1439/10/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 54 ) – المكاسب المحرّمة.

وأما العنوان الثاني:- فهو الطلاق.

ولم ينسب الخلاف في ذلك إلى أحدً من الفقهاء ، ولكن ما هو الدليل على عدم صحة المعاطاة ؟

هناك روايات يمكن التمسّك بها في هذا المجال:-

الرواية الأولى:- صحيحة زرارة ، التي رواها الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ع أبيه عن حمّاد بن عيسى أو ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة[1] قال:- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه ، قال:- ليس ذلك بطلاق ولا عتاق حتى يتكلم به )[2] ، وعلى منوالها توجد روايتان في نفس الباب بهذا المضمون أيضاً.

وتقريب الدلالة:- إنه عليه السلام قال: ( حتى يتكلّم به ) وقوله ( يتكلّم به ) من القريب أن يكون القصود منه الاشارة إلى الصيغة ، يعني حتى يتلفّظ بالصيغة ، وبقطع النظر عن ذلك يدل على أنَّ التلفّظ بالطلاق شيء لازم في تحقق الطلاق ، فإنه حتى لو فرض أنه لا بهذه الصيغة الخاصة ولكن بالتالي لابد أن يتلفّظ وهذا يكفينا ، يعني أنَّ المعاطاة ليست بكافية ، فإذن دلالتها واضحة في هذا المعنى ، فإذن هي تامة سنداً ودلالة.

الرواية الثانية:- محمد بن يعقوب عن حميد[3] عن ابن سماعة عن ابن رباط وعن علي بن إبراهيم[4] عن أبيه عن ابن أبي عمير جميعاً[5] عن ابن اذينة عن محمد بن مسلم[6] :- ( أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل قال لامرأته أنت عليّ حرام أو بائنة أو بتّة أو بريّة او خليّة ، قال: - هذا كلّه ليس بشيء إنما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعدما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها:- أنت طالق أو اعتدّي يريد بذلك الطلاق ويشهد على ذلك رجلين عدلين )[7] .

ودلالتها واضحة أيضاً ، لأنه عليه السلام قال يلزم أن يقول لها ( أنت طالق ويشهد على ذلك رجلين عدلين ).

ولكن توجد مشكلة وهي أنه عليه السلام قال ( أنتٍ طالق أو اعتدّي ) ونحن عندنا كلمة ( اعتدّي ) لا تكفي ، فاقترنت الفقرة الأولى بهذه الفقرة وحينئذٍ قد يقال إنَّ هذا يزلزل حجية الظهور إذ قد اقترن بالفقرة الأولى ما لا يمكن الالتزام ، وقد قلنا في علم الأصول إنَّ هذه مسألة خلافية ، ولعلّ المعروف بين الأصوليين هو التفكيك بين الفقرات فعدم حجية هذه الفقرة لا يؤثر على حجية الفقرة الثانية لأنها أشبه بالخبرين وعدم إمكان الالتزام بالخبر الثاني لا يمنع من الأخذ بالخبر الأوّل ، ولكن قلنا إنه يمكن أن يقال إنَّ مدرك حجية الظهور هو السيرة العقلائية ونحن لا نعلم بانعقادها على العمل بظهورٍ من هذا القبيل ، باعتبار لو جاءنا شخص ونقل لنا أخباراً وكانت بعض أخباره لا يمكن الالتزام بها فهذا فنحن سوف نتأمل بالأخذ بأخباره ، فيكون المورد من هذا القبيل ، فبما أنّ هذا الراوي يروي شيئاً لا يمكن قبوله فحينئذٍ هذا يصير سبباً للتشكيك في حجية الفقرة الأولى إذ لا نجزم بانعقاد السيرة على الأخذ بهذا الظهور.

ونذكر كلمة علمية:- وهي أنه هل هذا من باب التشكيك في حجية السند - أي تشكيك في الصدور - أو من باب التشكيك في حجية الدلالة والظهور ؟

إنَّ هذا لا يؤثر شيئاً ، إذ بالتالي لا نجزم بانعقاد السيرة حتى لو كان هذا من باب التشكيك في السند ، لأنَّ المدرك المهم لحجية السند هو سيرة العقلاء ، فنشكك على كلا التقديرين سواء كان من باب الظهور أو من باب السند فإنه لا يؤثر من هذه الناحية.

هذا ولكن يمكن أن يجاب عن هذه المشكلة بجوابين:-

الجواب الأوّل:- ربما يقال إنَّ كلمة ( اعتدّي ) وردت في روايات متعددة وليس في هذه الرواية فقط فمن الممكن الالتزام بتحقق الطلاق بها إلا أن يثبت تسالم على الخلاف ، لكن نسب إلى ابن الجنيد القول بذلك كما جاء في الحدائق[8] ، فإذا قلنا إنه يمكن لالتزام بذلك مادام توجد أكثر من رواية دلت على ذلك وابن الجنيد يلتزم بذلك فربما يسهل على الفقيه الأمر ولا يتوقف في ذلك.

الوجه الثاني:- أن نقول إنَّ كلمة ( اعتدّي ) ليست موجودة في الرواية ، لأجل أنَّ العلامة في المختلف نقل عن جامع البزنطي عن محمد بن سماعة عن محمد بن مسلم هذه الرواية من دون كلمة ( اعتّدي ) ، فإذا التزمنا بذلك كما نقل صاحب الوسائل في هامش الوسائل فهذا قد يسهّل على الفقيه الأخذ بالرواية حينئذٍ.

