1440/07/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٥ و١٦ في نذر الإعتكاف

كان الكلام في المسألة الخامسة عشر، وتقدم منا بيان بعض المطالب المذكورة في تقريرات السيد الخوئي (قده)، ويقع الكلام في مطلب اخر ذكره أيضاً، [1] وحاصله ان الحكم في محل الكلام يبتني على مسألة، وهي انه في باب النذر هل يلزم قصد عنوان الوفاء بالنذر لكى يحصل تفريغ الذمة والإمتثال، أو لا يلزم ذلك؟ وبعبارة أخرى: الوفاء بالنذر هل هو عنوان قصدي أو لا؟

فإذا قلنا بالأول فحينئذ يتم الكلام الذي ذكر من انه لابد من تعيين اليوم الذي يكون وفاءً بالنذر من بين الأيام الثلاثة، فتأتي مسألة انه هل يجب تعيين اليوم الأول، أو انه يتخير في تعيين احد الأيام الثلاثة؟

وأما اذا قلنا بالثاني -بناء على ان الوفاء ليس معناه الا الإنهاء واتمام ما التزم به بواسطة النذر بالإتيان بالمنذور، وعلى ان الوجوب الذي ينشأ من النذر وجوب توصلي لا يشترط في امتثاله قصد التقرب- فلا يكون هناك مجال للبحث عن انه هل يجب عليه ان يعين اليوم الأول، أو يكون مخيراً في جعل المنذور احد الأيام الثلاثة، اذ لا حاجة الى التعيين اصلاً. ففي مورد الكلام -الذي يكون المنذور هو الإعتكاف في يوم واحد- اذا اعتكف على النحو المعتبر شرعاً يتحقق الوفاء حتى اذا لم يقصد عنوان الوفاء بالنذر، ولم يقصد التقرب بذلك، فيحسب واحد من الأيام الثلاثة وفاء بالنذر، والباقي يكون متمماً ومصححاً للاعتكاف المنذور، لانه لا اعتكاف أقل من ثلاثة أيام.

نعم، اذا كان المنذور عبادة فحينئذ لابد من قصد التقرب باعتبار ان المنذور عبادة، وهذا مطلب آخر لا ينافي ما تقدم، فإذا نذر ان يعتكف، فانه يعتبر قصد التقرب في الإعتكاف، لكن اذا أتى بالإعتكاف القربي لا يحتاج ان يقصد القربة بامتثال الأمر بالوفاء بالنذر.

توضيح ذلك: وجوب الوفاء بالنذر يعني وجوب الإتيان بمتعلق النذر، وما تعلق به النذر عبارة عن اعتكاف يوم واحد -بعد افتراض انه اعتكف ثلاثة أيام-، فاذا اعتكف يوماً واحداً بنحو قربي سقط وجوب الوفاء بالنذر ويتحقق الإمتثال، ولا دليل على اعتبار قصد امتثال الأمر بالوفاء، وهذا هو معنى توصلية وجوب الوفاء بالنذر، فاذا فرضنا انه نذر أن يطعم فقيراً أو أن يقرأ سورة من القرآن يتحقق الوفاء بالنذر بأن يطعم فقيراً -واذا اطعم عشرة فقراء في آن واحد مثلاً بلا تعيين في أن اطعام أي منهم يكون وفاء بالنذر، يتحقق الوفاء بالنذر أيضاً- وبأن يقرأ سورة من القرآن حتى لو لم يقصد عند قراءته انه وفاء بالنذر.

وبناء على هذا الكلام اذا اعتكف في اليوم الأول، فإن للسيد الخوئي عبارة يقول فيها (انه ينطبق عليه المنذور قهراً)، وكأنه يريد ان يقول انه يتعين انطباق المنذور على اليوم الأول الذي يعتكف فيه، لكن الظاهر ان الأصح ما ذكره في عبارته الاخرى وهي انه يحسب واحد من الثلاثة وفاء للنذر، وذلك لخصوصية في المنذور في محل الكلام وما شاكله، حيث ان هناك فرقاً بين الإعتكاف ونظائره وبين ما يكون من قبيل اطعام الفقير، فاننا اذا فرضنا انه نذر ان يطعم فقيراً واطعم ثلاثة فقراء على نحو الترتيب في الزمان، فلا اشكال في ان الوفاء بالنذر ينطبق على الفرد الأول، لكن في الإعتكاف الأمر مختلف، لانه نذر اعتكاف يوم واحد على النحو المعتبر شرعاً، ونحن نعلم بأنه مشروط بضم يومين آخرين بحيث اذا لم يضمهما اليه لا يكون اعتكافه صحيحاً ولا يكون قد جاء بالمنذور، فهذه الخصوصية تمنعنا من ان نقول ان المنذور ينطبق قهراً على اول ايام الاعتكاف. وبعد إنتهاء الإعتكاف باليوم الأخير لا يمكن أن يقال أن الوفاء تحقق باليوم الأول، لأن هذا ليس أولى من القول أن النذر تحقق باليوم الأخير أو الثاني، فعلى كل الحالات لا يتحقق الإعتكاف إلا بعد إنتهاء آخر لحظة من اليوم الأخير، ولا يوجد مرجح في البين لكون الإمتثال تحقق باليوم الأول فقط، فيصح كلام السيد الخوئي (قده) من حساب أحد الأيام الثلاثة بلا تعيين وفاءً للنذر، لأن وجوب الوفاء بالنذر توصلي كما ذكر (قده). نعم، هذا الكلام كله إنما يأتي إذا لم يعين المكلف يوماً بعينه ليكون هو الوفاء بالنذر، وله أن يعين ذلك، فإن عيّـن فيتعين ذلك، لكن الكلام في أنه لا حاجة إلى التعيين كما ذكر (قده)، وهذا هو الصحيح.

(مسألة ١٦): لو نذر اعتكاف خمسة أيام وجب أن يضم إليها سادساً

مسألة وجوب ضم اليوم السادس تقدم الكلام عنها في الشرط الخامس من شروط الإعتكاف، وهو الصحيح، وتقدم الإستدلال على ذلك بموثقة أبي عبيدة الحذاء

عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - قال: من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر. [2]

وهي صريحة في ذلك، بل هناك قول حكاه السيد الماتن (قده) سابقاً وهو أنه كلما زاد في الإعتكاف يومين وجب اليوم الثالث، وهذا لا يختص باليوم السادس، وقد تقدم مناقشة هذا القول سابقاً، لكن لا إشكال في وجوب اليوم السادس كوجوب الثالث في الثلاثة الأولى لدلالة الموثقة عليه.

 

ثم قال (قده): سواء تابع أو فرق بين الثلاثتين.

والمقصود بالمتابعة هنا إما المتابعة والتفريق الخارجي كما يظهر ذلك من كلام السيد الخوئي (قده)، أو أن المقصود هو المتابعة والتفريق في النية كما إحتمله بعضهم، فإن المكلف تارة يجمع بين الإعتكافين في نية واحدة بأن ينذر أن يعتكف خمسة أيام مثلاً، وأخرى يفرق بينهما في نيته، كما إذا نوى أن يعتكف ثلاثة أيام ثم نوى أن يعتكف يومين آخرين، والظاهر أن ما ذكره السيد الخوئي (قده) هو الأصح، وهذا هو ظاهر موثقة أبي عبيدة المتقدمة، إذ ظاهرها هو أن المتابعة تكون خارجية في قبال التفريق، بمعنى أن يأتي بالثلاثة الثانية بعد الأولى من دون فصل.

هذا في صورة المتابعة، أما في صورة التفريق -كما لو إعتكف ثلاثة أيام، ثم ترك، ثم إعتكف يومين آخرين- فوجوب السادس يكون أوضح، وذلك لوجوب اليوم الثالث في الإعتكاف، وفي مفروض الكلام أنه فرّق بين الإعتكافين، فالإعتكاف الثاني يكون إعتكافاً جديداً فيجب يومه الثالث.

بعبارة أخرى: تارة نتكلم عن وجوب اليوم الثالث في الإعتكاف -كما في الإعتكاف الثاني في صورة التفريق بينهما-، وأخرى عن وجوب اليوم السادس فيما إذا تابع بين الإعتكافين؛ والدليل على النحو الثاني هو موثقة أبي عبيدة المتقدمة، أما النحو الأول فوجوبه يكون أوضح.

ينقل عن الشهيد الثاني في الروضة أنه نقل قولاً بإختصاص وجوب السادس بالإعتكاف المندوب، ولا يشمل الواجب منه[3] ، وذلك لأن الدليل على وجوب السادس هي الموثقة المتقدمة، وهي واردة في المندوب لقوله (عليه السلام) (فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، وإن شاء خرج من المسجد)، إذ لا معنى بأن يكون المكلف في الإعتكاف الواجب مخيراً في اليوم الرابع، فالموثقة تختص بموردها ولا تشمل محل الكلام وهو الإعتكاف الواجب بالنذر.

 


[3] الروضة البهيّة، الشهید الثاني، ج١، ص٤٣٠، ط مجمع الفكر الإسلامي.