1440/08/02


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

والجواب:- أما بالنسبة إلى قاعدة الصحة فالمقام ليس مورداً لها.

وقبل أن نبين كيف ذلك نذكر نبذة قصيرة عن قاعدة الصحة:- إنَّ قاعدة الصحة تأتي بمعنيين ، فهي تأتي بمعنى أنه صدر فعل من شخص ولا ندري أنَّ هذا الفعل الذي صدر منه محرّماً أو محللاً فقاعدة الصحة تقول هو محلل ولا شيء عليك ، فبعض الناس قد يصدر منهم كلام في حق بعض الناس ولا نعلم أن هذه غيبة أو أنه يوجد عنده مبرر شرعي ، فهنا هل نبني على أنَّ هذا المتكلم قد سقط عن العدالة ؟ كلا ، بل نبني على الصحة ، فإذاً متى ما صدر فعل من إنسان نشك في حرمته وحليته يبنى على حليته ، والمستند في ذلك بعض الروايات من قبيل قول أمير المؤمنين عليه السلام:- ( ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من اخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا )[1] ، فإذاً قاعدة الصحة بهذا المعنى مسلمة ومستندها الروايات.

وهذا لا نقصده من قاعدة الصحة في المقام وإنما نقصد قاعدة الصحة بمعنى آخر وهو أننا نقصد قاعدة الصحة في باب المعاملات ، يعني إذا صدرت معاملة من شخص ولا ندري أن هذه المعاملة صحيحة أو فاسدة فهنا نبني على الصحة ، وهذه ليست مسألة حلال أو حرام وإنما هذه مسألة أنَّ الذي صدر منه مطابق للواقع ويترتب عليه الأثر أو لا يترتب عليه الأثر فنبني على قاعدة الصحة بهذا المعنى ، كما لو اشترى شخص فاكهة وقدمها لنا ولكن نحن لا ندري أنَّ البيع صح أو لا بأن كانت هناك جهالة أو أنَّ الثمن لم يتعيّن أو غير ذلك فهنا نبني على صحة شرائه ، أو أنك تريد شراء دار فمن قال أنَّ صاحب الدار حينما اشتراها فهو قد اشتراها ببيع صحيح ؟ فهنا نبني على الصحة ، هذه هي قاعدة الصحة في باب المعاملات ، والمستند لهذه القاعدة هو سيرة العقلاء فإنها جرت على ذلك ، وحيث إنَّ هذه سيرة ليست جديدة وإنما هي مستمرة ولم يرد عنها ردع فتكون ممضاة.إذاً النتيجة هي أنَّ قاعدة الصحة بالمعنى الأول أقصى ما نقول إنه لم يفعل حراماً ولكن لا يلزم أن نقول فعل شيئاً كما لو تكلم شخص من بعيد وشككنا هل قال سلّم عليَّ أو أنه سبّني فقاعدة الصحة تقول إنه لم يسبّني ولكنها لم تقل هو قد سلّم حتى يجب علي رد السلام ، وهذه نكتة ينبغي الالتفات إليها ، فبالمعنى الأول قاعدة الصحة أقصى ما تقوله إنه لم يفعل حراماً لا أنه فعل شيئاً بحيث تربت الآثار على الطرف الآخر، هذه فائدة جانبية ذكرناها.إذاً قاعدة الصحة هي بمعنيين بالمعنى الأوّل بمعنى أنه لم يفعل حراماً وبالمعنى الثاني الذي هو في باب العقود أن العقد الذي صدر هو تام الشرائط وصحيح ومستد ذلك هو السيرة العقلائية الممضاة.وبعد أن عرفنا هذا نأتي إلى موضعنا وهو أنَّ الاشكال كان على الامام عليه السلام - وهذا من باب ضيق التعبير - وهو أنه كيف أجرى الامام عليه السلام استصحاب عدم تحقق الأثر وعدم ترتبه على العقد ، يعني أنَّ النقل والانتقال لم يحصل ، يعني الأب لم ينتقل لأننا نحتمل أنه اشتري بمال مولاه فكيف أجرى الامام أجرى استصحاب عدم ترتب الأثر والحال أنَّ أصالة الصحة مقدمة بلا إشكال وإلا لم يعد هناك مورد لأصالة الصحة وسوف لا نستفيد منها شيئاً ؟

والجواب:- إنَّ أصالة الصحة إنما تجري فيما إذا فرض العلم بتحقق العقد ، أي صدر عقد ولا ندري أهو صحيح أو فاسد ، أما إذا لم ندرِ هل هناك عقد أو ليس هناك عقد فهل هذا مورد لأصالة الصحة ؟ ومقامنا من هذا القبيل ، فنحن لا ندري هل يوجد عقد أو لا لأنَّ هذا العبد المأذون حينما اشترى أباه إن كان قد اشترى أباه بأموال الناس الآخرين كان العقد متحققاً ، وأما إذا كان قد اشتراه بمال نفس مولى الأب فلا يوجد عقد أصلاً لفرض أنَّ كلا الثمن والمثمن من شخص واحد ، فإذاً في موردنا نشك في وجود العقد وعدمه تحقق العقد وعدمه وهذا ليس موردا لأصالة الصحة هكذا قل.