ومن الواضح أنه على الوجه الأول الفقيه يلتزم بأنَّ كلمة ( اعتدّي ) كافية في تحقق الطلاق ، بينما على الوجه الثاني لا يلتزم بذلك ولكن تبقى الفقرة الأولى يؤخذ بها لأنَّ الفقرة الثانية لم يثبت ورودها في الرواية.

وعلى أي حال عرفنا أنَّ الطلاق يحتاج إلى صيغة ( أنت طالق ) إما لأجل الرواية الأولى ، أو لأجل ضمّ الرواية الثانية ، واشتمالها على كلمة ( اعتدّي ) لا يضرّ ، فبالتالي نحتاج إلى صيغة أنت طالق أو هي طالق أو زوجتي طالق.

ورب قائل يقول:- نحن لا نحتاج إلى رواية في اثبات أنه تعتبر صيغة ( أنت طالق ) وإنما الحكم على طبق القاعدة ، أي أقول إنَّ هذه المرأة كانت زوجتي ولم تكن طالقاً فإذا لم أتلفظ بكلمة ( أنت طالق ) وإنما كتبت لها ( أنت طالق ) فحينئذٍ نشك في تحقق الطلاق وانتفاء الزوجية فنستصحب بقاء الزوجية وعدم تحقق الطلاق.

ولكن هذه الطريقة ينفع على غير مبنى السيد الخوئي(قده) ، فإن هذا استصحاب في الشبهات الحكمية الكلّية وهو لا يجري عنده لمعارضة استصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد ، يعني أنَّ السيد الخوئي(قده) يقول إنَّ استصحاب بقاء الزوجية معارض دائماً بأصالة عدم الجعل الزائد ، يعني نقول نحن نشك في أنَّ الشرع المقدَّس هل جعل الزوجية بعد أن صدر من الزوج الكتابة أو لا ، فنحن نعلم بأنه جعلها إذا لم يتلفّظ ولم يكتب أما إذا كتب فهل جعل الزوجية أو لا ، وهذا شك في أصل جعل الزوجية بهذا المقدار الزائد فنستصحب عدم هذا الجعل الزائد ويكون معارضاً لاستصحاب بقاء الزوجية ، وهذا أيضاً رأي الشيخ النراقي(قده) ، فبناءً على رأيه استصحاب بقاء الزوجية لا يجري لمعاضته بأصالة عدم الجعل الزائد ، ولكن إذا رفضنا هذا المبنى فلا مانع من جريان استصحاب بقاء الزوجية ، وذلك بنفسه يكون دليلاً على أنه يعتبر أن يقول الزوج ( أنت طالق ) ، وإلا فمجرّد الكتابة من غير تلفّظ مقتضى الاستصحاب هو ذلك من دون حاجة إلى رواية.

وجوابه:- إنَّ هذا الاستصحاب لا ينفع ولا يجري حتى لو سلّمنا جريانه في حدّ نفسه خلافاً للسيد الخوئي(قده) - أي حتى لو سلّمنا جريانه في الشبهات الحكمية - وذلك لوجود الدليل الاجتهادي ، فإنه مع ودود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى الدليل الفقاهتي ، والدليل الاجتهادي هو المطلقات مثل ﴿ الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ...... فإن طلقها فلا تحلّ له ...﴾ فالمقصود أنه عنوان الطلاق ، وهو حينما يكتب لها ( أنت طالق ) خصوصاً إذا كان يوجد مع ذلك شاهدان وهما يمضيان على تلك الكتابة وهو أيضاً يمضي عليها فعرفاً يصدق أنه قد طلّق فيشمله اطلاق ﴿ الطلاق مرتان ... ﴾ ، فمع وجود الدليل الاجتهادي - وهو هذا العموم - لا تصل النوبة إلى الاستصحاب ، فإذن هذا الاستصحاب ينفع في مورد عدم وجود عمومٍ فوقاني يمكن التمسّك به.

إذن الليل على اعتبار الصيغة الخاصة في باب الطلاق ينحصر بالروايات التي أشرنا إليها ، أما الاستصحاب فلا يجوز التمسّك به لوجود العموم الفوقاني الذي أخذ فيه عنوان الطلاق وهذا العنوان صادق بالكتابة فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب.


[1] والطريق معتبر اعلائي.
[2] وسال الشيعة ن العاملي، ج22، ص36، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ب14ن ح2، ط آل البيت.
[3] وهو حميد بن زياد من اهل نينوى مكرراً يروي عنه الشيخ الكليني وهو من الثقات.
[4] وهذا عطف على حميد بن زياد لأن الشيخ الكليني كما يروي عن حميد بن زياد مباشرة يروي عن علي بن ابراهيم مباشرة أيضاً فهذا طريق آخر عطف على ذلك الطريق.
[5] ومقصوده إن ابن أبي عمير – في السند الثاني – ابن رباط – في السند الأول – الاثنين معاً يروون عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم فإن توجد قطعة مشترطة بين الطريقين هي ابن أذينة عن محمد بن مسلم وتوجد قطعة أخرى يوجد فيها سندان، وهذه قضايا فنية تحل بالمراجعة.
[6] وكلا الطريقين معتبر.
[7] وسائل الشيعة، العاملي، ج22، ص41، ابواب مقدمات الطلاق، ب16، ح3، ط آل البيت.
[8] الحدائق الناضرة، البحراني، ج25، ص199.