1440/06/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 63 ) – شروط المتعاقدين.

وكلا الجوابين قابل للمناقشة:-

أما ما ذكره أولاً[1] ففيه:- إنه وإن كان وجيهاً من جهة ، باعتبار أنَّ حديث الرفع كما قال إنه حديث امتناني ، فصحيحٌ هو لا يرفع إلا إذا كان في رفع الشيء منَّة ، ولكن التعليل بهذا في هذا المورد قابل للتأمل ، باعتبار أنَّ حديث رفع الاكراه حاكم على الأدلة الأوّلية ، يعني أنَّ الأدلة الأوّلية والمجعولات الأوّلية كحرمة شرب الخمر أو حرمة الكذب أو وجوب الصوم .... وهكذا فهذه مجعولات للشرع ولنعبّر عنها بالمجعولات الأوّلية ، فحديث الرفع ينظر إليها ويقول إنَّ ما جعله الشرع بالجعل الأوّلي هو مرفوع في حالة الاكراه ، أما الذي ليس مجعولاً للشرع أو لم يثبت كونه مجعولاً أوّلياً فالحديث لا يكون شاملاً له.

وإذا اتضح هذا نقول:- إنَّ السببية التامة للعقد هي مجعولة للشرع بالجعل الأوّلي بقوله تعالى ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ ، فهذا مجعول أوّلي بلا إشكال ، فهذا المجعول الأوّلي يرتفع حالة الاكراه ، وأما وجوب الوفاء بالعقد بعد الرضا إذا كان العقد مكرهاً عليه ثم رضي فهل في مثل هذه الحالة جُعِلَ العقد سبباً والرضا متمَّماً بحيث صارت السببية للعقد المقيّد بالرضا المتأخر فهل جعلت له هذه السببية أو لا ؟ إنَّ هذا عين المتنازع فيه ، فإنه لم يثبت أنَّه مجعول للشارع ، فإنَّ المتنازع فيه هو أنه هل جعل الشارع في هذه الحالة السببية للعقد لكن سببية ناقصة والجزء الثاني هو الرضا المتأخر ، فهذا يشك في أنه مجعول للشارع أو لا ، وهو عين المتنازع فيه ، فلا معنى لأنَّ نقول إنَّ حديث الرفع هل يشمله أو لا ، فإنَّه ليس من الصحيح قول ذلك ، فمن الخطأ أن تقول يشمله ، ومن الخطأ أن تقول هو لا يشمله لأنه خلف المنَّة ، والشيخ الأعظم(قده) قال لا يشمله لأنَّ الشمول له خلف المنَّة ، ونحن نقول: لا تقل ذلك ، فإنه بقطع النظر عن مسألة المنَّة هو لم يثبت كونه مجعولاً للشارع حتى نقول إنَّ الحديث لا يشمله لأنَّ الشمول خلف المنَّة.

فإذاً التعليل بأنه لا يشمله لأنَّ الشمول خلف المنَّة لا تصل النوبة إليه بعد فرض أنه لم يثبت كونه جعولاً أوّلياً للشارع.فلا تقل ( إنَّ الحديث لا يشمل السببية الناقصة فإنَّ في رفعها خلف المنَّة ) ، وإنما قل لا يشمل السببية الناقصة لأنه لم يثبت كونها مجعولة فإنها عين المتنازع ، فهي وحديث رفع الاكراه ناظر إلى ما كان مجعولاً من قبل الشارع وهذا لم يثبت أنه مجعول من قبل الشرع حتى نقول إنَّ الحديث لا يشمله لأنَّ الشمول له خلف المنَّ ، فإذاً هذا الجواب قابل للتأمل.

وأما جوابه الثاني[2] فيمكن أن يتأمل فيه:- ووجه التأمل: هو أنَّ السببية الناقصة للعقد لا تتوقف على حديث نفي الاكراه ، بل يوجد شيء آخر يمكن أن يستفاد منه السببية الناقصة ، وهو آية ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ وحديث ( لا يحل مال امرئ إلا بطيبة نفس منه ) فهذه الأدلة موجودة ، فإذاً السببية الناقصة للعقد لا تتوقف على حديث نفي الاكراه ، فإذاً لا يلزم من ذلك أنَّ الحديث يرفع ما ثبت بسببه ، كلا لا يلزم هذا المحذور فإنَّ السببية الناقصة يمكن أن نقول هي ثبتت بسبب هذه الأدلة الأخرى.