أو قل:- لنفترض تنزلاً أنه عند اتحاد الثمن والمثمن يتحقق العقد ولكن بالتالي لا ندري هل هذا العقد قد تحقق أو ذاك العقد قد تحقق ، يعني العقد الذي يكون فيه الثمن والمثمن واحداً أو العقد الذي يكون فيه الثمن والمثمن مختلفاً وقاعدة الصحة إما تجري فيما إذا فرض وجود عقد واحد معين جزماً نشك في صحته وفساده لا أننا لا ندري أن هذا العقد هو الصادر أو ذاك فقاعدة الصحة لا تعيّن ذلك.

أما أنه لماذا لا تجري أصالة الصحة إذا فرض أن العقد كان واحداً ؟

والجواب:- ذكرنا أنَّ مدرك أصالة الصحة هو السيرة والقدر المتيقن منها ما إذا كان هناك عقد متعين جزماً ولكن نشك هل هو واجد للشرائط أو لا أما إذا شككنا أنه هل هناك عقد أو ليس هناك عقد فهذا لا نجزم بمشموليته لسيرة العقلاء ، أو فرض أننا نشك أنَّ هذا العقد الذي يتحد في الثمن والمثمن قد صدر أو ذاك العقد الذي لم يتحد فيه الثمن والمثمن فهذا أيضاً لا نجزم بأنه مشمول للسيرة العقلائية ، إذاً القدر المتيقن من السبرة العقلائية هو حالة ما إذا كان العقد واحداً متعيناً ونشك في صحته وفساده والمقام ليس كذلك فإذاً من هذه الناحية اتضح أنَّ أصالة الصحة لا تجري ولا تقف أمام استصحاب عدم ترتب الأثر الذي أجراه الامام عليه السلام فالإشكال سوف يرتفع ، هذا من ناحية أصالة الصحة.

وأما بالنسبة إلى قاعدة من ملك شيئاً ملك الاقرار به:- فنذكر نعرف نبذة عن هذه القاعدة ثم نعرف كيف أنها لا تجري ، فالمقصود من هذه القاعدة أنه لو كانت عندي دار فأنا مالك لبيعها ، ومالك هنا بمعنى أنَّ لي الحق في بيعها ، فمن ملك شيئاً ملك الاقرار به ، يعني أنَّ اقراره صحيح ، فأنا لي حق في أن أبيع داري فلو قلت في يوم من الأيام أني قد بعتها فإقراري هذا يكون حجة لأنني من حقي أن ابيع داري فإذا قلت قد بعتها فكلامي يكون مقبولاً ولا يلزم أن أكون عادلاً بل بغض النظر عن العدالة فحتى الاسنان العادي نقبل منه ذلك ، ومن موارد قاعدة ( من ملك شيئاً ملك الاقرار به ) ما لو طلق شخص زوجته ففي أثناء العدة له حق الرجوع فإذا أخبرنا بأنه رجع إليها في العدّة فكلامه يكون مقبولاً لأنه مالك للرجوع ، نعم إذا انتهت العدّة وتزوجت المرأة بآخر جاء الأول وقال أنا رجعت لها في العدَّة فهنا كلامه ليس بمقبول لأنَّ فترة العدة قد انتهت ، فمادامت فترة العدة موجودة فله الحق أن يرجع أما بعد أن انتهت العدة فإخباره بأنه رجع إليها فكلامه غير مقبول ، أو صاحب دار تدخل في داره فإذا قال لك إنَّ هذا المكان نجس فكلامه مقبول وحجة ، ولكن لو باع الدار وبعد فترة أراد أن يخبرنا بأنَّ المكان الفلاني فيها نجس فهنا يسقط اعتبار كلامه ، فمادام الانسان في الفترة التي له الحق في إيقاع الشيء يكون كلامه مقبولاً ، وهذ القاعدة لا تحتاج إلى مستند ، لأنك تفترض أنَّ له حق الرجوع فإذا قال رجعت يكون كلامه مقبولاً وإلا يلزم التناقض ، نعم بعد أن انتهت المدَّة فلا حق له في الرجوع فكلامه يكون مرفوضاً.

إذاً المقصود من القاعدة هو هذا المعنى.