جلسة 41

المفطرات

ومما قد يُستشعر منه أو يُستعان به بنحو التأييد على الجمع بالحمل على الحكم التكليفي روايتان من الروايات المتقدمة:

الرواية الاُولى: ما عُطف فيه المُحرم على الصائم، كما في صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «لا يرتمس المُحرم في الماء ولا الصائم» [1] ، بعد الالتفات إلى أنّ أرتماس المُحرم لا يبطل إحرامه، وإنما ذلك مُحرّم تكليفاً لا أكثر، وعطف الصائم عليه قد يُستشعر منه أنّ الأمر فيه كذلك.

الرواية الثانية: موثقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «يكره للصائم أن يرتمس في الماء»[2] ، فإنّ الكراهة ظاهرة في التكليفية غايته إما خصوص المساوقة للحرمة، أو الأعم منها والكراهة المصطلحة، ولكن على كلا التقديرين هي ظاهرة في الكراهة التكليفية دون الوضعية التي لازمها البطلان.

النقطة الثانية: أنّ المدار على رمس الرأس ولا يلزم في تحقّق الإفطار رمس تمام البدن بما في ذلك الرأس، بل يكفي رمس الرأس وحده خلافاً للشهيد في (الدروس)[3] حيث يظهر منه التردد في كفاية رمس الرأس في تحقق الإفطار، فأنّه قال ـ قدس سرّه ـ : لو غمس رأسه دفعة أو على التعاقب ففي إلحاقه بالارتماس نظر.

وقد يقرّب ذلك ـ عدم الاكتفاء برمس الرأس وحده ـ بأنّ بعض الروايات نهت عن الرمس بشكل مطلق وقالت: لا يرتمس الصائم أو لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب عن ثلاث، أحدها الارتماس من دون تقيد بخصوص الرأس، وهذا ظاهر في اعتبار رمس جميع البدن، ومعه يحمل ما ورد ذكر الرأس فيه على أنّ ذلك من جهة أنّ العادة جرت على عدم تحقّق رمس جميع البدن إلاّ برمس الرأس، وهو الجزء الأخير الذي يتحقّق به رمس جميع البدن، فالتقييد هو من هذه الناحية لا لخصوصية فيه.

والجواب عن ذلك: أنّ ظاهر ذكر الرأس أنّ له خصوصية فإذا كان المدار على رمس جميع البدن انتفت الخصوصية للرأس.

إن قلت: أَوَ ليس قد ذُكر في مبحث المفاهيم أنّ اللقب لا مفهوم له؟ فلو قيل: أكرم زيداً لم يفهم منه نفي وجوب الإكرام عن عمر وغيره وفي المقام نقول ذلك أيضاً، فذكر الرأس لا يدل على المفهوم.

قلت: نحن لا نريد التمسك بالمفهوم حتى يقال ما ذكر، بل ندّعي أنّ ذكر الرأس يُفهم أنّ له خصوصية، وهذا ليس تمسكاً بالمفهوم، كما في قولك: أكرم زيداً، فإنّ ذكر زيد يُفهم منه أنّ لزيد خصوصية، بمعنى أنّه يجب إكرامه بعنوانه وإن كان لا يُفهم عدم وجوب إكرام غيره، إذاً ينبغي التفرقة بين هذين، ففي المثال المذكور يُفهم أنّ زيداً بعنوانه يجب إكرامه، وهذا ليس تمسكاً بالمفهوم، وهناك شيء ثانٍ، وهو أنّه لا يُفهم نفي وجوب إكرام الغير، وهذا هو المفهوم الذي يقال بانتفائه، وأما الأول فهو أجنبي عن المفهوم، وفي مقامنا نقول: إنّ ذكر الرأس يدل على أنّ له خصوصية وأنّه برمسه يتحقّق الإفطار، وهذا ليس تمسكاً بالمفهوم وإنما مصداق المفهوم، لو أردنا أنّ ندعي أن رمس بقية البدن غير الرأس لا يكفي في تحقّق الإفطار، إنّ هذا هو المفهوم ولكن لا نريد أن ندعيه، فالذي ندعيه ليس من المفهوم في شيء وما هو من المفهوم لا نريد أن ندعيه ونتمسك به، وعليه فالمدار على رمس الرأس وإن لم يتحقّق رمس غيره.

النقطة الثالثة: أنّ المدار على رمس تمام الرأس ولا يكفي رمس بعضه؛ لأنّ ظاهر كلمة الرأس إرادة تمامه خلافاً لصاحب (المدارك) حيث اكتفى برمس المنافذ في الرأس، فلو رُمست في الماء كفى ذلك في الإفطار وإن لم يرمس تمام الرأس، حيث قال ـ قدس سرّه ـ: لا يبعد تعلّق التحريم برمس المنافذ كلها دفعة وإن كانت منابت الشعر خارجة عن الماء[4].

