04-03-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).

استدراك وتوضيح:- ذكرنا أنا نرجع الى الاطلاق إن كان هناك إطلاق وإلا فإلى استصحاب بقاء الحرمة والنتيجة واحدة لا تختلف ، والآن نقول:- إنه متى ما تعذّر التمسك بالاطلاق تعذّر التمسك بالاستصحاب أيضاً فهما من هذه الناحية سيّان ولا يمكن أن يقال إن تعذر التمسّك بالاطلاق نرجع آنذاك الى الاستصحاب ، كلا بل إن تعذّر التمسك بالاطلاق تعذّر التمسّك بالاستصحاب أيضاً  والوجه في ذلك هو أنه إنما يتعذّر التمسك بالاطلاق باعتبار أن موضوع حرمة الطيب - الذي هو محلّ كلامنا - هو لحيثية المحرِم والاحرام والتشكيك في ثبوت الاطلاق هو من جهة التشكيك في صدق هذا الموضوع - أعني عنوان المحرم والاحرام - وحينئذٍ نقول إنه يلزم أن لا يجري الاستصحاب أيضاً لأن موضوع حرمة الطيب الثانية سابقاً هو عنوان المحرم والاحرام فإن الموضوع لحرمة الطيب هو المحرم لا ذات الشخص وعلى هذا الأساس حيث لا نحرز صدق هذا العنوان فلا يمكن أن يجري استصحاب بقاء الحرمة فإن الاستصحاب المذكور - أي بقاء الحرمة - فرع إحراز صدق عنوان المحرِم فإذا كان صدقه مورد تشكيك فيلزم أن لا يجري استصحاب بقاء الحرمة ، نعم إذا قلت إن موضوع الحرمة هو ذات الشخص وأن الاحرام هو حيثيّة تعليليّة وليست تقييديّة فحينئذٍ يلزم إمكان التمسك بالاطلاق ولا وجه للتشكيك في ثبوت الاطلاق ولا تصل النوبة آنذاك الى الاستصحاب أما إذا استظهرنا أو احتملنا أن موضوع الحرمة هو المحرِم والاحرام فحينئذ ٍكما الاطلاق لا يمكن التمسك به كذلك الاستصحاب لا يمكن التمسك به لصدق الشكّ في صدق وفي تحقّق وبقاء الموضوع . إذن هما من هذه الناحية - أي الاطلاق مع الاستصحاب - لا يختلفان فإما أن يكون الاطلاق ثابتاً بأن كان الموضوع ذات الشخص والإحرام حيثيّة تعليليّة فالاستصحاب يمكن التمسّك به ولكن حيث يوجد إطلاق فلا معنى للتمسك به وإذا كان الموضوع هو المحرِم والاحرام فكما يتعذّر التمسّك بالاطلاق كذلك يتعذّر التمسّك بالاستصحاب وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.

وللتوضيح أكثر نقول:- إن الشبهة الحكميّة تارةً لا تكون مفهوميّة بل تكون مفهوميّة محضة وأخرى تكون حكميّة مفهوميّة أي أن الشك في الحكم ناشئ من الشك في المفهوم وواضح أن كلّ شبهة مفهوميّة هي شبهة حكميّة ولكن ليس كلّ شبهة حكميّة هي مفهوميّة فربما تكون حكميّة بلا أن تكون مفهوميّة مثل الشك في بقاء وجوب صلاة الجمعة في زماننا فإن هذا شكّ في الحكم الكليّ ولم ينشأ هذا الشك من تردّد المفهوم بل من جهة احتمال أن وجوب الجمعة يختصّ بزمان الحضور إذن هنا شبة حكميّة ولكن لم تنشأ من شبهة مفهوميّة وهنا وقع الكلام في أن الاستصحاب هل يجري أو لا يجري ؟ فالسيد الخوئي(قده) الذي يرى أن الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكميّة في باب الأحكام الكليّة قال إنه لا يجري بينما الاتجاه المقابل قال يجري ولا مانع لعدم وجود معارضة بين استصحاب بقاء المجعول وأصالة عدم الجعل الزائد ، وأما إذا كانت الشبهة حكميّة مفهوميّة فهنا ليس فقط السيد الخوئي(قده) يقول بعدم جريان الاستصحاب بل الاتجاه المقابل يقول أيضاً بعدم جريان الاستصحاب كما لو فرضنا أن العالم كان يجب إكرامه ولكن نفترض أن الشخص نسي علمه فهل أن وجوب الاكرام باقٍ في حقّه أو لا ؟ ومنشأ الشك هو أن هذا الشخص هل يصدق عليه أنه عالمٌ أو لا ؟ فإذا قلنا إن المشتق موضوعٌ للأعم من المتلبّس ومن المنقضي عنه المبدأ فهذا عالمٌ فيجب إكرامه وأما إذا قلنا إنه موضوع لخصوص المتلبّس فهذا ليس بعالمٍ فلا يجب إكرامه فإذا شككنا فهل يجري استصحاب بقاء الوجوب ؟ كلا لا يجري فيقال هذا استصحابٌ في شبهةٍ مفهوميّة وهو لا يجري . إذن نحن نتفق مع السيد الخوئي(قده) في عدم جريان الاستصحاب ولكن هو يقول إنه  لا يجري من ناحيتين من ناحية أنها شبهة حكميّة ومفهومية وأما نحن فنقول إنه لا يجري من ناحية أنها مفهوميّة ، أما لماذا لا يجري الاستصحاب في الشبهات المفهوميّة ؟ إن الوجه في ذلك هو أن المورد يدور بين اليقينين - أي بين اليقين بالبقاء واليقين بالارتفاع - لأنك حينما تريد أن تستصحب العالم فماذا تستصحب ؟ إنه إما أن تستصحب العالم بمعناه الوسيع الشامل لمن انقضى عنه التلبّس فهذا عالمٌ جزماً ولا شكّ حتى نحتاج الى الاستصحاب ، وإذا كنت تريد استصحاب معنى العالم بدائرته الضيّقة الموضوع لخصوص المتلبّس فهذا منتفٍ عنه التلبس جزماً ، وإذا أردت أن تستصحب مفهوم العالم بما هو مفهوم عالم - يعني اسم العالم بما هو اسم العالم بقطع النظر عن كون مفهومه مشيراً الى الوسيع أو مشيراً  الى الضيق - فأقول اسم العالم كان أوّلاً صادقاً والآن أشك هل هو صادقٌ أو لا فاستصحب الاسم بما هو اسم - فجوابه واضح فإن الاسم بما هو اسم ليس موضوعاً للحكم وإنما هو مأخوذ بما هو مشير الى هذه الذات أما بما هو لفظ فلا عبرة به . إذن ماذا تريد أن تستصحب ؟ لم يبق لك إلا أن تقول - كما قال بعض - نشير الى الذات ونقول إن هذه الذات كان يجب إكرامها سابقاً والآن نشك فيجب إكرامها فيجري آنذاك الاستصحاب .