إن قلت:- صحيحٌ أنه توجد أمور أخرى دالة على اعتبار العقد - في النقل الانتقال - غير حديث نفي الاكراه ولكنها بأجمعها في عرضٍ واحد لا أنَّ المرتبة مختلفة ، فحديث نفي الاكراه في عرض حديث ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ) وهكذا في عرض غيره ، فماداما في عرضه فلا يتم ما ذكره ، إنما هذا يتم فيما إذا فرضنا أنه جاء أوّلاً مثلاً ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ) ورد أوّلاً وكان في المرتبة الأولى ، أما إذا كان الكل في عرضٍ واحد وفي رتبة واحدة ويدل على أنَّ طيب النفس والرضا شرط فلماذا تقول إنه بعدما كانت الرتبة واحدة أو السببية الناقصة هي قد ثبتت بحديث ( لا يحل امرئ مسلم ) وليس بحدث نفي الاكراه ؟

قلت:- صحيحٌ أنها في عرضٍ واحد وفي رتبة واحدة ولكن بالتالي السببية الناقصة للعقد هل تتوقف على حديث نفي الاكراه أو لا لوجود شيء آخر ، فنحن نمنع التوقّف الحصري ، فإنَّ السببية الناقصة ليست متوقفة حصراً بحديث نفي الاكراه ، فإذا كانت ليست متوقفة حصراً على ذلك فإذاً لا مانع في أن يرفع حديث نفي الاكراه الأثر الثابت بقطع النظر عنه ، فحتى لو قطعنا النظر عنه فهذا الأثر - وهو السببية الناقصة - ثابت بحديث ( لا يحل مال امرئ مسلم ) وغير ذلك.

والأجدر أن يجاب بشكل آخر وذلك بأن يقال:- إنه بعد تحقق الرضا من قبل المكره هل يصدق عنوان الاكراه حينئذٍ حتى يشمله حديث ( رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه ) ؟ إنه قد رضي فلا يصدق الاكراه ، وإذا لم يصدق الاكراه فإذاً لا يصح التمسّك به.

فكان على الشيخ الأعظم(قده) أن يقول إنَّ التمسك بحديث نفي الاكراه فرع صدق الاكراه ، والاكراه هنا لا يصدق بعد تحقق الرضا ، ثم يكمل ذلك ويقول وإذا شكك وقال نعم ما ذكرناه شيء وجيه ولكن لا نجزم بارتفاع عنوان الاكراه ، قلت يكفينا عدم الجزم لأنَّ المورد يصير من التمسك بالعام في الشبهة المفهومية ، لأننا لا نعلم بأنَّ الاكراه يصدق أو لا يصدق بعد تحقق الرضا فلا يجوز التمسّك به.إذاً اتضح أنَّ المناسب ردّ التمسّك بحديث نفي الاكراه بما ذكرناه لا بما ذكره الشيخ(قده).

بقي شيء:- وهو أنه استدل على بطلان عقد المكره إذا رضي بما ذكره جامع المقاصد والسبزواري بل مال إليه صاحب الجواهر من أنَّ المكره لا قصد له.

والجواب:- إذا كان الانيان عامياً ولا يعرف الأمور كما لو كانت امرأة وقالوا لها لابد أن تقبلي بالزواج من بابن عمك فقالت قبلت ، فهي لا تعرف أنها تقصد أصل العقد ، بل نحن الذين درسنا قد نغفل عن هذا لأنه يوجد اكراه ، فهنا هو يقول بعت ولكن بعت عن اكراه لا أني لم أقصد البيع فإن هذا خلاف الانصاف ، ثم ما هي الفائدة في أني لم أقصد البيع لأنَّ الظالم سوف يأخذ الدار ؟!! ، فقصدي للبيع لا يصعّب عليَّ شيئاً وكذلك عدم القصد لا يخفف عليَّ شيئاً فهو سوف يأخذ الدار فأنا أقول بعت وأكون قاصداً للبيع فإنَّ الأمر عادةً هكذا ولكني قصدت البيع عن اكراه لا أني ليست بقاصدٍ للبيع ، والوجدان شاهد على ذلك ، إلا بعد تنبّهنا إلى ذلك بعد الدراسة ، ولكن هذا يحتاج إلى التنبيه والالتفات إليه حين الاكراه.

فعلى أي حال اتضح أنَّ المناسب الحكم بصحة عقد المكره إذا رضي بعد ذلك لأجل أنَّ عنوان الاكراه سوف يزول بعد تحقق الرضا فيشمله ﴿ أحل الله البيع ﴾ و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ وما شاكل ذلك.


[1] من أنَّ حديث رفع الاكراه امتناني فلا يرفع إلا ما يكون في رفعه المنَّة ورفع السببية الناقصة ليس فيه منَّة.
[2] وهو أن السببية الناقصة ثبتت بسبب حديث نفي الاكراه فلا معنى لأن يرفع حديث رفع ما استكرهوا عليه ما ثبت بسببه لأن هاذ لا معنى له فإنه هو الذي دل على أن الرضا مانع يعني أن العقد وحدة ليس بسبب وإنما السبب هو العقد بضميمة الرضا، فهذا هو قد دل عليه فلا يمكن ان يرفع هذه السببية الناقصة التي ثبتت بسببه.