33/02/09


تحمیل
 الموضوع :-

نهاية شرطية الطهارة من الخبث ، وبداية مسألة ( 297 ) / اشتراط الطهارة في الطواف / شروط الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي (قد).
 والوجه في ذلك أمران:-
 الأمر الاول:- فكرة القصور في المقتضي.
 والأمر الثاني:- قاعدة نفي الحرج.
 أما بالنسبة إلى القصور في المقتضي فمحصله:- لو رجعنا إلى الرواية الدالة على اعتبار طهارة اللباس أثناء الطواف وأعني بذلك رواية يونس بن يعقوب لرأيناها لا تشمل الحالة المذكورة - أي حالة وجود الجروح والقروح التي يشق تطهيرها - وإذا كانت لا تشمل هذه الحالة فنضم إلى ذلك قضية أخرى أعني التمسك بالبراءة فان مجرد القصور في المقتضي لا يكفي وحده للوصول إلى الهدف كما أشرنا إلى ذلك مراراً وإنما الذي يوصل إليه هو الأصل الذي نرجع إليه بعد القصور في المقتضي فنقول إذا لم تكن رواية يونس شاملة لذلك فسوف نشك هل ذمتنا اشتغلت بالحج المقيَّد بالطواف الخالي من دم القروح والجروح أو أنها اشتغلت بالأعم من هذه الناحية فان اشتغالها بخصوص الخالي من دم القروح والجروح مؤونة زائدة مشكوكة فتنفى بحديث البراءة ، وهذا واضح.
 ولكن كيف نثبت القصور في المقتضي ، أي كيف نثبت أن رواية يونس لا تشمل الدم المذكور والحال أنها مطلقة لأنها قالت ( رأيت في ثوبي شيئاً من دم وأنا أطوف ، قال:- فعرِّف الموضع فاخرج فاغسله ثم عد إلى طوافك ) فكيف يؤخذ في الدم عدم كونه دم قروح وجروح فهي مطلقة من هذه الناحية فكيف نتمسك بفكرة القصور بالمقتضي ؟
 ذلك لبيانين:-
 البيان الاول:- ان سؤال يونس من الإمام عليه السلام سؤال عن قضية خارجية وليس عن قضية كلية حقيقية ، يعني أن سؤاله كان عن دم خاص ابتلى به وليس سؤالاً عن مطلق الدم فانه لم يقل ( ما حكم الدم إذا فرض أن المكلف رآه أثناء الطواف ) فانه لو كان السؤال هكذا لكان سؤالاً عن قضية مطلقة كليّة وإنما هو سال عن دم خاص وهو الدم الذي رآه هو وحينئذ نقول لو كان محط نظر يونس مثل دم القروح والجروح لاحتاج إلى تنبيه وكان عليه أن يقول للإمام عليه السلام ( وهو دم قروح وجروح ) لأنه إذا كان النظر إلى دم خاص مثل دم القروح والجروح فعادة يبرز الإنسان العرفي ما يشير إليه وعدم إشارته إليه معناه أن محط نظره ليس هو دم القروح والجروح وإنما هو الدم العادي الآخر وهذا كما ترى إنما يتم فيما لو كان السؤال سؤالاً عن قضية خارجية كما يظهر من الرواية ، أما لو كان السؤال سؤالاً بنحو القضية الكلية فلا يأتي هذا البيان ، أي لا يمكن أن نقول لو كان محط لأن الإطلاق كما نعرف هو عبارة عن رفض القيود لا النظر إليها حتى يحتاج إلى تنبيه إلى هذه الحالة.
 إذن حينما نستظهر أن نظر يونس هو بنحو القضية الخارجية فحينئذ نقول ان عدم إشارته إلى كون الدم دم قروح وجروح يشهد بأن نظره إلى الدم العادي.
 وذا قال لي قائل:- هذا الاستظهار ليس بواضح - أي أن السؤال سؤال عن قضية خارجية - فلعله سؤال عن قضية كلية.
 قلت:- يكفيني هذا المقدار ، أي بالتالي سوف تكون الرواية مجملة من هذه الناحية فلا يمكن أن نستظهر منها أن السؤال بنحو القضية الحقيقية الكلية حتى نتمسك بالإطلاق.
