33/07/21


تحمیل
 الموضوع:- تتمة مسـألة ( 337 ) ، مسألة ( 338 ) ، ( 339 ) / الواجب الرابـع مـن واجبات عمرة التمتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم نشير في هذا المجال إلى القضيتين التاليتين:-
 القضية الأولى:- انا ذكرنا جواز ركوب المكلف العربة في السعي ولا يضرّه النوم في الأثناء ولكن لا نقول في ذلك في باب الطواف لأنه لم ترد فيه رواية تجوّز ركوب المحمل أو الدابّة ولو وردت لالتزمنا بالجواز كما التزمنا في باب السعي.
 ولكن نشير إلى هذا الفارق:- وهو أنه لو وردت رواية في باب الطواف تدل على جواز ركوب المحمل فنلتزم بذلك - أي بركوب العربة وان لم يتحكم فيها الراكب - ولكن بشرط أن لا يستولي النوم على الراكب بخلافه في باب السعي فانه لا يضرّ استيلاء النوم عليه فانه في باب السعي لا تشترط الطهارة بخلافه في باب الطواف . إذن غاية ما يمكن أن نلتزم به في باب الطواف هو أنه لو وردت رواية تدل على جواز ركوب المحمل فنلتزم بهذا المقدار - أي لا يضر عدم تحكم الطائف - ولكن ينبغي أن لا يستولي عليه النوم ، وهذه نقطة يجدر الالتفات إليها.
 ولكن استدرك وأقول:- لو فرض أنه جاءت رواية ودلّت على جواز ركوب المحمل أثناء الطواف وكانت لها دلالة قوية على عدم قدح النوم فلا مانع آنذاك من أن نلتزم بفكرة التخصيص فان اشتراط الطهارة حكم شرعي وليس عقلياً حتى لا يقبل التخصيص فلا مانع من أن نلتزم آنذاك بعدم اشتراط الطهارة حالة الركوب اما بخصوص المريض المعذور أو مطلقاً ما دام راكباً فانه شيء ممكن ، وبشرط أن لا يكون هناك اجماع جزميّ على خلاف ذلك أما مع وجوده فهو بنفسه يكون مقدّماً على كل شيء ، ولكن كما قلت هذا بحث علمي فقط . والخلاصة:- انه لم يرد دليل على جواز الركوب أثناء الطواف.
 القضية الثانية [1] :- ذكرنا فيما سبق أن المناسب حذف ذيل المسألة التي أشير فيها إلى أنه يلزم الشروع من الصفا فانه من الاطناب المخلّ ، والذي نريد أن نقوله الآن هو أن المناسب الاستعانة بأمثلة معاصرة فيبدل الركوب على متن إنسان بركوب العربة وما شاكل ذلك.
 
 
 مسألة ( 338 ):- يعتبر في السعي أن يكون ذهابه وايابه فيما بين الصفا والمروة من الطريق المتعارف فلا يجتزأ بالذهاب أو الاياب من المسجد الحرام أو أي طريق آخر . نعم لا يعتبر أن يكون ذهابه وايابه بالخط المستقيم.
 ..........................................................................................................
 تشتمل هذه المسألة على نقطتين:-
 النقطة الأولى:- يلزم أن يكون الذهاب والاياب بالنحو المتعارف ، بمعنى أنه لا يخرج من المسعى في الأثناء ويذهب إلى سوق الليل مثلاً بطريق ملتوٍ ثم ينحرف إلى المروة أو بالعكس ، وهكذا لو يخرج في الاثناء إلى المسجد الحرام إلى أن يصل قريب الكعبة ثم ينحرف ويدخل المسعى فان هذا الانحراف بهذه الدرجة الكبيرة أو ما يقرب منه ليس بجائز ، ولماذا ؟
 قد يقال بادئ ذي بدء:- ان المطلوب هو السعي بين الصفا والمروة وذلك يتحقق بمطلق المشي والذهاب والاياب حتى ولو كان بنحو الخروج الى سوق الليل فانه بالتالي سعى بين الصفا والمروة فالإطلاق شامل لمثل ذلك.
