1440/04/03


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

تفصيلٌ في المقام:- ذكرنا فيما سبق في بيان الخلاصة وتوضيح بعض الفروع أنه توجد صورتان يقع عقد الصبي فيهما باطلاً وصورتان يحكم فيهما بالصحة وقد تعرضت عبارة المتن إلى ذلك ، أما الصورتان اللتان حكم فيهما بالبطلان ما إذا فرض هو استقل في التصرف من دون استئذان الولي فهذا باطل بلا إشكال ، والصورة الثانية أن يأذن له الولي في ذلك ويكون الصبي مستقلاً في تصرفه ، يعني آخر الوالد يريد أن يشجع ابنه فيقول له اذهب واشترِ بمالك ما تراه خيراً ، فالأب عنده إذنٌ فقط في أن يتصرّف الولد بما يريد ، وهذه الصورة حكم فيها السيد الماتن ونحن بالبطلان أيضاً[1] .

وسؤالنا هنا:- ما هو وجه الحكم بالبطلان في هاتين الصورتين ؟

والوجه في ذلك:- هو أنَّ صحيحة أبي الحسين الخادم قالت ( إذا جرى عليه القلم جاز عليه أمره ) ومفهومها أنه إذا لم يجرِ عليه القلم لم يجز مره ، وهنا ما يصدر منه في هاتين الصورتين يصدق أنه أمر الصبي ، أما في الصورة الأولى فواضح ، وأما في الصورة الثانية فكذلك ، لأنه بعد إِذنِ الأب فأمرُهُ يصدق أيضاً ، فيحكم بالبطلان.

ولكن يمكن أن يذكر تقريب لتصحيح الصورة الثانية:-فإذاً حينما قلنا يوجد تفصيلٌ في المقام فنحن نقصد هذا المعنى ، يعني يٌفصّل بين الصورة الأولى والصورة الثانية ، ففي الصورة الأولى نبقى حاكمين بالبطلان ، وأما في الصورة الثانية وهي ما إذا أَذِن الوالد فهنا نريد أن نذكر الآن توجيهاً للحكم بالصحة ، وحاصله أن يقال:- إنّ الصبي حينما يذهب إلى السوق بعد فرض إذن الولي له يكون متصفاً بحيثيتين ، حيثية أنه يصدر منه الفعل بلحاظ نفسه وبما هو أمره لأنه مستقل وحيثية أنه يصدر منه من حيثية والده لأنَّ والده وكّله وأَذِن له ، فهو متَّسمٌ بهاتين الحيثيتين ، فالبيع يصدر منه فهذا واضح أنه يصدر منه بالاستقلال ، وفي نفس الوقت يصدق أنَّ هذا البيع قد حصل بإذن الوالد وبالتالي الأمر أمر الوالد ، فهو أمره وفي نفس الوقت هو أمر والده ووليه ، وإذا قبلنا بهذا وأنه متّسم بهاتين الصفتين فنقول إذا فرض أنه كان باطلاً من الحيثية الأولى باعتبار أنه يصدق أمره فإنَّ الرواية دلت بالمفهوم على أنه إذا كان الأمر له فحينئذٍ يقع العقد باطلاً ، ولكن هذا لا ينافي أنه صحيح من جهة الحيثية الثانية ، لأنه يصدق أمر الولي ، فيقع صحيحاً بهذا الاعتبار ، فالحيثية الأولى لا تقتضي الصحة بل تقتضي البطلان لو كانت وحدها ، ولكن بعد وجود الحيثية الثانية يمكن ان يقع صحيحاً من الحيثية الثانية، فعلى هذا الأساس نحكم بالصحة في هذه الصورة الثانية لهذا البيان ، وهو بيان علمي لطيف.

وربما يقصد السيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم الاشارة إلى لذلك ، حيث عبّر في الصورة الثانية وقال:- ( الصحة لا تخلو من وجه وإن كانت لا تخلو من إشكال ).

