتمل تحققها عن جزمٍ كما فرضنا في الاضافة الأولى فنطبق أصالة الحس العقلائية - التي هي مطلب ثانٍ اصفناه في هذا البيان - ، فيثبت بذلك أنَّ هذه النسبة الجزمية قد وصلت إلى الأردبيلي عن حسّ وليس عن حدس واجتهاد.

وبناء على هذا لا يرد ما أشكلنا به على البيان الأوّل حيث قلنا إنّه قد ثبت التواتر في نظر الاردبيلي لا واقعاً وهذا إعمال حدسٍ ، أما الآن فنحن نطبّق أصالة الحسّ العقلائية وبتطبيقها ينتفي هذا الاحتمال - يعني احتمال وصول هذا الخبر عن حدس -.إذن حينما نقل لنا الأردبيلي هذا الخبر بنحو الجزم والمفروض أنَّ احتمال الإخبار عن جزم موجود فنطبق أصالة الحسّ فيثبت أن إخباره الجزمي هو عن حسّ.فإذا ثبت ذلك نقو حينئذٍ:- كيف يمكن أن يتحقق الإخبار بنحو الجزم عن حسٍّ ؟ ليس إلا بالتواتر فإنه الطريق الحسي المورث للجزم ، وإلا فغيره يكون مورثاً للجزم عن حدس لا عن حسّ ، وأصالة الحسّ تنفي أن يكون ذلك عن حدس ، فإذن هو عن حسٍّ ويتعيّن أن يكون ذلك قد تحقق من خلال التواتر.

ولا يقول قائل:- إنه يوجد احتمال ثانٍ ، وهو أنه وصل بخبر غير متواتر ولكن معه قرينة مورثة للقطع العقلائي الوجيه.

ولكن نقول:- إنَّ هذا تقريباً حكماً لا بأس به ولكن بالتالي معه القرينة القطعية القعلائية بحيث لو اطلعنا عليها نحن فسوف نقبلها وإلا إذا لم نقبلها صار عن حدس.

إذن أصالة الحس تثبت لنا أنَّ هذا الإخبار الجزمي عن حسّ الإخبار الجزمي عن حسّ يدور أمره بين أن يكون حاصلاً من تواتر أو من خبر محفوف بالقرينة القطعية بحيث لو اطلعنا على هذه القرينة لقبلناها.

وقد تقول:- إذا وصل هذا الحديث إلينا بالتواتر فلماذا لا نجد التواتر في كتبنا ؟

أجبنا عن ذلك:- بأنه لا يبعد أنَّ أصحابنا قد جرت سيرتهم على ضبط الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما إذا وصلت من خلال أهل البيت عليهم السلام ، أما إذا وصلت من الطريق الآخر فلم تجرِ عادتهم على ذلك ، ومعه إذن يتم المطلب.

ونؤكد من جديد:- إنه إذا تم هذا البيان الثاني أو مع البيان الأوّل فسوف نفرّق بين الأحاديث المرسلة بلسان ( قال ) وبلسان ( روي ).

ويرد على هذا البيان:-

أولاً:- يرد عليه ما أشرنا إليه سابقاً من أنَّ النسبة بلسان ( قال ) قد تصحّ حتى مع عدم الجزم بمعنى أنَّ هناك كلمة مضمرة اي قال المعصوم عليه السلام على ما هو الموجود في الأثر وفي الكتب.

ثانياً:- نحن نسلّم أصالة الحس العقلائية في الجملة ، ولكن هل هي وسيعة حتى إلى مثل مقامنا بحيث نثبت توتراً ليس له أثر في الخارج لا نراه ونثبت أنه وصل إليه بهذا الشكل ؟!! ، والتواتر لو كان موجودا يلزم أن يكون واضحاً لدى الجميع لا أنه يختص بالأردبيلي وهو قد اطلع عليه دون غيره ، فأصالة الحسّ يا هل ترى هل تجري حتى في مثل هذا المورد الذي لو كان الحسّ فيه ثابتاً حقاً لاطّلع عليه الجميع ، بخلاف وجود مجلس أو درس في بيت شخص فإنَّه يمكن لصاحب الدار أن يقول لشخصٍ معين عندي مجلس ، أما هنا فالمقروض أن المسألة مسألة تواتر فلا يحتمل أن يكون هو المطّلع فقط على هذا التواتر.

ثالثاً:- نقول: إنَّ احتمال أنَّ هذا التواتر موجود ولكن لم يسجله أصحابنا لأنه لم يصل إلا من طريق الغير وهم عادتهم جرت على أن لا يضبطوا ما ورد من طريق الغير هذا كلام مقبول يا هل ترى أو أنه مجرّد دعوى ؟ ولو كان هذا التواتر ثابتاً حقاً لاطّلع عليه الغير من الأصحاب أيضاً كما اطلع عليه الأردبيلي ، وبالتالي فليذكر هذا الحديث في كتب أصحابنا مادام ثابتاً ولو عند غيرنا ، والمفروض أنه تواتر على طبق الموازين وإلا لو لم يكن على طبق الموازين فحينئذٍ سوف لا ينفعنا وسوف يسقط كل البيان ، فحينئذٍ من المناسب أن يسجل هذا الخبر في الكتب.

وإن شئت قلت:- إنه لو فرض أنَّ مثل الشيخ الصدوق هو الذي تمسّك وذكر هذا الحديث فيمكن أن نقول إنَّ هذا الحديث وصل إلى الشيخ الصدوق بنحو التواتر واطّلع عليه فنسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحو الجزم ، والمفروض أنَّ الصدوق هو صاحب الروايات والكتب الروائية فيمكن أنه قد اطّلع عليه وبعد ذلك انسدَّ الباب علينا ، ولكن المفرض أنَّ الذي ينقله هو الأردبيلي فكيف هو قد اطّلع على التواتر والصدوق لم يطلع عليه ؟!! ، فإنه لو كان قد اطّلع عليه الصدوق لأشار إلى الرواية في بعض مؤلفاته على الأقل ، يعني أن احتمال وجود رواية متواترة ولا يشير إليها الصدوق ولا الشيخ الطوسي ولا الشيخ الكليني وهذا التواتر وصل إلى المتأخر دون المتقدّم ضعيفٌ جداً.

فإذن تطبيق هذا البيان في حقّ الأردبيلي صعب ومحل إشكال ، نعم لو فرض أنَّ الشخص كان مثل الصدوق فلا يرد هذا الاشكال ، أما مادام صاحب النسبة والقائل هو الأردبيلي فمن البعيد أنه يطّلع على التواتر ولا يطّلع عليه المتقدّمون بحيث لم يشيروا إلى الرواية ولم يطّلعوا عليها وأشار إليها الأردبيلي فإنَّ هذا احتماله ضعيف جداً بحساب الاحتمال.إذن اتضح أنَّ هذا الوجه لإثبات صحة هذه الرواية التي عبّر فيها بكلمة ( قال ) بكلا البيانين قابل للمناقشة.