33-11-10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 347 ) / أحكـام السعي / الـواجـب الرابــع مــن واجبــات عمــرة التمتــع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة ( 347 ):- إذا نقص شيئا من السعي في عمرة التمتع نسياناً فأتى أهله أو قلّم أظفاره لاعتقاد الفراغ من السعي فالأحوط بل الأظهر لزوم التكفير عن ذلك ببقرة ويلزمه إتمام السعي على النحو الذي ذكرناه.
 هذه المسألة تكملة للمسألة السابقة ولو عدّت ذيلا ًفيها لكان أولى ، ففي السابقة ذكر أن من نسي بعض الأشواط من السعي - كشوط واحد - أتى به متى ما تذكر وحينئذ يضاف ويقال ( لو أحل وقلم أظفاره فالإتيان بالشوط لازم وعليه بقرة ).
 وهذا الحكم على خلاف القاعدة فانه قد تقدم في مسألة ( 225 ) أن كل من ارتكب محرماً من محرمات الإحرام لا تثبت عليه الكفارة إذا كان ذلك عن جهلٍ أو نسيانٍ ومستند ذلك روايات متعددة منها صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام ( وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد فان عليك فيه الفداء بجهالة كان أو عمد ) [1] ، نعم استثنى الفقهاء ثلاثة موارد من هذه القاعدة العامة - على كلام - والمورد الأول منها يشتمل على ثلاثة موارد فيصير مجموع الموارد حينئذ خمسة وأحدها [2] هذا المقام - أي من نسي بعض أشواط السعي وقلم أظفاره أو جامع فان عليه بقرة - ولم نتحدث عنه هناك وقلنا يأتي في محله وهذا محله .
 إذن الآن نريد أن نتكلم في أنه هل تجب بقرة على الشخص المذكور أو لا ؟ وواضح أن القاعدة العامة - كما قلنا - المستفادة من عموم صحيحة معاوية المتقدمة تقتضي أنه لا يجب عليه شيء والاستثناء هو الذي يحتاج إلى دليل.
 وقبل أن نذكر القال والقيل في هذه المسألة نود أن نشير إلى أن هناك عدّة نقاط للخلاف وقعت بين الأعلام في هذه المسألة:-
 منها:- أن الحكم يختص بمن نسي بعض أشواط عمرة التمتع أو يعم من نسي بعض أشواط سعي الحج أيضا؟
 ومنها:- قبيل ان الحكم المذكور اي كفارة بقرة هل هو شيء لازم أو هو مستحب ؟
 ومنها أن الحكم بالبقرة يختص بمن قلم أظفاره أو يعم من قص شعره والوارد في الرواية تقليم الاظافر؟
 ومنها أن الجماع لو جامع المكلف من دون تقليم فهل يثبت عليه البقرة أو ان الموجب للبقرة فقط وفقط هو لتقليم
 ومنها ان الحكم هل يختص بمن نسي شوطا واحدا كما هو مورد صحيحة سعيد بن يسار أو انه يعم من نسي شوطين أو ثلاثة أيضا ؟
 ومنها:- إن التقليم هل يلزم أن يقع بقصد الإحلال أو أن الحكم بالبقرة ثابت حتى لو قلم أظافره لا بقصد الإحلال كما لو كان غافلاً عن كونه محرماً فقلمها ؟ فهل تثبت البقرة في حق هذا أيضاً أو تختص بمن قلّم بقصد الإحلال ؟ إلى غير ذلك من نقاط الخلاف.
 ومنشأ نقاط الخلاف المذكورة هو الروايتان فان مستند ثبوت البقرة هو صحيحة سعيد بن يسار وصحبتها - رواية عبد الله بن مسكان التي ورد في سندها محمد بن سنان - فلنقرأ الروايتين حتى ندقق في المطلب أكثر ، فصحيحة بن يسار قالت ( قلت لأبي عبد الله رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع إلى منزله وهو يرى انه قد فرغ مه وقلم أظافيره وأحل ثم ذكر انه سعى ستة أشواط ...... فقلت:- دم ماذا ؟ قال:- بقرة .... ) ، وأما رواية عبد بن مسكان فقالت ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة فذكر بعدما أحل وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط ، قال:- عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطاً آخر ).
 وباتضاح هذا نقول:- هاتان الروايتان مخالفتان للقاعدة من جهات وهذه مسألة سيّالة :- فانها مخالفة للقاعدة التي ذكرتها صحيحة معاوية بن عمار وهي أن الجاهل ليس عليه كفارة إلا في الصيد ، وإنها أوجبت بقرة في تقليم الأظفار والحال أن الثابت هو أن من قلم أظافره في مجلس واحد شاة ، وأنها ........ ، وحينئذ هل نأخذ بمثل هذه الرواية المخالفة للقواعد أو لا ؟ منهم من قال:- نحملها على الاستحباب لأنها مخالفة للقواعد فالحكم استحبابي ولا نقول بأنه وجوبي ، ومنهم من قال:- نأخذ بظاهرها في الوجوب فإن تلك الأحكام التي هي مقتضى القاعدة ليست أحكاماً عقلية ، ومنهم من حاول أن يوجّه الحكم كما صنع الشهيد الثاني(قده) فانه قال:- إن المكلف إذا نسي شوطاً واحداً فالمناسب أن يكون هو على الصفا وليس على المروة وعليه فلابد وأن يلتفت إلى أنه مادام على الصفا فهو قد أنقص شوطاً فلماذا قصّر في التفات فالكفارة وجبت للتقصير في الالتفات.