 إذن بعد كون السؤال بنحو القضية الخارجية يتم البيان المذكور
 البيان الثاني:- أن ندَّعي أنه لا حاجة إلى هذا التطويل بل هناك قرينة في نفس الروية تدل على أن السؤال والجواب ليسا ناظرين إلى الحالة المذكورة وتلك القرينة اللفظية هي أمر الإمام عليه السلام بالغسل حيث قال عليه السلام ( ثم اخرج فاغسله ) وهذا يدل على أنه لا يشق غسله وإلا فكيف أمره بالغسل!!
 وفرق هذا البيان عن سابقه هو أن السابق ينفي كون الدم دم قروح وجروح بغض النظر عن كونه تشق إزالته أو لا ، بينما البيان الثاني ناظر إلى قيد المشقة فان الدم المذكور لا يشق إزالته للقرينة المذكورة وهذا لا يؤثر لأننا نصل إلى الهدف على كلا التقديرين.
 والخلاصة:- إننا نتمسك بالبراءة بعد القصور في المقتضي.
 وأما بالنسبة إلى الأمر الثاني:- أعني قاعدة نفي الحرج التي مستندها ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) فيمكن التمسك بها في المقام فيقال:- إذا شق التطهير والتبديل فنتمسك بالقاعدة المذكورة لأن المستفاد من قوله تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) هو انه متى ما لزم من امتثال الحكم الشرعي وتطبيقه الحرج وهو المشقة لكن لا المشقة البسيطة بأدنى مراتبها ولا المشقة بأعلى مراتبها بل المشقة المتوسطة التي يصعب تحملها وهذا التفسير للحرج تفسير عرفي لا شرعي - فالله عز وجل لم يجعل مثل الحكم المذكور في هذه الحالة ، فالوضوء واجب في الشريعة لكن إذا لزم منه الحرج كما لو كان الجو بارداً ولا يستطيع تسخين الماء فانه يرتفع الوجوب في هذه الحالة.
 وحينئذ نأتي إلى مقامنا ونقول:- إذا لزم العسر والحرج من التطهير أو التبديل لثوبي الإحرام لأجل الطواف لسبب وآخر يكون وجوب الطواف في الثوب الطاهر مرفوعاً.
 ويبقى سؤال وهو:- هل المدار على الحرج النوعي أو على الحرج الشخصي ؟ ان هذا كلام ذكر في باب قاعدة لا حرج.
 والجواب:- المناسب أن يكون المدار على الحرج الشخصي فان هذا الخطاب خطاب للأشخاص ( ما جعل عليكم ) والمستفاد من كلمة ( عليكم ) يعني عليك وعليك وَعليك .... وهكذا بعدد أفراد المكلفين فكل مكلف تريد ان تقول له الآية ( ما جعل عليك الحرج ) ولكن جُمِعَت هذه التعابير وصِيغَت بصياغة موحَّدة وقيل ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، وإذا قبلنا بهذا فحينئذ إذا كان الخطاب لهذا الشخص ( ما جعل عليك ) فالمدار يكون على حرجه هو ولا يهمه أن الثاني أو الثالث يصيبه الحرج أو لا بل المهم ملاحظة الشخص حالة نفسه ، وعليه فقد يختلف الحرج من شخص إلى آخر فبعضٌ مزاجه قوي ويتمكن أن يخلع الملابس ويلبس غيرها أو يغسلها ويلبسها مبلله وآخر لا يستطيع ذلك. فالمدار ملاحظة كل شخص حاله ، فالتفتوا إلى هذه النكتة . ولعل بالتأمل يمكن إبراز نكات أخرى بأن المدار على الحرج الشخصي ، ولكن هذه القضية ليست مهمة الآن ، وبالتالي إذا لزم الحرج فيكون وجوب الطواف في الثوب الطاهر مرفوعا.
 ان قلت:- هذا لا ينفعنا كما أشار إلى ذلك الشيخ التبريزي(قده) [1] حيث ذكر ان قاعدة نفي الحرج تنفي وجوب الطواف في الثوب الطاهر لأنه حرجي بيد أن هذا لا ينفعنا إذ المهم هو الإثبات - أي إثبات أن الطواف في الثوب النجس متعلق للتكليف ومجز وصحيح ومفرغ للذمة و...... - أما مجرد نفي اشتغال الذمة بالطواف في الثوب الطاهر فلا يكفي بمجرده.
 ثم قال (قده) وعلى هذا فالأحسن أن نسلك فكرة القصور في المقتضي فان تلك الفكرة لا يرد عليها الإشكال المذكور.
 وفيه:- ان فكرة القصور في المقتضي لا تسلم من الإشكال المذكور أيضاً لأنه إذا أثبتنا أن رواية يونس قاصرة عن شمول دم الجروح والقروح فهل يكفي هذا وحده ؟ كلا بل نحتاج إلى التمسك بأصل البراءة ومن الواضح أن أصل البراءة يرد فيه الإشكال أيضاً ، أي هو ينفي تعلّق الوجوب في الطواف في الطاهر ولا يثبت كفاية الطواف في النجس ، والنكتة في ذلك هي أن حديث نفي الحرج وأصل البراءة هو حديث نفي وليس حديث إثبات ، أي ان النكتة اثباتية لسانية وليست نكتة ثبوتية فاللسان قاصر عن الإثبات فان قاعدة لا حرج تقول ( ما جعل ) أي أن المولى لم يجعل التكليف الحرجي ، فهي تنفي التكليف بالفاقد للشرط ولا تثبته فهي لم تقل ( يعني وجعل عليكم ذلك الشيء الذي هو فاقد للشرط ) فلسانها لسان نفي لا إثبات ، وهكذا بالنسبة إلى أصل البراءة فانه حديث نفي لا إثبات حيث أنه يقول ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) فالذي لا يُعلَم قد رُفِعَ أما الباقي فلم يدل الحديث على تعلق التكليف والوجوب به .
 إذن نحتاج إلى التمسك بالبراءة بعد القصور في المقتضي ، وحينئذ يأتي إشكاله السابق وهو أن أصل البراءة حديث نفي لا إثبات . وعليه فلم نفعل شيئاً.
 ان قلت:- لعل الشيخ التبريزي(قده) يقول لا نرجع إلى البراءة بعد القصور في المقتضي بل نرجع إلى الإطلاق والمطلقات ، أي نرجع إلى ما دل على وجوب بقية أجزاء الحج فما دل على وجوب الحج أو بقية اجزاءه مطلق فنرجع إليه ومع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى البراءة فيرتفع الإشكال.
 قلت:- الجواب عن ذلك واضح فان باءك إذا كانت تجر فينبغي أن تكون بائي كذلك ، يعني إذا تمسكت بقاعدة نفي الحرج ورفعنا الوجوب الموجب للمشقة - أعني الذي يكون معه طواف مع الثوب الطاهر - أثبتنا جوب الباقي بالمطلقات.
 إذن إذا كانت هناك مطلقات موجودة فالإشكال لا يأتي من الأساس ، وإذا لم تكن هناك أطلاقات فالتمسك بفكرة القصور في المقتضي لا يؤثر شيئاً بل يبقى الإشكال كما هو ، وهذا شيء ظريف ينبغي الالتفات إليه . هذا بالنسبة إلى ما ذكره في آخر كلامه(قده).
 وأما ما ذكره من أن قاعدة نفي الحرج نافية وليست مثبتة فهو مطلب صحيح ، ومن هنا نبهنا مرة أنه لو فرض أن امرأة جاءتنا وقالت ان زوجي يؤذيني فماذا أفعل ؟ فنقول لها يجوز لك أن تخرجي من البيت ولا يحرم عليك ذلك - أي لا يجب عليك الإطاعة إذا قال لك الزوج لا تخرجي - والمستند هو ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، ولكن لو جاءت وقالت طلقني فهل أتمسك بقاعدة نفي الحرج لإثبات ولايتي على الطلاق ؟ كلا لأن لسان قوله تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) لسان نفي لا لسان إثبات فلا يمكن إثبات الولاية للفقيه على الطلاق من خلاله بل لابد من التفتيش في أمر آخر .
 والذي أريد أن الفت النظر إليه هو أننا لا يمكن أن نستفيد الولاية من قاعدة لا حرج . إذن قاعدة نفي الحرج هي قاعدة نفي لا إثبات كما قال الشيخ التبريزي.


[1] التنقيح 3 25.