جلسة 99

مفطرات الصوم

إلاّ أن الصحيحة المذكورة لا يمكن التمسك بها؛ لأن التعبير بـ«يحتقن» لا يخلو من أحد معانٍ ثلاثة:

الأوّل: أن يراد به خصوص الاحتقان بالمائع، بمعنى أن كلمة الاحتقان موضوعة لغة لخصوص ذلك.

الثاني: أن يدعى انصرافه إلى خصوص الاحتقان بالمائع.

الثالث: أن يراد به الأعم من الاحتقان بالمائع والجامد.

فإن كان المراد خصوص الاحتقان بالمائع وضعاً أو انصرافاً فسوف تختص الصحيحة بالاحتقان بالمائع ولا ربط لها آنذاك بالاحتقان بالجامد، والمفروض أننا نريد أن نثبت كراهة الاحتقان بالجامد.

وأمّا إذا كان المقصود هو الأعم فسوف تكون دليلاً على حرمة الاحتقان بالجامد كحرمته بالمائع، ولا يمكن أن يستفاد منها التعدد، بمعنى ثبوت الحرمة بالمائع وثبوت الكراهة بالجامد، إذ الجملة جملة واحدة، وهي قوله ـ عليه السلام ـ: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن»، وهي إمّا أن تكون مستعملة في الحرمة بلحاظ المائع والجامد معاً، أو في الكراهة بلحاظهما، أمّا أن يراد الحرمة في المائع والكراهة في الجامد فأمر غير ممكن.

نعم، قد يدعى أنه ورد في بعض الروايات نفي البأس عن الاحتقان بالجامد[1]، ولكن هذا لا ينفع أيضاً، إذ أقصى ما يدل عليه هو نفي البأس بالجامد، ونفي البأس يساوق عدم الحرمة، وأمّا الكراهة فلا تستفاد منه.

وعليه فينحصر المدرك بالشهرة أو عدم الخلاف في المسألة، وإلاّ فاستفادة ذلك من الروايات أمر مشكل كما قلنا، وحيث إن الأمر في مستند المكروهات سهل فلا بأس بالاعتماد على الشهرة أو عدم الخلاف المدعى.

النقطة الحادية عشر: قلع الضرس، بل مطلق إدماء الفم، والسواك بالعود الرطب. ويدل على ذلك موثقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في الصائم ينزع ضرسه؟ قال: «لا، ولا يدمي فاه، ولا يستاك بعود رطب» [2]، وظاهرها التحريم دون الكراهة، ولكن لأجل اتفاق الفقهاء على عدم الحرمة يلزم حمل ظهورها على الكراهة، لما أشرنا إليه سابقاً من أن الاتفاق المعاكس للظهور يولّد للفقيه اطمئناناً بعدم إرادة ما يقتضيه الظهور.

النقطة الثانية عشر: المضمضة عبثاً، وقد دل على ذلك مرسل حمّاد، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في الصائم يتمضمض ويستنشق؟ قال: «نعم، ولكن لا يبالغ» [3]، وجاء في حديث يونس، أنه قال: «والأفضل للصائم ألاّ يتمضمض» [4]، ولا يناقش في سندهما بعد أن كان الأمر مبتنياً على التساهل في سند المكروهات والمستحبات، ولكن تبقى المشكلة من حيث الدلالة، فإن المدعى هو كراهة المضمضة عبثاً، وكلا الحديثين أجنبي عن ذلك:

أمّا الأول فواضح؛ لأنه نهى عن المبالغة في المضمضة بمعنى الإكثار، وليس بناظر إلى حالة العبث.

وأمّا الحديث الثاني فهو قد عبّر بأن الأفضل ألاّ يتمضمض، وهذا يشمل حالة عدم العبث أيضاً، فيستفاد منه أن مطلق المضمضة يرجح عدمها، إلاّ أن يقال بانصراف ذلك إلى حالة العبث، ويُدعى أن المفهوم من أفضلية الترك كراهة الفعل، فإن تمت هاتان الروايتان ثبت المطلوب، وإلاّ فينحصر المدرك بالشهرة وعدم نقل الخلاف.

النقطة الثالثة عشر: انشاد الشعر إلاّ في مراثي أهل البيت ومدائحهم عليهم السلام، وهذا ينحل إلى دعويين:

الاُولى: كراهة انشاد الشعر للصائم.

الثانية: استثناء رثاء أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ومدحهم.

أمّا بالنسبة إلى الدعوى الاُولى فيدل عليها صحيح حمّاد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول: «تكره رواية الشعر للصائم وللمحرم، وفي الحرم وفي يوم الجمعة وأن يروى بالليل»، قال: قلت: وإن كان شعر حقّ؟ قال: «وإن كان شعر حقّ» [5]، وجاء في الصحيح الآخر لحمّاد بن عثمان وغيره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لا ينشد الشعر في شهر رمضان بليل ولا نهار». فقال له إسماعيل: يا أبتاه، فإنّه فينا؟ قال: «وإن كان فين» [6]، وسيأتي التعليق على ذيل الحديث إن شاء الله تعالى.

وظاهر الصحيح الثاني هو الحرمة، ولكن لابدّ من رفع اليد؛ إمّا بقرينة الأوّل المعبر بالكراهة بناء على ظهوره في إرادة الكراهة المصطلحة، أو للاتفاق على عدم الحرمة.

وأمّا الدعوى الثانية فيمكن أن يستدل لها بما رواه الطبرسي في كتاب (الآداب الدينية) عن خلف بن حمّاد، قال: قلت للرضا ـ عليهم السلام ـ: إنّ أصحابنا يروون عن آبائك ـ عليه السلام ـ إن الشعر ليلة الجمعة ويوم الجمعة وفي شهر رمضان وفي الليل مكروه، وقد هممت أن أرثي أبا الحسن ـ عليه السلام ـ وهذا شهر رمضان، فقال لي: «ارث أبا الحسن في ليلة الجمعة وفي شهر رمضان وفي الليل وفي سائر الأيام، فإن الله يكافئك على ذلك» [7]، ودلالتها على عدم الكراهة واضحة، وموردها هو المراثي، ولكن يمكن التعميم للمدائح أيضاً؛ إمّا لعدم الخصوصية باعتبار أن كلّ الخصوصية لعنوان أهل البيت عليهم السلام، أو لعدم القول بالتفصيل بينهما.

يبقى أن الحديث المذكور معارض لذيل صحيح حمّاد بن عثمان الثاني، إلاّ أن يُدعى الجمع بحمل الذيل السابق على اختلاف الفترة الزمنية، فلأجل وجود ظروف خاصة منع ـ عليه السلام ـ من ذلك حتى ما كان فيهم، فإن تم هذا فهو، وإلاّ فيمكن القول بسقوطه عن الحجية في نفسه؛ لهجران مضمونه بين الأصحاب، فيتعين الأخذ بالثاني دون معارض.

النقطة الثالثة عشر: ورد في الخبر عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابو» الحديث [8].

__________________________

[1] تهذيب الأحكام 4: 179/ 589.

[2] الوسائل 10: 78، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب26، ح3.

[3] الوسائل 10: 71، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب23، ح2.

[4] الوسائل 10: 71، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب23، ح3.

[5] الوسائل 10: 169،أبواب آداب الصائم، ب13، ح1.

[6] الوسائل 10: 169، أبواب آداب الصائم، 13، ح2.

[7] الوسائل 14: 599، أبواب المزار وما يناسبه، ب105، ح8.

[8] الوسائل 10: 166، أبواب آداب الصائم، ب11، ح13.