وجوابه واضح:- فإن المفروض أن الذي يجب إكرامه ليس هو الذات بما هي ذات وإنما بما هي عالم يعني أن حيثيّة العلم حيثيّة تقييديّة يعني هي مصب الحكم  لا حيثيّة تعليليّة - يعني أن الذات هي مصبّ الحكم - كلّا وإنما مصب الحكم هو إما عنوان العالم أو لا أقل أنه محتملٌ فمادمنا نجزم أن الموضوع هو حيثيّة العالم أو نحتمل أنه ذلك - ويكفينا الاحتمال - فكيف يمكن آنذاك أن نستصحب الموضوع.
إذن الاستصحاب في الشبهات المفهوميّة لا يجري - يعني لا الاستصحاب الموضوعي ولا الاستصحاب الحكمي - إنه بناءً على هذا يتضح الحال في مقامنا فيقال إنه إذا أردنا أن نجري استصحاب حرمة الطيب فأنت ماذا تقصد فهل تريد أن تستصحب عنوان المحرِم أو تستصحب نفس الحكم دون عنوان المحرِم - يعني هل تريد استصحاب موضوعيّ أو حكمي - ؟ فإن أردت الأول فحينئذٍ نقول إن عنوان المحرِم بمعناه الوسيع - وهو أن ندّعي أن عنوان المحرم يصدق مادام يوجد محرّم ولو واحد وهو النساء - فهذا جزماً هو باقٍ لا شكّ فيه حتى تحتاج الى الاستصحاب ، وإن أردت الثاني - أي بمعناه الضيق - فجزماً هو منتفٍ ، وإذا كان مقصودك هو عنوان المحرِم بقطع النظر عن أخذه بنحو المشيريّة الى المحرّمات - فتقول إنه كان يصدق أنه محرِم بما هو لفظٌ والآن يصدق – فقد قلنا إن الأسماء بما هي أسماء والألفاظ بما هي ألفاظ لا تدور مدارها الأحكام أي لا أثر لها فالاستصحاب الموضوعيّ إذن لا يجري . وأما الاستصحاب الحكمي بأن تقول إن هذا الشخص كان سابقاً يحرم عليه الطيب والآن كذلك فهذا خلف فرض أن الحرمة ثابتة لعنوان المحرِم جزماً أو احتمالاً فمادمنا نحتمل أن الحرمة ثابتة لعنوان المحرِم فعلى هذا الأساس كيف تجري الاستصحاب الحكمي ؟!

ومن خلال هذا نقول:- اتضح أن حرمة الطيب بعد الحلق أو التقصير لا يمكن أن نحكم بها بنحو الفتوى لأنه لا الاطلاق يمكن التمسك به ولا الاستصحاب وإنما نحكم بها بنحو الاحتياط الوجوبي ، وإنما احتطنا وجوباً لأجل روايات الطائفة الأولى - التي هي سبع روايات - والتي يحتمل أنها تشكّل عنوان السنّة القطعيّة فلأجل هذه الاحتمالات الوجيهة نصير الى الاحتياط الوجوبي أما الفتوى فهي متعذّرة باعتبار أنها متوقفة على وجود إطلاقٍ بعد التساقط أو استصحابٍ وقد عرفنا أن ذلك محلُّ إشكال.