وما ذكره مردود باعتبار أنّ ظاهر كلمة الرأس إرادة تمامه، ودعوى أنّ المدار على المنافذ حيث إنّ منها يحصل تسرب الماء إلى داخل الجسم لا يمكن المصير إليها بعد عدم معرفة العلة في ذلك، وعلينا التمسك بظاهر النص وعدم التمسك بالحِكم المستنبطة المظنونة، نعم لا يلزم أن يكون الشعر داخل الماء، فلو رُمس تمام الرأس بما في ذلك منابت الشعر وكان الشعر خارج الماء كفى ذلك في المفطّرية؛ لأنّ الشعر خارج عن الرأس فهو فيه وليس منه، ولذا يقال: لماذا تُمسك شعر رأسي؟، ولا يقال: لماذا تُمسك برأسي؟.

النقطة الرابعة: لا فرق بين أن يكون دخول تمام الرأس بنحو الدفعة أو بنحو التدريج، والمهم أن يتحقّق رمس تمام الرأس سواء حصل ذلك دفعة أم تدريجاً تمسكاً بإطلاق النصوص، فإنّ الرمس بنحو التدريج مصداق للرمس أيضاً، نعم لو رمس الشخص نصف رأسه ثم أخرجه ورمس النصف الثاني لم يكن ذلك مفطّراً؛ لأنّ عنوان رمس الرأس ظاهر في إرادة تحقّق ذلك في وقت واحد وإن حصلت بداية الدخول بنحو التدريج، وإلى هذا يشير السيد الماتن ـ قدس سرّه ـ حينما قال: ولا يقدح رمس أجزائه على التعاقب وإن استغرقه[5]، والمقصود وإن استغرقه لا في وقت واحد.

النقطة الخامسة: لا يضر رمس الرأس إذا كان داخل زجاجة ونحوها، وقد فرّق ـ قدس سره [6] بين ما إذا كان ما يحيط بالرأس ملاصقاً له كالكيس البلاستيكي وبين ما لا يكون ملاصقاً له كالصندوق الخشبي أو الزجاجي الذي يكون فيه فاصل بين الرأس والجدار، ففي الأول يتحقّق الإفطار لصدق عنوان رمس الرأس عرفاً، وفي الثاني لا يحكم بالإفطار لعدم صدق ذلك عرفاً.

وهذا التفصيل قد نقله صاحب (الجواهر) ـ قدس سرّه ـ عن اُستاذه الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس سرّه، حيث قال صاحب (الجواهر): وفي كشف الاُستاذ: أما سد المنافذ وإدخال الرأس في مانع من وصول الماء إليه متصلاً به فلا يرفع حكم الغمس، والمنفصل يقوى رفعه، ثم علّق صاحب (الجواهر) بقوله: وفي الأول نظر واضح[7].

وذكر السيد الحكيم ـ قدس سرّه ـ [8]: إنّ وجه نظر صاحب (الجواهر) هو الانصراف، أي أنّ من لبس الكيس البلاستيكي وغمس رأسه في الماء فالروايات الدالة على المفطّرية منصرفة عنه، وأنكر السيد الخوئي ـ قدس سرّه ـ [9] الانصراف المذكور.

ونحن في مقام التعليق نقول: تارةً نحاول التمسك بالألفاظ ونترك مناسبات الحكم والموضوع جانباً، ولازم هذا الحكم بالمفطّرية حتى لو كان الرأس ضمن صندوق أو زجاجة، إذ هو بالتالي تحت الماء وقد غمس داخله، وأما إذا أردنا تحكيم المناسبات المذكورة فالمناسب نفي المفطّرية في المتصل والمنفصل معاً، إذ المناسبات المذكورة تقتضي أنّ لملامسة الماء للبشرة دخلاً في المفطّرية، والقضية ليست تعبدية محضة من هذه الزاوية، ومعه يلزم نفي المفطّرية في كلتا الحالتين.

____________________

[1] الوسائل 10: 35 ـ 36، أبواب ما يمسك عنه ...، ب 1، ح 1.

[2] الوسائل 10: 38، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب3، ح 9.

[3] الدروس 1: 278.

[4] مدارك الأحكام 6: 50.

[5] منهاج الصالحين 1: 264.

[6] مستند العروة الوثقى 1: 160.

[7] جواهر الكلام 16: 230.

[8] مستمسك العروة الوثقى 8: 265.

[9] مستند العروة الوثقى 1: 161.