1439/10/11
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/10/11
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- أصالة اللزوم - مسألة ( 52 ) – المكاسب المحرمة.
الدليل الرابع:- قوله عليه السلام:- ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه ) فقد روى زيد الشحّام بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله قال:- ( من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه )[1] .
وتقريب الدلالة أن يقال:- حيث إنَّ المبيع - والمبيع بذكره من باب المثال وإلا هذا يأتي في الثمن أيضاً - حيث أنه انتقل إلى المشتري فحينئذٍ لو شككنا في أنَّ البائع له حق الفسخ أو لا فالمناسب للحديث أنه لا يحق له أن يفسخ ويتصرّف في المبيع لأنَّ المبيع قد صار ملكاً للمشتري جزماً ، لأنَّ البيع صحيح لكن تشك هل يجوز للبائع الفسخ أو لا ، فهو ملك المشتري و ( لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيبة نفسه ) وهذا لازمه اللزوم ، يعني لا يتمكن البائع أن يفسخ ويأخذ المبيع ويتصرّف فيه لقاعدة ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه ) ، هكذا ذكر الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ، ونحن قد أوضحنا المطلب بهذا الشكل ، قال(قده):- ( دل على انحصار سبب حلّ مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك فلا يحل بغير رضاه )[2] ، وقد أنهى الدليل ولا يوجد عنده كلام آخر.
هذا ولكن يمكن أن يقال:- أنت على ماذا نريد تطبيق الحديث ؟
هناك احتمالات ثلاثة:-الاحتمال الأوّل:- أن يقصد تطبيق الحديث على نفس الفسخ ، يعني على نفس كلمة ( فسخت ) ، يعني أنَّ البائع لا يجوز له أن يقول ( فسخت ) فإنه لا يحل مال امرئ إلا بطيبة نفسه.
وجوابه واضح:- فإنَّ كلمة ( فسخت ) ليست محرّمة ، لأنها ليست تصرفاً في المبيع ، بل هذا تصرف في لسانه ولا ينطبق عليه عنوان السبّ أو الشتم أو غير ذلك من العناوين فلا يحتمل حرمته ، فعلى هذا الأساس لا يمكن تطبيق الحديث على كلمة ( فسخت ).
الاحتمال الثاني:- أن يكون مقصوده تطبيق الحديث على انتقال المبيع من المشتري إلى البائع بعد قول كلمة ( فسخت ) ، فالبائع حينما يقول ( فسخت ) سوف ينتقل المبيع إذا كانت المعاملة جائزة لأننا قد شككنا أنها لازمة أو جائزة ونحن نريد أن نطبّق أصالة اللزوم في مورد الشك فنطبق الحديث على الانتقال وهو انتقال المبيع من المشتري إلى البائع بعد قول كلمة ( فسخت ) الصادرة من البائع فنقول إذا كان البيع جائزاً فسوف ينتقل فنقول إنَّ هذا الانتقال هو محرّم وذلك بتطبيق الحديث عليه.
وجوابه:- إنَّ هذا الانتقال ليس فعلاً من البائع وإنما هو حكم إلهي ، فإن كان البيع جائزاً فالانتقال حكمٌ إلهي وليس تصرفاً من البائع حتى لا يجوز إلا بإذن المشتري.
الاحتمال الثالث:- وهو أنسب الاحتمالات ، وهو أن يطبَّق الحديث على تصرّف البائع بعد قول كلمة ( فسخت ) ، فيتصرّف هو فيأتي ويأخذ المبيع ، فأخذ المبيع هو تصرّف من البائع فنطبّق الحديث عليه.
وجوابه:- إنَّ هذا لا يمكن أن نتمسّك بالحديث لإثبات حرمته ، لاحتمال أنه بقول كلمة ( فسخت ) التي صدرت من البائع حصل الانتقال والفسخ ، لأننا نحتمل أنَّ العقد جائز، فيحتمل أنَّ المبيع رجع إلى ملك البائع ، فالتمسّك بالحديث يكون من التمسّك بالعام في الشبهة الموضوعية وهو لا يجوز.
إذن اتضح من خلال هذا كلّه أنَّ التمسّك بهذا الدليل محل إشكال.
الدليل الخامس:- الاستصحاب ، يعني إذا لم يكن لدينا دليل اجتهادي ننتقل إلى الأصل العملي ، لأنَّ كل الأدلة المتقدّمة هي أدلة اجتهادية ، فإذا لم تتم فسوف ننتقل إلى الأصل العملي ، وذلك بأن يقال: إنَّ هذا المبيع قبل أن يقول البائع ( فسخت ) كان ملكاً للمشتري وبعد أنَّ قال البائع ( فسخت ) نشك هل زال ملك المشتري عنه أو لا فنستصحب بقاء ملك المشتري - لأنَّ المفروض أننا نريد أن نثبت أصالة اللزوم في العقد المشكوك أنه لام أو جائز - ، وبالاستصحاب نثبت أنَّ الملكية باقية ولا تزول بكلمة ( فسخت ) وهذا هو معنى اللزوم ، فإذن ثبت المطلوب.
وأشكل عليه بإشكالين:-الاشكال الأول:- إنَّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب آخر وهو استصحاب بقاء علقة البائع بالمبيع حيث كان له علاقة بالمبيع فنشك هل هذه العلاقة زالت وانفصمت أو لا فنستصحب بقاء علاقة البائع بمبيعه ، وهذا الاستصحاب معارضٌ باستصحاب بقاء ملكية المشتري بعد الفسخ ، فإذن الاستصحاب الأوّل لا يمكن التمسّك به لإثبات أصالة اللزوم لأنه معارضٌ باستصحاب بقاء علقة البائع بالمبيع.
بل قد يقال بتقدم استصحاب بقاء علاقة البائع بملكه على استصحاب بقاء ملكية المشتري من باب الحكومة ، لأنَّ الشك في بقاء ملكية المشتري ناشئ بسبب الشك في أنَّ علاقة البائع بملكه باقية أو ليس باقية ، فإذا كانت باقية فحينئذٍ زالت ملكية المشتري ، وإذا لم تكن باقية فملكية المشتري باقية ومستمرة وموجودة ، فالمورد من الشك السببي والمسبّبي ، فيكون استصحاب بقاء علاقة البائع بملكه أصلاً حاكماً.
وقد أجيب من قبل بعضٍ وأُشكل على هذه المعارضة[3] :- بأنه ما المقصود من علقة البائع فإنَّ هذه عبارة غائمة ؟
إنَّ في ذلك ثلاث احتمالات:-الاحتمال الأوّل:- أن يكون المقصود من علاقة البائع بالمبيع هي علاقة الملك ، يعني نستصحب ملكيته .
وجوابه واضح:- فإنَّ علاقة الملك فرع الملك ، ولكن ملكه قد زال جزماً ، فذاك الملك لا نحتمل بقاءه فإنه قد زال جزماً ، نعم نحتمل حدوث ملك متجدد ثانٍ لا الملك الأوّل فإنَّ الأول قد زال جزماً حيث صار المبيع ملاكً للمشتري ، فعلاقة الملك قد زالت جزماً وإنما يحتمل حدوث ملكاً للبائع لهذا المبيع من جديد بعد كلمة ( فسخت ) ، فإذن علاقة الملك لا يمكن استصحابها.
الاحتمال الثاني:- أن يكون المقصود من استصحاب علاقة الملك هو استصحاب السلطنة على إعادة الملك السابق من جديد.
وجوابه واضح:- فإنَّ هذا ليس استصحاباً لشيء متيقن وإنما هو استصحاب لشيء مشكوك ، لأنه من قال إنه له حق الاعادة ؟!! ، فنحن نحتمل أنَّ العقد لازم فحق الاعادة لم يثبت سابقاً جزماً حتى نستصحب.
الاحتمال الثالث:- أن يكون المقصود هو استصحاب علاقة الملك يعني خيار المجلس.
وقد تقول:- إنهم لا يعبَّرون عن علاقة البائع بملكه السابق بخيار المجلس.
ولكن نقول:- إنَّ هذا ليس بمهم ، وليكن المقصود هو خيار المجلس.
وجوابه:- نعم هذا لا بأس به ، ولكنه ينفع مادام جالساً في المجلس ، والمفروض أنه يريد أن يُعمِل الخيار بعدما قام من المجلس ، وإلا حينما هو جالس في المجلس يكفيه خيار المجلس ولا يحتاج إلى اثبات خيارٍ آخر له ، فإذن المفروض أنه قام من المجلس لذلك نفكر هل له حق الفسخ أو لا ، فإذن هذا لا ينفعنا لفرض أنه ليس في المجلس.
وبقطع النظر هذا فإنَّ هذا يختص بباب البيع فقط ، لأنَّ خيار المجلس موجود في البيع فقط وأصالة اللزوم التي نبحث عنها عامة لكل المعاملات ولا تختصّ بباب البيع ، فإذن هذا الدليل سوف لا ينفعنا في اثبات تمام المطلوب.
هنا يوجد شيء قد يسجل على الشيخ الأعظم(قده):- فهو لم يخطئ في بيان مطلب ، ولكن يسجّل عليه من باب عدم البيان ، حيث يقال للشيخ: هناك إشكال أقوى على استصحاب بقاء علاقة البائع بملكه غير ما أفاده هذا البعض من الاحتمالات الثلاثة ، فافترض أنَّ هذا الاستصحاب قد وجّهناه باحتمالٍ رابع وجيه ، ولكن يوجد جواب آخر لماذا لم تذكره ، وهو قد تعلمناه منه حيث يقال:- إنه يشترط في حكومة أصلٍ على أصلٍ آخر أن يكون الترتّب بينهما ترتّباً شرعياً ، وفي المقام نقول إنَّ الترتّب ليس شرعياً ، فكان من المناسب للشيخ أن يقول إنَّ هذه الحكومة مرفوضة لأنَّ شرط الحكومة أن يكون الترتّب شرعياً وهنا الترتّب ليس شرعياً إذ لا نصَّ شرعي يقول ( يا أيها الذين آمنوا إذا كانت علاقة البائع بملكه باقيةً فإذن قد زال ملك المشتري بفسخ البائع وانفسخ البيع ) وإنما هذا الترتب عقلي ، وإذا كان الترتب عقلياً فالحكومة لا تتحقق ، فإنَّ شرط الحكومة أن تكون السببية بين الأصل السببي والمسبّبي شرعية ، أما إذا لم تكن شرعية فالمورد يكون من الأصل المثبت ، وهنا السببية ليست شرعية ، فإذن لا يمكن أن نقول بتقدّم استصحاب بقاء علاقة البائع بملكه من باب الحكومة.