 ولكن يمكن أن يتمسك بدعوى الانصراف فيقال:- حينما يؤمر الإنسان العرفي ويقال له ( تحرك ما بين هذا الجدار من صحن الشريف إلى ذلك الجدار منه ) فالذهن العرفي ينصرف إلى الحالة المتعارفة ، أما أن يذهب في أثناء السير من اليمين أو الشمال إلى مكان آخر ثم ينحرف فهذا مرفوض عرفاً . إذن ليس لدينا إلا دعوى الانصراف إلى الفرد المتعارف ، نعم درجات الانصراف متفاوتة فبعضها واضح كما لو أراد الشخص أن يخرج من الصحن في الأثناء ويذهب خارجه ثم يدور دائرة ويدخل الصحن ويواصل السير إلى الجدار الآخر فهنا جزماً يمكن دعوى الانصراف عن مثل ذلك ، ولكن هناك بعض الأفراد الأخرى ليس فيها هذا الوضوح من الانصراف - أي يمكن أن يشك بلحاظها - والفقيه في مثل هذه الحالة بالنسبة إلى حالة الانصراف الجزمي يفتي بعدم الجواز وعدم الكفاية وبالنسبة إلى المشكوك فالمناسب أن يحتاط وجوباً بعدم الجواز . وقدماء أصحابنا كأن مصطلح الانصراف لم يكن معهوداً بينهم فاستعانوا بمصطلح آخر وقالوا ان هذا خلاف المعهود ، فصاحب المدارك(قده) [2] مثلاً علل عدم جواز المشي بنحو القهقرى بأنه خلاف المعهود وهذا عبارة أخرى عن الانصراف ، وقال الشيخ النراقي ( فلو اقتحم المسجد ثم خرج من باب آخر أو سلك سوق الليل لم يصح سعيه لأنه المعهود من الشارع ولوجوب حمل الألفاظ على المعاني المتعارفة وهذا المعنى هو المفهوم عرفاً من السعي بين الصفا والمروة ) [3] ، وكأنه يريد أن يشير إلى دعوى الانصراف ولكن بهذه الألفاظ القديمة ، والأمر سهل . إذن لا يبعد أن تكون دعوى الانصراف تامة ولكن بلحاظ بعض الأفراد التي هي خلاف المتعارف جزماً كدخول سوق الليل مثلاً.
 ولكن النكتة العلمية التي أريد الإشارة إليها [4] هي:- انا قرأنا في علم الأصول أن الانصراف الحجّة هو ما كان ناشئاً من كثرة الاستعمال دون ما كان ناشئاً من كثرة الوجود وكنت أقول ينبغي أن لا تقيّدنا هذه القيود الأصولية بل متى ما ثبت لدى الفقيه ظهورٌ في معنىً معين على خلاف الإطلاق - اِما ظهورٌ في معنىً أضيق أو ظهور في معنىً أوسع - فيأخذ بذلك الظهور ما دام يجزم به بالوجدان [5] ولا نلتفت بعد هذا إلى أن هذا الظهور قد نشأ من كثرة الاستعمال حتى يكون حجّة أو أنه نشأ من كثرة الوجود حتى لا يكون حجّة ، كلا بل المهم هو أن يشعر بهذا الظهور بالوجدان ، ومقامنا من هذا القبيل فانه بلا اشكال كون المنصرف من الأمر بالسعي بين الصفا والمروة هو ما إذا لم يكن بنحو دخول سوق الليل أو ما شاكل ذلك و لا أحتمل أن أحداً يشكك من هذه الناحية رغم أن هذا الانصراف لم ينشأ من كثرة الاستعمال بل لعله انصراف ناشئ من كثرة الوجود إذ أن غالب الناس يسيرون بهذا الطريق المعهود ، وإذا أردنا أن نتعامل أصوليا فيلزم أن نرفض هذا الانصراف ، وهذه نكتة يجدر الالتفات إليها.
 النقطة الثانية:- لا يلزم أن يكون السير بنحو الخط المستقيم ، فلو فرض أنه يسير بانحراف أو يمشي تارةً إلى اليسار وأخرى إلى اليمين من دون أن يخرج عن المسعى - فان هذا ليس بالخط المستقيم - فهذا لا يضرّ باعتبار أنه لا يوجد انصراف على خلافه ، وأوضح من ذلك ما إذا فرض أنه سلك في الذهاب ما حُحِّد للإياب أو بالعكس فهذا لا يضر أيضاً إذ لا انصراف على خلافه.
 وهناك سؤال آخر وهو:- لو أراد المكلف أن يسير بنفس الخطّ ولكن بشكل غير طبيعي كأن يسير على رجلٍ واحدةٍ أو على رؤوس أصابعه أو على العقب أو أنه يمشي على يديه أو بالزحف على البطن وما شاكل ذلك فهل يجوز أو لا ؟
 والجواب:- القضية ترتبط بدعوى الانصراف فان تمت فبها والّا فلا ، ولعل بعض المراتب نجزم بعدم صحة دعوى الانصراف فيها كأن يمشي على رؤوس الأصابع فانه لا معنى لدعوى الانصراف على الخلاف وأن هذا لا يجوز أو يمشي على العقب ، بل لعله هكذا عند المشي على رجل واحدة فان كل هذا يمكن أن يقال لا انصراف فيه على الخلاف فيكون جائزاً ، ولكن لا حاجة إلى الإشارة إلى ذلك في الرسالة العملية كما صنع السيد الماتن(قده) وإنما هذه قضية عمليّة فنيّة . ولا يبعد أن يقول شخص انه حتى الزحف على البطن جائز إذا أنكرنا دعوى الانصراف ، فالقضية ترتبط بالانصراف.
 
 مسألة ( 339 ):- يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه فلو استدبر المروة عند الذهاب إليها أو استدبر الصفا عند الاياب من المروة لم يجزئه ذلك . ولا بأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب أو الاياب.
 ..........................................................................................................
 تشتمل المسألة على نقطتين كلاهما عرف حكمه مما سبق:-
 النقطة الأولى:- لو فرض أن المكلف مشى القهقرى بين الصفا والمروة فحينما ذهب إلى المروة كان وجهه إلى الصفا وظهره إلى المروة ولكن هو يسير إلى جهة المروة فهل يكفي ذلك ؟ والجواب:- الحكم في هذه المسألة يرتبط بقضية الانصراف فإن جزمنا بالانصراف فلا يجوز ذلك ، وأنا ليس لي وضوحٌ في دعوى الانصراف فلذلك يكون المصير إلى الاحتياط الوجوبي هو الأولى ، ومن حق شخص أن ينكر هذا الانصراف هنا فلا يصير حتى إلى الاحتياط.
 النقطة الثانية:- يجوز الالتفات يمنة ويسرة بالوجه ، وهذا واضح إذ لا موجب لدعوى الانصراف إلى حالة أن يكون الوجه مقابلاً للمروة كلا بل يجوز له أن يحرّك وجهه من هذا الطرف وذاك ، بل حتى البدن لو حرّكه قليلاً فيوجد مجال لدعوى أنه لا انصراف على خلافه . نعم لو صار انحراف البدن كبيراً صدق عليه عنوان القهقرى أما إذا كان يسيراً فيمكن أن يقال بالاجتزاء أيضاً والمسألة من هذه الناحية مرتبطة بقضية الانصراف.


[1] وهي قضية فنيّة.
[2] المدارك 8 207.
[3] المستند 12 170 .
[4] والتي أشرت إليها في أكثر من مرة.
[5] وواضح أن المقصود من الوجدان هو الطبيعي السليم الذي يكشف عن الوجدان النوعي العرفي العام والّا فالوجدان الشخصي لا عبرة به.