وقد يخطر إلى الذهن في الاشكال على هذا التوجيه:- بأن هذا وجيه فيما لو فرض أنَّ الأب حينما يجري العقد فهو يجريه عن نفسه وبلحاظ نفسه ، أما إذا كان يجريه بلحاظ الصبي لا بلحاظ نفسه فبذلك تعود الحيثيتان إلى حيثية واحدة وهي اجراء العقد عن الصبي ، لا أنها واحدة عن الصبي وواحدة بلحاظ الولي حتى نقول إنَّ البطلان من الحيثية الأولى لا ينافي الصحة من الحيثية الثانية ، بل الحيثيتان ترجعان إلى حيثية واحدة ، ويكفينا الاحتمال ، فنحتمل أنَّ الأب حينما يجري العقد فهو يجريه عن ولده ، لا أنه يجريه عن نفسه بما هو هو ، فإذاً تعود الحيثيتان إلى حيثية واحدة ، فلا معنى لأن نقول بأنَّ البطلان من الحيثية الأولى لا ينافي الصحة من الحيثية الثانية فإن هذا لا يكفي ، وقد قلنا إنَّ احتمال وحدة الحيثية يكفينا ، باعتبار أننا سوف لا نجزم بوجود الحيثية الثانية المصحّحة ، فكيف تصحّح العقد آنذاك بعد أن كان المصحّح هو الحيثية الثانية والحال أننا لا نجزم بتحققها ؟!!

ولكن يردّه:- إنَّ الوالد حينما يجري العقد فهو لا يجريه عن ولده فإنه ليس وكيلاً ، فالمورد ليس مورد الوكالة ، إذ الوكالة فرع التوكيل ، يعني يلزم أن يوكّل الولد والده ، والمفروض أنَّ الوكالة ليست موجودة هنا ، وإنما الشرع جعل حقاً للوالد في أن يجري العقد ( لصالح الولد ) وليس ( عن ولده ) ، فلابد من التفرقة بين عبارة ( لولده ) وبين عبارة ( لصالح ولده ) فهذا الحق هو حقٌ ثابت للاب وهو حق الولاية ، فهو وليٌّ في أن يجري العقد أو لا يجريه ، وإذا اراد أن يجريه فهو يجريه لصالح ولده لا عن ولده ، وإلا عاد إلى الوكالة ، والمفروض أنَّ الابن لم يوكّل والده ، فعلى هذا الأساس مادام هناك حقّ للوالد فحينئذٍ يكون الولد وكيلاً عن الوالد في إعمال حقّ الوالد ، حيث إنَّ للوالد الحق في اجراء العقد لصالح الولد ، والبطلان من الحيثية الأولى لا ينافي الصحة من الحيثية الثانية - أي حيثية اجراءه بالوكالة عن الوالد - لأنَّ الوالد له حقٌّ وهو قد جعل الولد وكيلاً في إعمال ذلك الحق ، أو أنه أَذِن له في ذلك ، فحينئذٍ الولد له الحق في التصرّف بالنيابة عن والده باعتبار إذن والدة أو الوكالة عن والده ، لأنَّ لوالده حق ، فإذاً البطلان من الحيثية الأولى لا ينافي الصحّة من الحيثية الثانية بهذا البيان . وهو بيان علمي ظريف ويستحق تأمل ، ولكن لا داعي إلى ذكره في الرسالة العملية.