 وأجابه سبطه حيث قال:- لو فرض أنه نسي شوطين فسوف يكون على المروة فلا يكون قد قصّر آنذاك في التفاته . وقد نقل هذا الحوار صاحب المدارك(قده) فلاحظ عبارته:- ( وفي الروايتين مخالفة للقواعد الشرعية من وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد ووجوب البقرة في تقليم الأظفار والحال أن الواجب في مجموع الأظفار شاة ومن وجوب الكفارة في الجماع مطلقاً والحال أن الواجب به مع العلم بدنة ولا شيء مع النسيان .... ولأجل هذه المخالفات حملها بعض الأصحاب على الاستحباب وبعضهم تلقّاها بالقبول ولم يلتفت إلى هذه المخالفات فان العقل لا يأباها بعد ورود النص بها ) [3] ، ثم نقل عن جده أن الناسي وإن كان معذوراً ولكنّه هنا قد قصّر فان من قطع السعي على ستة يكون قد ختم بالصفا والحال أن اللازم هو الختم بالمروة فيكون قد قصّر في التفاته فلم يُعذَر ، ثم أشكل عليه بأن هذا لا يتم فيمن قطع السعي على خمسة فانه سوف يكون على المروة ثم قال في آخر كلامه ( والمسألة محل تردد ).
 ونحن في مسألة ( 225 ) ذكرنا مطلباً كليّاً في جميع هذه الموارد الخمسة وقلنا:- إن الأحكام الشرعية قابلة للتخصيص ولا نرى مانعاً من تخصيصها ، ولكن في خصوص المقام يمكن أن يقال إن لسان صحيحة معاوية يشتمل على الحصر بكلمة ( إلّا ) ولسان الحصر آبٍ عرفاً عن التخصيص ولذلك نحن في وجل من التخصيص لهذه النكتة ولذلك نصير إلى الاحتياط في هذه الموارد دون الفتوى.
 وبعد هذا نرجع إلى عبارة المتن ونقول:- هناك عدة أمور ترتبط بالمتن:-
 الأمر الأول:- ذكر ( قده) أن الحكم بالبقرة يختص بعمرة التمتع ولا يعمّ الحج - حتى حج التمتع - فانه(قده) قال في العبارة هكذا ( إذا نقص شيء من السعي في عمرة التمتع نسياناً فأتى أهله أو قلّم أظفاره ..... ) . إذن هو قد خصص وجوب البقرة بخصوص من نسي بعض أشواط السعي في عمرة التمتع.
 وهذا قد وقع محلاً للكلام فبعض قال:- صحيح أن رواية بن يسار خاصة بالمتمتع ولكن رواية ابن مسكان لم يؤخذ فيها لفظ المتمتع فلنأخذ بإطلاقها.
 ولكن يمكن أن يقال:- هناك قرينة داخلية على الاختصاص بعمرة التمتع ولا يشمل الحكم الحج ، والوجه في ذلك هو أن الروايتين قد فرضتا أنه قد قصّر وأحلّ بعدما أتى بالسعي فلاحظ الرواية حيث قالت ( رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلّم أظافيره ) فتقليم الأظافير قد وقع بعد السعي وواضح أنه في الحج يقع تقليم الأظافير قبل السعي إذ في يوم العيد يرمي الحاج ويذبح ثم يقلّم أظفاره وبعد ذلك يذهب إلى مكة ويأتي بالطواف والسعي فالفرضية التي ذكرت تتأتى في عمرة التمتع ولا تتأتى في الحج إلا فيمن قدّم أعمال مكة على عرفات وهذا مطلب آخر نادر وإلّا فالحالة العامة فالأمر ليس كذلك.
 نعم استدرك وأقول:- هذا يُتصوَّر في العمرة المفردة فانه فيها يأتي بالطواف والسعي ثم بعد ذلك يحل بتقليم الأظفار أو قصّ الشعر ، ولكن حيث أن صحيحة ابن يسار قيّدت بالمتمتع فيختص الحكم بالمتمتع بناءً على ضعف رواية ابن مسكان بمحمد بن سنان ، أما من يرى أن رواية ابن مسكان هي معتبرة أيضاً فيأخذ بإطلاقها فان قيد المتمتع المذكور في صحيحة ابن يسار قد ذكر في كلام الراوي وليس في كلام الإمام عليه السلام حتى ينعقد له مفهوم وتصير صحيحة ابن يسار مخصّصة لرواية ابن مسكان فإذا كان ذلك في كلام الراوي فلا يتنافى مع اطلاق رواية ابن مسكان . إذن من يرى أن رواية ابن مسكان ليست معتبرة كالسيد الماتن فيقتصر على عمرة التمتع ، ومن يرى أنها معتبرة فالمناسب أن يعمم الحكم إلى العمرة المفردة.


[1] الوسائل 13 68 31 من كفارات الصيد ح1.
[2] وهي الموارد المتقدمة في مسألة ( 225 ).
[3] المدارك 8 216.