1440/06/10


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

قلنا في الدرس السابق أن الصحيح في مسألة إستدامة اللبث في الإعتكاف هو أنها مقوّمة له، بمعنى أن الإعتكاف ينتفي بمجرد الخروج، ولازم هذا القول هو بطلانه بالخروج مطلقاً بلا فرق بين صورة العمد والإختيار أو صورة العلم بالمبطلية أو الجهل بها، أو صورة النسيان أو الإكراه، أو الخروج للحاجة. نعم إذا دل دليل خاص على عدم المبطلية -كما ورد في صورة الحاجة- فنلتزم به. فلابد من أن نتكلم في كل صورة من الصور المذكورة حتى نرى هل يوجد دليل فيها يخرجها من المبطلية أو لا.

بالنسبة إلى صورة الخروج للحاجة فهناك أدلة كثيرة صحيحة تدل على جوازه، وهذا لا كلام فيه. إنما يقع الكلام في أن هذه الأدلة التي دلت على جواز الخروج للحاجة هل يفهم منها عدم مبطلية الإعتكاف به بحيث لو رجع يستأنف في إعتكافه، أو يفهم منها مبطليته به على القاعدة، نعم لا تترتب عليه الحرمة التكليفية؟ بعبارة أخرى هل يفهم منها جواز الخروج وضعاً وتكليفاً، وبالتالي يكون إستثناءاً مما دل على حرمة الخروج وما دل على مبطليته معاً، أو يفهم منها جوازه تكليفاً لا وضعاً، وبالتالي يكون إستثناءاً من الحرمة التكليفية الثابتة للخروج فقط؟

أصرّ بعض المحققين على أن هذه الأدلة لا دلالة فيها على أن الخروج للحاجة يكون مستثنى مما دل على مبطلية الخروج، بل يكون إستثناءاً مما دل على حرمة الخروج، وهذا يعني أنه مبطل للإعتكاف ولكنه جائز تكليفاً. وذكر أن رواية ميمون بن مهران[1] لا تدل على عدم المبطلية، إذ لم تذكر الرواية رجوع الإمام (عليه السلام) إلى المسجد وإستئناف إعتكافه بعد قضاء حاجة أخيه المسلم حتى نفهم منها عدم المبطلية، ولعله بعد ذلك لم يرجع إلى المسجد لكي يستأنف إعتكافه.

أقول: ما ذكره بالنسبة إلى هذه الرواية صحيح، لأنها حيادية، بمعنى أننا لا نستفيد منها بطلان الإعتكاف بالخروج لقضاء الحاجة، ولا نستفيد عدم بطلانه بذلك؛ ولكن باقي الروايات الموجودة في الباب السابع من كتاب الإعتكاف ظاهرة في عدم البطلان، إذ ورد في بعضها (ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لابد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع، والمرأة مثل ذلك)، أو (لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك) وغيرها من العبائر التي ظاهرة في الرجوع إلى الإعتكاف بعد قضاء الحاجة.

فإنصافاً يمكن الاستدلال بها على عدم المبطلية ولكن بمضمون الخروج للحاجة، لأنه لا يمكن توجيه النهي عن الجلوس أو النهي عن الجلوس تحت الظلال بعد الخروج مع فرض بطلان الاعتكاف بمجرد الخروج، لإستبعاد انه حكمٌ تعبديٌ محض، ولامانع من الالتزام بعدم المبطلية للخروج للحاجة لهذه الروايات ويكون هذا إستثناءاً من حرمة الخروج تكليفاً ومن مبطلية الخروج للإعتكاف إذا تم الدليل على أيٍ من الامرين.

نعم تقدم النقل عن البعض استبعاد وجود إستثناء من بطلان الحكم الوضعي، وإنما الإستثناء يكون من جهة الحكم التكليفي إذا كان الإستثناء من جهة الأهمية، فإذا كان موردنا كذلك لأهمية قضاء حاجة المؤمن على الإعتكاف فالمناسب أن يكون الإستثناء إستثناءاً من الحكم التكليفي، فإذا التزمنا بمضمون الروايات الظاهرة في أن الإستثناء يكون من الحكم الوضعي أيضاً والتزمنا بما تقدم من أن اللبث مقوم للإعتكاف فيكون إستثناء من الحكم الوضعي أيضاً، فإذا دل الدليل على ذلك نلتزم به وإن كان من غير المناسب أو كان نادراً، ومن الممكن أن يكون الإستثناء من الحكم الوضعي لأجل الأهمية، كما يذكر ذلك في رد السلام في الصلاة، فالبطلان بفعل المنافي إستثني منه رد السلام.

