33-12-06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 351 ) ، مسألة( 352 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 حكم الناسي:-
 ذكرنا فيما تقدم أن الجاهل بحرمة الجماع قبل التقصير إذا تحقق منه ذلك لا كفارة عليه على اخترناه خلافاً للسيد الماتن(قده) حيث ذكرنا أن القاعدة تقتضي بإطلاقها عدم وجوب الكفارة على الجاهل وصحيحة الحلبي حيث أنها مرددة بين الجاهل والعالم فيبقى إطلاق القاعدة على حاله وبالتالي لا كفارة على الجاهل خلافاً للسيد الماتن حيث احتاط بالثبوت ، والآن نريد أن نتعرض إلى حكم من نسي أن الجماع قبل التقصير محرّم فهل عليه الكفارة بعد الفراغ عن عدم ثبوت الحرمة في حقة لنسيانه وقد رفع الحكم عن الناسي ( رفع عن امتي النسيان ) ؟
 والجواب:- بناءً على ما اخترناه من أن الجاهل لا كفارة عليه فالمناسب عدم ثبوتها في حق الناسي بالأولوية أو على الأقل من باب عدم المقتضي لذلك - أي لا يوجد ما يقتضي ثبوت الكفارة في حقه - فانه إن كان هناك دليل على الكفارة فهو ثابت في حق الجاهل وأما الناسي فحيث لا دليل فيبقى إطلاق القاعدة على حاله بالنسبة إليه.
 وأما إذا قلنا بثبوتها - كما ذهب السيد الماتن(قده) - فالمناسب عدم ثبوت الكفارة أيضاً فان ما دلّ على ثبوتها - أعني صحيحة الحلبي - خاص بالجاهل والتعدي منه إلى الناسي لا وجه له فيبقى التمسك بإطلاق القاعدة بلا مانع.
 
 
 مسألة ( 352 ):- يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي فلو فعله عالما عامدا لزمته الكفارة .
 ..........................................................................................................
 تشتمل المسألة المذكورة على حكمين:-
 الحكم الأول:- إن التقصير قبل الفراغ من السعي محرَّم تكليفاً ومن فعله كان آثماً.
 الحكم الثاني:- لو فعل ذلك وكان متعمداً فعليه الكفارة الثابتة في حق من قصَّر حالة الإحرام.
 أما بالنسبة إلى الحكم الأول:- فلابد من التمسك بمقدمتين بضم أحداهما إلى الأخرى تثبت الحرمة التكليفية
 المقدمة الأولى:- إن التقصير في عمرة التمتع تأتي مرتبته بعد الفراغ من السعي وقد دلّت على ذلك بعض الروايات من قبيل صحيحة معاوية المتقدمة في أبحاث سابقة ( إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصر من شعرك ).
 المقدمة الثانية:- قد دلت بعض الروايات على أن التقصير حالة الاحرام محرّم من قبيل صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا يأخذ المحرم من شعر الحلال ) [1] فانه إذا لم يجُز للمحرم أن يأخذ من شعر المحلِّ فبالأولى - أو من دون حاجة إلى ضمِّ الأولوية - تكون الحرمة ثابتة لو أراد المحرم أن يأخذ من شعر نفسه ، وهكذا بالنسبة إلى تقليم الأظفار فانه ورد في صحيحة أخرى لمعاوية عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره ، قال:- لا يقص شيئاً منها إن استطاع فإن كانت تؤذيه فليقصّها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام ) [2] .
 وإذا قبلنا بهذه المقدمة الثانية فمقتضى الإطلاق أنه يحرم عليه ذلك في دائم الأحوال وقد خرج بالدليل ما إذا أكمل المحرم السعي فإن المقدمة الأولى ذكرنا فيها أن الرواية قد دلت على أنه لو أكمل السعي يقصِّر أما إذا لم يكمله فمقتضى إطلاق دليل التحريم الذي ذكرناه في هذه المقدمة الثانية هو أن الحرمة ثابتة في التقصير المذكور . إذن اتضح أن إثبات الحرمة يحتاج إلى مقدمتين لا خصوص المقدمة الأولى فمن دون ضمّ المقدمة الثانية لها لا يثبت المطلب.
 وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فنسلم بثبوته في حق العالم العامد بالنسبة إلى تقليم الأظفار إذ قد دلّت بعض الروايات على أن في تقليم الأظفار كف أو قبضة من طعام من قبيل الصحيحة التقدمة فإنها قالت ( فإن كانت تؤذيه فليقصّها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام ) ، أما لو قصّ شيئاً من شعره قبل الفراغ من السعي فهو كما قلنا محرَّم لما أوضحناه من المقدمتين ولكن هل عليه الكفارة ؟ إن المناسب هو العدم ، والوجه في ذلك هو أنه لا توجد لدينا رواية تقول إن المحرم لو قصّ شيئا من شعره فعليه الكفارة وإنما دلَّ الدليل على أن من نتف شعر إبطه أو حلق رأسه .... الخ فعليه الكفارة أما التقصير بعنوانه فلم تدل رواية على ثبوت الكفارة فيه .
 نعم أحسن ما يمكن أن يتمسك به لذلك هو صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ( إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئاً فعليه أن يطعم مسكيناً في يده) [3] فإنه قد يتمسك بهذه الصحيحة لإثبات وجوب الكفارة في قصّ الشعر ببيان أنها قالت ( إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها ) والواو هنا بمعنى ( أو ) أي ( أو غير اللحية ) وذلك يصدق على أخذ شيءٍ من شعر الرأس أو من بقية أعضاء البدن فتكون الرواية شاملة للتقصير ، وبالتالي تثبت الكفارة وهي كما قال عليه السلام ( أن يطعم مسكيناً في يده ) والمقصود كف من طعام. هكذا يقال في تقريب ثبوت الكفارة
 ولكن يمكن أن يردَّ ويقال:- إن النتف شيء والقص شيء آخر وثبوت الكفارة في النتف الذي هو إزالة للشعر من الأساس - أو بطريقة خاصة بالسحب - لا يلازم ثبوتها في قصّ بعض الشعر ولا أقل من الشك والتردد ويكفينا الشك في أنه يصدق عنوان النتف على قصّ بعض الشعر أو لا ، وعلى هذا الأساس لا مثبت لوجوب الكفارة في قصّ الشعر وإنما ذلك ثابت في تقليم الأظفار . ومنه تظهر المسامحة في تعبير السيد الماتن(قده) فإنه قال ( فلو فعله عالماً عامداً لزمته الكفارة ) والحال أنه في قصّ الشعر بعنوانه لا توجد كفارة لعدم الدليل على ذلك ، ومن هنا حينما تعرض إلى محرمات الإحرام وبيان الكفارة في كل محرَّم ذكر في المحرَّم الثامن عشر أن إزالة الشعر محرَّمة ثم قال ( وتثبت الكفارة بنتف الإبط وحلق الشعر و.... ) ولم يذكر قصّ الشعر وأن فيه الكفارة ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها وهي أن قص الشعر - أي التقصير - قبل الفراغ من السعي وإن كان محرَّماً إلا أن ثبوت الكفارة لأجله محل إشكال لعدم الدليل على ثبوتها في عنوان تقصير الشعر ، نعم ثبت ذلك في تقليم الأظفار ، ولذلك كان من المناسب له(قده) إما حذف فقرة ( ولو فعل ذلك عالماً عامداً لزمته الكفارة ) والاقتصار على الحكم الأول وهو ( يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي ) أو يذكر ذلك ولكن يخصّصه بتقليم الأظفار لا أن يطلق بنحوٍ يشمل قصَّ الشعر.
 وهناك قضية فنية:- وهي أنه كان من المناسب له (قده) حينما بيّن الواجب الخامس من واجبات عمرة التمتع - وهو التقصير - أن يقول ( ومحله بعد الفراغ من السعي ) أما أن يذكره بعد عدة مسائل ويقول ( يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي ) ولم يعبّر بلفظ ( ومحله ) فهو شيء ليس بفتي وكان المفروض أن يقوله هناك فيقال ( الواجب الخامس هو التقصير ومحلّه الشرعي بعد الفراغ من السعي ومن فعله قبل ذلك كان آثماً ).


[1] الوسائل 12 515 63 من تروك الاحرام ح1؟
[2] الوسائل 12 538 77 من تروك الاحرام ح1.
[3] الوسائل 13 173 16 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح9.