1440/04/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/ صوم المريض، صوم المسافر، صوم الدهر، إستحباب الإمساك تأدباً

 

صوم المريض

 

قال السيد الماتن (قده): (العاشر: صوم المريض ومن كان يضره الصوم.)

 

كأن هناك عنوانين هما عنوان المريض وعنوان من يضره الصوم، وقد يفهم من هذا أن حرمة الصوم على المريض ليست منوطة بالضرر، وإلا لو كانت كذلك فلا داعي لذكر كل منهما مستقلاً، بل كان بإمكانه أن يكتفي بالقول (يحرم الصوم على من يضره الصوم)، فيدخل فيه المريض أو يعبر ب(يحرم الصوم على المريض إن كان يضر الصوم به). وعلى كل حال تقدم الكلام عن هذا مفصلاً في بحث شرائط صحة الصوم، والنتيجة التي إنتهينا إليها هي حرمة الصوم على المريض الذي يضره الصوم، وعممناه حتى لحالة الضعف المعتد به الذي لا يكون ضرراً، فلا يشرع الصوم للمريض في هاتين الحالتين، وأما المريض الذي لا يضعفه الصيام ولا يضره فيجب عليه الصوم فضلاً عن عدم حرمته.

 

صوم المسافر

 

قال السيد الماتن (قده): (الحادي عشر: صوم المسافر، إلا في الصور المستثناة على ما مر.)

 

وتقدم بحثه أيضاً في شرائط صحة الصوم مفصلاً، ووافقنا السيد الماتن في ما ذكره. فالسفر لا يشرع فيه الصوم مطلقاً سواءاً أكان واجباً أم مندوباً، إلا في الصور المستثناة، وهي ثلاث صور:

 

ألف) صوم بدل هدي التمتع ثلاثة أيام

ب) صوم بدل البدنة ممن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً ثمانية عشر يوماً

ج) صوم النذر إذا كان مطلقاً لحال السفر والحضر، أو نذر الصوم في السفر

 

صوم الدهر

 

قال السيد الماتن (قده): (الثاني عشر: صوم الدهر حتى العيدين على ما في الخبر، وإن كان يمكن أن يكون من حيث اشتماله عليهما لا لكونه صوم الدهر من حيث هو.)

 

لا إشكال في حرمة صوم الدهر الشامل للعيدين، لأنه قد نوى حراماً، ولو صام كذلك فيكون قد عمل حراماً، لإشتماله على ما يحرم صومه قطعاً.

الكلام يقع في أن تحريم صوم الدهر هل يكون من جهة إشتماله على العيدين أو أن صوم الدهر عنوان مستقل للتحريم من دون دخل صوم العيدين في هذه الحرمة؟

فالبحث يقع في هذين الإحتمالين وما هو منشأ حرمة صوم الدهر. فعلى الإحتمال الأول يكون المحرم صوم يوم العيدين بخصوصهما دون سائر الأيام، وهذا يعني أنه لو صام الدهر ولم يصم العيدين لم يرتكب محرماً، وعلى الإحتمال الثاني يكون المحرم صوم سائر الأيام بالإضافة إلى يوم العيدين.

 

أما الإحتمال الأول فهو ظاهر الأصحاب، بل قالوا هو مما إتفق عليه الأصحاب، بل في الحدائق ذكر (بأني لم أقف على القول بالتحريم مع إفطار يوم العيدين).

 

وأما الإحتمال الثاني فهو ظاهر النصوص المعتبرة. وهي ثلاث روايات مذكورة في الباب السابع من أبواب الصوم المحرم والمكروه[1] :-

 

الأولى: موثقة سماعة

قال: سألته عن صوم الدهر؟ فكرهه، وقال: لا بأس أن يصوم يوماً ويفطر يوماً.[2]

 

وهي تدل على الإحتمال الثاني، والا لكان المناسب للتخلص من الكراهة أن يقول الإمام (عليه السلام) (صم ما عدا يومي العيدين)، لأن الحرمة بناءاً على الإحتمال الأول ناشئة من صومهما.

 

الثانية: صحيحة زراة

أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم الدهر؟ فقال: لم يزل مكروهاً.[3]

 

الثالثة: رواية زرارة

قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم الدهر؟ فقال: لم نزل نكرهه.[4]

 

هذه الرواية تكون معتبرة عند من يقول بوثاقة (معلى بن محمد) الوارد في سندها، ولكن بما أنه لم تثبت وثاقته عندنا فلا تكون معتبرة في نظرنا.

 

اما بقية روايات الباب فهي غير معتبرة سنداً.

 

قد يقال أن الأصحاب إنما أفتوا بالحرمة في صوم الدهر لفهمهم التحريم من لفظ الكراهة الوارد في الروايات المعتبرة.

 

وفيه لعله أن الأصحاب اتفقوا على التحريم -لو ثبت ذلك- من جهة إشتمال صوم الدهر على صوم العيدين الذي هو محرم قطعاً، لا من جهة حملهم الكراهة الواردة في الروايات على التحريم.

 

والتحقيق أن نقول: أن التعبير بالكراهة و إرادة التحريم منها قد ورد في كثير من الروايات، ولكن قد يشكك في ظهورها في التحريم في المقام من جهات:-

 

الجهة الأولى: يوجد إحتمال أن المراد من الكراهة هو شيء دون التحريم، خصوصاً أن هذه الروايات وردت في زمن الإمام الصادق (عليه السلام) وهو زمن متأخر.

 

الجهة الثانية: أن لسان هذه الروايات كأنه يناسب الكراهة ولا يناسب التحريم، كتعبير: (لم يزل مكروهاً) أو تعبير: (لم نزل نكرهه)، فهذه التعبيرات ليس فيها ظهور واضح في التحريم -إلا اذا كان الظرف ظرف تقية وأمثال ذلك- وإلا لعبرت الرواية أنه حرام. فليس لهذه الروايات ظهور واضح في التحريم.

 

الجهة الثالثة: ذهاب كثير من الأصحاب إلى الكراهة.

 

على كل حال القول بالكراهة يبدو أنه أقرب وإن كان الإحتياط في محله في أمثال هذا المقام.

 

إستحباب الإمساك تأدباً

 

قال السيد الماتن (قده): (مسألة ٣: يستحب الإمساك تأدباً في شهر رمضان -وإن لم يكن صوماً- في مواضع:

أحدها: المسافر إذا ورد أهله أو محل الإقامة بعد الزوال مطلقاً أو قبله وقد أفطر، وأما إذا ورد قبله ولم يفطر فقد مر أنه يجب عليه الصوم.)

 

تقدم بحث هذه المسألة (إستحباب الإمساك تأدباً) متفرقة في مطاوي كلامنا السابق، فالمناسب بحثها هنا لأهميتها، وبما أنه يكون من جملة المستحبات التي يقصد بها التقرب إلى الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى دليل لإثباته، وحاله حال أي حكم شرعي آخر.

 

والمورد الأول من هذه الموارد هو المسافر، وقد تقدم بحثه في شرائط صحة الصوم مفصلاً، وما ذهب إليه السيد الماتن تام لا إشكال فيه.