أما الخروج العمدي وهو الخروج لا لحاجة، عالماً كان أم جاهلاً، فعلى ضوء القاعدة نلتزم بالمبطلية ولا نواجه مشكلة لا على مستوى الفتاوى ولا على مستوى الأدلة، فأما على مستوى الأدلة فلا توجد أدلة تدل على خلاف مقتضى القاعدة، وأما الفتاوى فأيضاً لا نواجه مشكلة في الإلتزام بالمبطلية، لأن الفقهاء إلتزموا بالبطلان إضافة إلى الحرمة التكليفية، بل أدعي الإجماع على البطلان في الخروج العمدي من قبل المحقق في المعتبر والعلّامة في بعض كتبه كالمنتهى. فالخروج العمدي الإختياري لا إشكال في الإلتزام بمبطليته.

نعم يستشكل في بعض صور الخروج العمدي وهي صورة الجهل القصوري -بخلاف التقصيري الذي حكمه حكم العالم العامد- فقد يقال أنه في صورة الجهل القصوري لابد أن نلتزم بالصحة وعدم البطلان، إستناداً إلى حديث الرفع، فإن واحدة من الفقرات التسع التي يرفعها الحديث هي (ما لا يعلمون)، ويطبق الحديث في محل الكلام ويقال أنه المانعية مرفوعة في حال الجهل، بمعنى أن الخروج عن إختيار مانع عن صحة الإعتكاف ولكن الشارع في حال الجهل يرفع المانعية، فحينئذ لا يكون إعتكافه مقروناً بالمانع ويكون صحيحاً.

ولكن قد يقال أن هذا الدليل إذا تم فيمكن تعميمه حتى للجاهل التقصيري. وجوابه أن الجاهل التقصيري يلحق بالعالم العامد فلا يشمله حديث الرفع.

لكن يرد عليه أولاً بما يذكر عند التمسك بحديث الرفع وأمثاله لإثبات حكم، وهو أن حديث الرفع رافعٌ لا مثبت، بمعنى أنه يرفع الحكم ولكن لا يثبت حكماً، ومثال ذلك الجزئية للسورة في الصلاة، يرتفع وجوبها مع بقية الأجزاء عن المكلف في حال الجهل، ولكن هذا لا يثبت وجوب بقية الأجزاء عليه، بل يجب إثبات الوجوب من دليل آخر، وما نحن فيه من هذا القبيل فحديث الرفع يرفع المشروعية للإعتكاف مع كون الخروج مانعاً، وهذا لا دلالة فيه على إثبات المشروعية للإعتكاف، بمعنى إثبات صحة الإعتكاف مع الخروج عن عمد لكن في حال الجهل، وحديث الرفع لا يتكفل إثبات ذلك. وثانياً -وهو الأهم- أن حديث الرفع مفاده حكم ظاهري، والأحكام الظاهرية متأخرة بمرتبة من المراتب -على الإختلاف في كيفية تأخرها- عن الحكم الواقعي، فهي تكون حكماً للمكلف في ظرف الجهل بالحكم الواقعي، أما إذا إنكشف الحكم الواقعي فيرتفع الحكم الظاهري، ففي الإعتكاف إذا خرج من المسجد لظنه بجواز الخروج إجتهاداً أو تقليداً ثم رجع إلى المسجد لإكمال إعتكافه، وتبين خطأه في إعتقاده فيعود الحكم إلى ما كان عليه سابقاً، فعند إنكشاف الواقع فعلى المكلف الأخذ به لإنتفاء موضوع الحكم الظاهري، فلا معنى لأن يقال أن الصحة الظاهرية باقية حتى مع إنكشاف الواقع وتبين الخطأ، فمع تبين الواقع والخطأ يحكم بالبطلان.


[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج١٠، ص٥٥٠، كتاب الإعتكاف، ب٧، ح٤، ط آل البيت. وهي ما يرويه الشيخ الصدوق في الفقيه بإسناده عن ميمون بن مهران قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي (عليهما السلام) فأتاه رجل فقال له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن فلاناً له عليّ مال، ويريد أن يحبسني، فقال: والله ما عندي مال فأقضي عنك، قال: فكلمه، قال: فلبس (عليه السلام) نعله، فقلت له: يا بن رسول الله أنسيت إعتكافك؟ فقال له: لم أنس، ولكني سمعت أبي يحدث عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله عز وجل تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله