جلسة 55

المفطرات

مسألة 985: الأقوى عدم البطلان بالإصباح جنباً لا عن عمّد في صوم رمضان وغيره من الصوم الواجب المعيّن، إلاّ قضاء رمضان فلا يصح معه وإن تضيّق وقته [1].

تشتمل المسألة المذكورة على نقطتين:

النقطة الاُولى: أن الإصباح لا عن عمّدٍ لا يضرّ بصحة الصوم.

والمراد من الإصباح هو طلوع الفجر على المكلّف وهو جنب، فكلما كان المكلّف جنباً قبل طلوع الفجر ثم طلع الفجر عليه من دون اغتسال فيقال أصبح جنباً، غايته أن ذلك تارةً يكون عن عمّدٍ ـ كما إذا ترك المكلّف الغُسل قبل الفجر متعمّداً ـ واُخرى لا يكون كذلك كما إذا احتلم في نومه قبل الفجر واستيقظ بعده، فهو في مثل ذلك قد أصبح جنباً من دون تعمّد، والإصباح جنباً إذا كان عن تعمّد قد تقدم الكلام عنه في المسألة السابقة، وقلنا: إنّ المشهور قد ذهبوا إلى مفطّريته، وأما إذا لم يكن عن تعمّد فلا يكون مفطرّاً، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في النقطة الثانية من المسألة السابقة، وقلنا: إنّ مَنْ لم يغتسل حتى طلع عليه الفجر من دون أن يكون متعمّداً في تركه للغُسل فلا شيء عليه، لأنّ الطوائف الثلاث المتقدمة لا تدلّ على المفطّرية إلاّ في حالة التعمّد، وما زاد على ذلك فهو منفي بالبراءة بلا فرق في الحكم المذكور بين صوم شهر رمضان وغيره إلاّ القضاء على ما سيأتي.

أمّا أنّه في شهر رمضان لا يكون موجباً للمفطّرية فلما تقدم من أنّ الطوائف الثلاث لا يستفاد منها إلاّ المفطّرية في حالة التعمّد.

وأمّا أنّ بقية أفراد الصوم من النذر والكفارة والمستحب لا يضرّ بها ذلك. فلاختصاص الروايات بشهر رمضان، ومعه يتمسك في غيره بالبراءة.

وبالجملة من أصبح جنباً ـ بمعنى دخل عليه الفجر وهو جنب ـ من دون تعمّد كما في المحتلم مثلاً فلا شيء عليه في شهر رمضان وغيره، والحكم بهذا المقدار واضح ولم يقع فيه تأمّل من أحد، وتعبير السيد الماتن ـ قدّس سرّه ـ بكلمة الأقوى الدالة على وجود خلاف وتأمّل في المسألة ليس ناظراً إلى هذه النقطة، بل هو ناظر إلى النقطة الثانية، أي إلى استثناء القضاء، فإن في ذلك كلاماً كما سنبين.

النقطة الثانية: يستثني من الحكم المتقدم قضاء شهر رمضان، فمن أصبح جنباً ولو من دون تعمّد لم يصح منه ذلك اليوم حتى وإن كان الوقت ضيقاً، فعلى هذا الأساس إذا استيقظ المكلّف بعد الفجر وكان ناوياً للقضاء ووجد نفسه محتلماً قبل الفجر لم يصح صوم ذلك اليوم قضاء، نعم لو احتلم بعد الفجر بحيث فهم أن احتلامه كان بعد الفجر إمّا لأنّه نام بعد الفجر واحتلم آنذاك، أو أنّه كان نائماً قبل الفجر ولكن احتلامه كان بعد الفجر فلا يضرّ ذلك بصومه، أما لو شك فتلك مسألة اُخرى حيث لابد أن يبحث أن مقتضى الأصل هل هو تقدم الاحتلام أو تأخره؟ والآن لسنا بصدد ذلك، وإنما في صدد أن مَنْ طلع عليه الفجر وهو جنب من دون تعمّد لا يصح منه صوم ذلك اليوم إن كان يقضيه عن شهر رمضان، وهذا من موارد زيادة الفرع على الأصل، فإنّ الأصل ـ وهو رمضان ـ لا يضرّ به ذلك وإنما المضرّ هو تعمّد البقاء، وأما القضاء ـ الذي هو الفرع ـ فيضرّ به حتى غير التعمّد، والحكم المذكور هو المعروف بين الأصحاب كما ذكر في (الجواهر)[2] ويستدل عليه بروايات ثلاث أو بالأحرى بروايتين كما سيتضح:

الرواية الاُولى: صحيحة عبد الله بن سنان: أنه سأل أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتى يجيء آخر الليل وهو يرى أنّ الفجر قد طلع؟ قال: «لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره»[3]، بدعوى أن مقتضى إطلاقها الشمول لغير المتعمّد أيضاً، فمن احتلم قبل الفجر واستمر به النوم إلى ما بعد الفجر يصدق عليه العنوان المذكور في الصحيحة ـ فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتى يجيء آخر الليل ـ فإن التعبير المذكور لا يختص بمن أجنب أوّل الليل بسبب الجُماع وترك الغُسل حتى طلوع الفجر، بل إنّه يعم حالة الاحتلام وغيرها مما يفترض فيه ترك الغُسل من دون تعمّد ، وأضاف السيد الحكيم [4]، والسيد الخوئي[5] أنّ دعوى ظهور نسبة الفعل إلى الفاعل في مثل فيجنب، ولا يغتسل في تحقّق ذلك بالعمّد والاختيار باطلة، فإنّ الكلمتين المذكورتين تصدقان عرفاً حتى على مثل المحتلم قبل الفجر إذا استمر به النوم إلى ما بعد الفجر.

ثم إنّ التعبير المذكور وإن كان وارداً في كلام السائل دون الإمام عليه السلام، إلاّ أن عدم استفصال الإمام في مقام الجواب دليل على عدم الفرق من هذه الناحية.

الرواية الثانية: صحيحة عبد الله بن سنان قال: كتب أبي إلى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ وكان يقضي شهر رمضان، وقال: إنّي أصبحت بالغُسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر؟ فأجابه ـ عليه السلام ـ: «لا تصم هذا اليوم وصم غداً»[6]، وتقريب الاستدلال كما سبق.

الرواية الثالثة: موثّقة سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر؟ فقال ـ عليه السلام ـ: «عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوماً آخر»، فقلت: إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان؟ قال: «فليأكل يوم ذلك وليقضِ، فإنّه لا يشبه رمضان شيء من الشهور»[7] ، وقوله ـ عليه السلام ـ: «فإنه لا يشبه...»، تعليل إلى أنّه لماذا يلزم في رمضان الإتمام والقضاء معاً بخلاف غيره حيث لا يجب إتمامه، والرواية المذكورة يمكن أن يقال باختصاصها بمن علم قبل الفجر أنّه مجنب ونام، لا أنه استمر به النوم إلى ما بعد، والمهم على هذا هو الصحيحتان الأوليتان.

______________________

[1] منهاج الصالحين 1: 265.

[2] الجواهر 6: 342.

[3] الوسائل 10: 67، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 19، ح 1.

[4] مستمسك العروة الوثقى 8: 280.

[5] مستند العروة الوثقى 1: 183.

[6] الوسائل 10: 67، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 19، ح 2.

[7] الوسائل 10: 67، .بواب ما يمسك عنه الصائم، ب 19، ح 3.