1440/10/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 68 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

الاحتمال الخامس:- أن تكون كاشفة بنحو الكشف الانقلابي ، ويقصد من ذلك أنه إذا تحقق عقد الفضولي ، فالمبيع واقعاً وفي علم الله هو باقٍ على ملك مالكه الواقعي ، فإذاً في هذه الفترة المتخللة بين العقد وبين الاجازة هو باق على ملك مالكه الواقعي - الذي هو ليس البائع الفضولي وليس المشتري - فإذا أجاز المالك انقلب الواقع في هذه الفترة فصار ملكاً واقعاً للمشتري في هذه الفترة ، فإذاً قبل الاجازة واقعاً هو في هذه الفترة ملك لمالكه الواقعي وبالإجازة في نفس هذه الفترة يتغير الواقع ويصير واقعاً ملكاً للمشتري ، فإذاً انقلب الواقع ، ولذلك عبّر عنه بالكشف الانقلابي.

وما الفرق بين هذ الفكرة وفكرة الشرط المتأخر ؟

إنَّ الفرق واضح:- فإنه في الشرط المتأخر يصير المبيع مثلاً ملكاً للمشتري من حين العقد وينكشف أنه لم يكن واقعاً ملكاً للمالك بل واقعاً هو ملك للمشتري من بداية العقد وإلى حين الاجازة وما بعدها وأنه لا ملكية أخرى للمالك ، وهذا بخلافه في الكشف الانقلابي فإنه واقعاً قبل الاجازة يوجد تعدد الواقع وانقلابه ، فقبل الاجازة هو ملك واقعاً للمالك بينما على الشرط المتأخر هو ملك واقعاً للمشتري ، فعلى الكشف الانقلابي هو قبل الاجازة ملك للمالك واقعاً وبالإجازة يصير في هذه الفترة ملكاً واقعاً للمشتري ، فإذاً الواقع سوف يتعدد في هذه الفترة ، فواقعاً هناك ملكيتان في هذه الفترة على الكشف الانقلابي ملكية للمالك وملكية للمشتري ، بخلافه على الشرط المتأخر فإنه واقعاً ملك لواحد وهو المشتري دون المالك.

وباتضاح هذا يتضح إشكال الشيخ الأعظم(قده):- فإنَّ له عبارة لعلها تتلاءم مع هذا الاحتمال ، فهو لم يذكر الكشف الانقلابي في المكاسب ولكن توجد عنده عبارة قد تتلاءم معه فإنه ذكر أنَّ الشيء إذا كان على صفةٍ معينة في الواقع بأن كان مثلاً ملكاً لشخص فلا يمكن أن يتغير ذلك الواقع ، قال ما نصه:- ( إنَّ العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له لاستحالة خرج الشيء عما وقع عليه )[1] فهذه العبارة لا تتلاءم مع فكرة الشرط المتأخر ، لأنه في الشرط المتأخر الواقع واحد ولا يوجد تغيّر فيه نعم ظاهراً هذا المبيع قبل الاجازة كان ملكاً لمالكه ولكن بعد الاجازة ينكشف واقعاً أنه ملك للمشتري ، وهذا ليس سلب الواقع عن نفسه وإنما الظاهر شيء والواقع شيئاً آخر ، بينما الشيخ الأنصاري(قده) ناظر إلى الواقع وهذا يتلاءم مع الكشف الانقلابي.

وقد يشكل على فكرة الكشف الانقلابي بإشكالين:-

الاشكال الأول:- ما يمكن استفادته من عبارة الشيخ الأعظم(قده) المتقدمة ، وحاصله أن يقال: إنَّ المبيع إذا كان واقعاً ملكاً للمالك في الفترة بين لعقد وبين الاجازة فكيف يصير واقعاً ملكاً للمشتري في نفس هذه الفترة فإن هذا تغير في الواقع فإنَّ هذا شيء غير ممكن ؟

وجوابه:- إنَّ هذا وجيه بلحاظ عالم التكوين والأمور الحقيقية ، أما بلحاظ عالم الاعتبار فلا محذور في ذلك فإنه شيء ممكن ، ولا تقل إذا كان الأمر كذلك فقل بإمكان اعتبار وجود المتناقضين ، يعني الآن يوجد نهار وفي نفس الوقت هو ليس بنهار ، فإذا كان هذا ممكن في عالم الاعتبار فقل بهذا أيضاً ، وهل تقبل بهذا ؟ والجواب:- نعم نقبل بذلك ، فإنه على مستوى الاعتبار هو شيء ممكن ، فأعتبر الآن يوجد ليل واعتبره الآن يوجد نهار ، غايته إذا لم تكن هناك نكتة مبررة يلزم محذور اللغوية واللغوية شيء والاستحالة شيء آخر ، فإنَّ ذلك ليس بالمستحيل وإنما هو شيء لغو لا يصدر من الحكيم ، أما إذا افترضنا أنه كان هناك مبرر فمحذور اللغوية يرتفع أيضاً.

