32/11/02


تحمیل

إشكالان في المقام:-

الإشكال الأول:- إن موثقة إسحاق إذا عمت غير الحج أيضاً - أي العمرة - فسوف تحصل لها جنبة عموم ، وإذا صارت عامة فسوف تأتي روايتا العمرة أعني صحيحتي منصور بن حازم ومعاوية بن عمار الدالتين على أن موضع كفارة العمرة هو منى وان عجَّل في مكة فهو أحب ، وتخصصانها وبذلك تصير النتيجة عكس ما نريد ، إذ لو خرجت العمرة من موثقة إسحاق بسبب الصحيحتين فسوف تختص الموثقة بخصوص الحج وبالتالي لا يعود لدينا دليل يجوِّز ذبح كفارة التظليل عند الأهل.

ويمكن الجواب ببيانين:-

البيان الأول:- لو قبلنا فكرة الحكومة والنظر وقلنا إن التعبير بكلمة ( يجزي ) الواردة في موثقة إسحاق إذا قلنا بأنها ناظرة إلى أدلة الكفارات وتتضمن الاعتراف بأن مورد الكفارة هو منى أو مكة ولكن الموثقة تريد إن تسأل وتقول هل إن ذلك متعين وليس فيه سعة أو يجوز ويجزئ عند الأهل ؟ إن الموثقة بناءاً على هذا تكون ناظرةً إلى أدلة الكفارات ، فإذا قبلنا نكتة النظر هذه وقدَّمنا الموثقة على أدلة الكفارات فحينئذ لو عممناها للعمرة فسوف يأتي نفس الكلام أي تتقدم على صحيحتي العمرة بملاك النظر والحكومة ، فكما قبلنا فكرة الحكومة في باب الحج فلنقبلها في باب العمرة أيضاً لعدم الفرق من هذه الناحية.

البيان الثاني:- لو رفضنا فكرة النظر والحكومة - أو على الأقل غضضنا النظر عنها - فلنا جواب آخر وذلك بأن نقول إن المورد ليس من وموارد التخصيص - وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها - فان التخصيص يختص بموارد العموم أو الإطلاق ، فلو كان لسان الرواية لسان العموم أو الإطلاق أمكن التخصيص أو التقييد ، أما إذا فرض أن اللسان لم يكن كذلك فلا معنى للتخصيص آنذاك ، ومقامنا من هذا القبيل فان موثقة إسحاق واردة في الحج ولا توجد صيغة عموم أو إطلاق من قبيل ( المحرم ) فان كلمة ( المحرم ) مطلقة تشمل إحرام الحج والعمرة فالتقييد فيها ممكن فان موردها الحج ولكنا ألحقنا به العمرة من باب عدم احتمال الفرق بينه وبين العمرة وكأن التعبير صار هكذا ( يجزئـه في الحج وفي العمرة الذبح عنـد الأهـل ) ، انه لا توجد صيغة عموم بل كأن لفظ العمرة قد ذكر بعنوانه إلى جنب لفظ الحج ومثل هذا اللسان لا يقبل التخصيص ، أي التخصيص بصحيحتي منصور ومعاوية ، إن اللسان يعود لسان المعارضة وليس لساناً قابلاً للتخصيص لان القابل للتخصيص كما ذكرنا هي صيغ العموم أو الإطلاق دون مقامنا ، ومعه يحصل التعارض والرجوع إلى الأصل وتعود النتيجة هي جواز ذبح كفارة التظليل عند الأهل.

الإشكال الثاني:- إنا قرانا في علم الأصول أن الأصل المثبت ليس بمثبت - أي ليس بحجة - والمقصود منه إجراء الأصل بهدف ترتيب لوازم غير شرعية أعم من كونها عقلية أو عادية أو غير ذلك ومن أحد مصاديق الأصل المثبت أن نثبت البراءة في مورد ثم نعمم إلى بقية الموارد بضم عدم احتمال الفرق أو الإجماع على عدم الفرق ، إن مثل هذا هو من مصاديق الأصل المثبت.