إذاً عرفنا أنه بناءً على هذا يمكن أن نحكم بالصحة في ثلاث صور ، فبدلاً من أن نحكم بالصحة في صورتين الحكم بالصحة ممكناً في ثلاث صور ، أما الحكم بالبطلان فيختصّ بصورةٍ واحدة.هذا كله بما يرتبط بعقد الصبي وقد اتضح موارد البطلان وموارد الصحة.ما يستدل به على صحة معاملة الصبي:-

الدليل الأول:- نفس الآية المباركة ﴿ وابتلوا اليتامى ﴾ حيث تقدم أنَّ الفخر الرازي نسب إلى أبي حنيفة أنه استدل بهذه الآية الكريمة على صحة معاملة الصبي ، فإنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ﴾ ، وهذا معناه أنَّ الابتلاء يصير قبل البلوغ والابتلاء عبارة أخرى عن المعاملة ، فنقول له اذهب واشترٍ شيئاً أو بِع شيئاً ونلاحظ كيف يكون تصرفه ، وهذا معناه أنَّ معاملته صحيحة ، وإلا كيف يتحقق الابتلاء ؟!!، وقد أجبنا بما تقدم:- بأنَّ الابتلاء لا يتوقف على اجراء المعاملة ، بل يكفي اجراء المقدّمات ثم بعد ذلك يجري الولي الصيغة.

فإذاً هذا الوجه واضح التأمل.

الدليل الثاني:- رواية السكوني ، وهي:- محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني[2] عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كسب الاماء فإنها إن لم تجد زنت إلا أمة قد عرفت بصنعة يد ، ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فإنه إن لم يجد سرق )[3] .

وتقريب الصحة من خلالها بوجوهٍ ثلاثة:-

الوجه الأولى:- التعليل ، حيث جاء في ذيلها ( فإنه إن لم يجد سرق ) ، فإذا كانت معاملة الصبي باطلة في حدّ ذاتها فالتعليل بالأمر العرضي مع وجود الأمر الذاتي قبيح ، فمادام يوجد أمر ذاتي صالح للعلّية فالتعليل بالأمر العرضي يكون قبيحاً ، فإذاً الرواية علّلت بأنَّ هذا الصبي يحتمل أنه يسرق ، ومعنى ذلك أنَّ معاملته صحيحة ، وإلا إذا كانت باطلة في حدّ ذاتها لكان من المناسب أن يعلل يقول ( فإنه غلام والغلام معاملته باطلة ) لا أنه يعلل بأنه ( إن لم يجد سرق ).

التقريب الثاني:- إنه في الرواية قال:- ( الذي لا يحسن صناعة بيه ) ، فهذا أيضاً على نفس المنوال ، فإنه يفهم أنه لو كان يحسن صناعةً بيده فحينئذٍ كسبه لا بأس به ، والتعامل معه لا بأس به ، فذِكر هذا الأمر العرضي يكون لغواً إذا كانت معاملته في حدّ ذاتها باطل سواء كان يحسن صنعةً في يده أو لا يحسن ، فمادام هو صبياً تكون معاملته هي في حدّ ذاتها باطلة ، فيكون ذكر هذا الوصف العرضي لا معنى له ، فإنه مستهجن مادامت معاملته باطلة في حدّ نفسها ، إذ مع بطلانها سواء كان يحسن أو لا يحسن ، فذكر هذا الوصف يدل على أنَّ معاملته في حدّ نفسها ليست باطلة.

التقريب الثالث:- قرينة السياق حيث ورد:- ( نهى النبي عن كسب الاماء ) ، ومن المعلوم أنَّ كسب الاماء صحيح ولا يوجد احتمال لبطلانه ، لأنها بالغة ، فكسبها صحيح ، وبقرينة السياق يدل على أنَّ النهي الثاني الذي هو وارد في سياق النهي الأوّل أيضاً لا يفيد إلا الكراهة ولا يدل على البطلان.

والمهم من هذه التقريبات هما التقريبان الأوّل الثاني ، أما التقريب الثالث فمرحلته متأخرة.

وحاول الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[4] أن يتخلّص من هذه الرواية ، وكلامه يدل على أنه كان يشعر بضيق خناق فذكر بياناً لدفعها.


[1] أما الصورتان الأخريان فلا تهماننا الآن.
[2] والسكوني نعتبره بعبارة العدة للشيخ الطوسي، وكذلك النوفلي نقبله بشكل من الأشكال.