ولعل هذا هو مقصود صاحب الجواهر(قده) فيما نقلناه عنه في الكشف بنحو الشرط المتأخر حيث قال إنه ممكن ولا محذور فيه ، فلعله يقصد أنه لا محذور في الشرط المتأخر في القضايا الاعتبارية وإنما يوجد فيه محذور في عالم الحقيقة والتكوين.

والخلاصة:- أنه وإن لزم من ذلك تغير الواقع في فترة ما بين العقد وبين الاجازة ولكن لا محذور فيه على مستوى الاعتبار.

إن قلت:- إنه بناءً على هذا يمكن اعتبار المتناقضين كما أشرنا.

قلت:- إذا كان المقصود اعتبار وجود المتناقضين على مستوى الاعتبار فقد قلنا هذا لا محذور فيه غايته انه لغو ، وغذا كان المقصود من اعتبار المتناقضين ، يعني اعتبر الملكية في هذه الفترة ولا أعتبرها فنعم هذا مستحيل ولكنه اجتماع للمتناقضين في عالم التكوين وليس في عالم الاعتبار ، لأنك تعتبر ولا تعتبر وهذا سوف يتحقق في عالم التكوين وهو ليس ممكناً.

إذاً الاشكال الأول لا يرد لما أشرنا إليه.

الاشكال الثاني:- إنه يلزم من فكرة الكشف الانقلابي اجتماع مالكين على شيء واحد وفي فترة واحدة ، فالمبيع الذي هو شيء واحد وفي فترة واحدة - أي من حين عقد الفضولي إلى حين الاجازة - هو ملك واقعاً للمالك الأصلي وملك واقعاً للمشتري وهذا اجتماع لملكيتين على شيءٍ واحد في زمان واحد.

والجواب:- إنه يمكن أن يقال إنَّ اجتماع ملكيتين على شيء واحد في زمان واحد لا محذور فيه ، فإنَّ الملكية أمر اعتباري فإذاً لا محذور في ذلك.

وإذا تنزّلنا وقلنا أنه لا يمكن ذلك فلنا جواب آخر حيث نقول:- إنه لا يلزم اجتماع ملكيتين ، بل هناك ملكية واحدة ، فقبل الاجازة هناك ملكية في الواقع في هذه الفترة للمالك وبعد صدور الاجازة تصير الملكية في هذه الفترة للمشتري ، فأين اجتماع ملكية مالكين مادامت واحدة منهما قبل الاجازة والأخرى بعد الاجازة فإنه لا يوجد اجتماع ملكية مالكين ؟!! ، وإنما يلزم محذور تغير الواقع ، وهذا غير محذور اجتماع الملكيتين ، وهذا واقع في الشرعيات ولا يمكن إنكاره ، فحينما ندخل في الصلاة فهذا التكبير وقراءة الفاتحة هل هو جزء من صلاتي هذه أو ليس بجزءٍ منها واقعاً الآن أو لا ؟ كلا لا أتمكن أن أقول هو جزء منها ، لأنه ربما يحصل بعد ذلك مانع من الصلاة - سواء كان المانع اختيارياً أو ليس اختيارياً - فلا يكون جزءاً فإذا اتممت الصلاة فحينئذٍ في تلك الفترة يكون جزءاً ، فإذاً هو في الفترة التي هي قبل الاتيان ببقية الأجزاء لا نحكم عليه بأنه جزء ولكن بعد إتمام الصلاة نحكم عليه بأنه جزء في تلك الفترة ، وهذا هو الكشف الانقلابي ، ومن هذا القبيل أيضاً الصوم ، فإذا استيقظ المكلف صباحاً ولم يكن ناوياً للصوم ولكنه لم يتناول المفطر إلى أن صار قبيل الظهر فإذا كان قضاءً فيتمكن أن ينوي الصوم قبل الزوال وإذا كان ندباً فيتمكن أن ينوي الصوم ولو قبل الغروب بدقيقة مثلاً ، فعلى هذا الأساس في الفترة التي هي قبل أن ينوي الصوم لم تكن جزءاً من الصوم ولكن بعد أن نوى الصوم صار صوماً ، فعلى هذا الأساس هذا تبدّل في الواقع أيضاً ولا محذور فيه.

إذاً التبدّل بلحاظ عالم الواقع شيء متحقق شرعاً ولا محذور في ذلك ، ونكتة عدم المحذورية التي أشرنا إليها هي أنَّ هذه أمور اعتبارية والأمور الاعتبارية لا محذور في تغيّر الواقع فيها.


[1] كتاب المكاسب، الأنصارين، ج3، ص407.