 مثال ذلك:- الشك في أن السيكارة حرام أو لا ؟ فنتمسك بأصل البراءة لفقدان النص على التحريم مثلاً ، ثم بعد إن أثبتنا البراءة في السيكارة نقول وإذا ثبتت البراءة في السيكارة فتثبت في ( الغرشة ) أو ( السبيل ) فان ذلك وان لم يكن سيكارة إلا أننا لا نحتمل الفرق بين هذا وذاك ، أو هناك إجماع على وحدة الحكم بين هذين ، إن هذه الطريقة باطلة ، بل لابد من إثبات الإباحة بطريق آخر غير هذا الطريق فان هذا تمسك بالأصل المثبت إذ الملازمة بين الحليتين - أي حلية السيكارة وحلية غير ذلك - ليست شرعية وإنما هي اتفاقية ثبتت من الخارج فينطبق آنذاك الأصل المثبت.

 وهذه نقطة جديرة بالالتفات إليها وحاصلها:- لو ثبت الجواز بأصل البراءة مثلاً فلا يجوز إثبات التعميم بعد ذلك من خلال ضم فكرة عدم احتمال الفصل أو الإجماع المركب أو ما شاكل ذلك إذ الملازمة الثابتة من خلال الإجماع أو غيره ليست شرعية فيصير المورد من موارد الأصل المثبت.

وقد يتوهم متوهم ويقول:- إن التعميم للعمرة - الذي صرنا إليه - من هذا القبيل لأنه في البداية قلنا إن موثقة إسحاق الواردة في الحج تعارض معتبرتي ابن بزيع الدالتين على أن كفارة التظليل تكون في منى وبعد المعارضة والتساقط نرجع إلى أصل البراءة فتصير النتيجة جواز ذبح كفارة التظليل بلحاظ الحج عند الأهل ثم عممنا بعد ذلك الحكم إلى العمرة من باب عدم احتمال الفرق - لو تم - فيصير المورد من موارد الأصل المثبت ، يعني أثبتنا الجواز بلحاظ الحج من خلال أصل البراءة ثم ضممنا احتمال عدم الفرق بين الحج والعمرة فعممنا الجواز إلى العمرة من خلال ذلك فيصير المورد من موارد الأصل المثبت كما صنعنا في مثال السيكارة!!.

والجواب:- لو فرض أنا أثبتنا الجواز في البداية بلحاظ الحج أولاً فحصلت عملية تعارض وتساقط ورجعنا إلى أصل البراءة وأثبتنا الجواز في الحج ثم بعد ذلك أردنا التعدي إلى العمرة بضم عدم احتمال الفرق فالإشكال يكون وارداً - أي يصير المورد من الأصل المثبت - ولكن نحن لا نصنع هكذا بل نحن كما أجرينا معارضةً بلحاظ الحج ورجعنا إلى الأصل نعمل معارضة ثانية في عرض تلك المعارضة لا بعدها ، فمن البداية نقول إن موثقة إسحاق تعم العمرة من باب عدم احتمال الفرق وبعد أن ثبت هذا التعميم نجري معارضتين ، أي تصير صحيحتا ابن بزيع معارضتين لموثقة إسحاق بلحاظ الحج ومعارضتين أيضاً بلحاظ العمرة وبالمعارضة الأولى يحصل تساقط ونرجع إلى الأصل وفي المعارضة الثانية كذلك ، فلا يلزم محذور الأصل المثبت.

 ونظير ذلك في مسالة السيكارة ، فانه يمكن أن نتخلص من محذور الأصل المثبت فيها فنقول كما نحتمل في السيكارة الإباحة والحرمة لفقدان النص فنرجع إلى أصل البراءة كذلك نحتمل في غيرها كـ(الغرشة ) الحلية والحرمة فنرجع إلى أصل البراءة ابتداءً لا في طول تلك البراءة ، وعليه فلا يلزم محذور الأصل المثبت آنذاك ومقامنا من هذا القبيل ، وهذا مطلب ظريف يجدر الالتفات إليه.

 وهذا كلامنا كله بالنسبة إلى النقطة الأولى وقد انتهينا إلى جواز ذبح كفارة التظليل عند الأهل وأما غيرها فيجوز عند الأهل تمسكاً بإطلاق موثقة إسحاق بلال محذور.