جلسة 109

مفطرات الصوم

أجاب السيد الحكيم [1] ـ قدّس سرّه ـ باختصاصه بالجاهل بالحكم وعدم شموله للجاهل بالموضوع، وعلل ذلك بأنه يلزم كثرة التخصيص المستهجن، بمعنى أن المطلقات الدالة على وجوب القضاء عند ارتكاب أحد المفطرات من قبيل: «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم»...[2]، إذا أخرجنا منها الجاهل بالحكم ثم أردنا أن نخرج الجاهل بالموضوع فسوف يلزم تخصيص الأكثر، إذ خرج فردان ـ الجاهل بالحكم والجاهل بالموضوع ـ وبقي فرد واحد تحت الإطلاقات، وهو العالم، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نخرج من المطلقات الجاهل بالموضوع إضافة إلى الجاهل بالحكم. هذا ما أفاده قدّس سرّه.

وجوابه: أن هذا ليس إخراجاً لفردين، بل لفرد واحد وهو الجاهل، غايته مصاديق الجهل مختلفة، وهذا لا يعني كثرة التخصيص والإخراج، فالخارج واحد وهو الجاهل والباقي واحد وهو العالم، وبما أن مصاديق العالم كثيرة فلا يلزم محذور التخصيص المستهجن.

هذا مضافاً إلى أن المورد ليس من موارد التخصيص، بل هو من موارد الحكومة على ما أوضحناه، فصحيحة عبد الصمد تقول: المقصود من الأدلة الأوّلية الدالة على وجوب القضاء هو خصوص العالم، فهي ناظرة إليها ودالة على أن المقصود منها هو العالم، ومعه فلا يلزم محذور تخصيص الأكثر أو تخصيص المساوي.

هذا مضافاً إلى أننا لو قبلنا أن الجاهل بالحكم لا قضاء عليه فيلزم أن نقبل بالأولوية أن الجاهل بالموضوع لا قضاء عليه أيضاً، فإن الجاهل بالموضوع أعذر من الجاهل بالحكم.

وينبغي أن يكون واضحاً أن لازم ما أفاده السيد الحكيم ـ قدّس سرّه ـ أن صحيحة عبد الصمد حتى لو كانت تصرح وتقول بلسان واضح: إنه لا يجب القضاء على الجاهل من دون فرق بين كونه جاهلاً بالحكم أو بالموضوع فنرفضها لمعارضتها للمطلقات الدالة على وجوب القضاء، لا أنه تصير مخصصة لها، والحال أننا نشعر بالوجدان أن صحيحة عبد الصمد لو كانت تصرح بالتعميم نأخذ بعمومها من دون تأمل، ولا نجعلها معارضة للعمومات، بل مخصصة لها.

وهذا يرد على ما أفاده السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ أيضاً من أن صحيحة عبد الصمد لا تشمل القضاء، بل تختص بنفي الكفارة، إذ لو شملت القضاء يلزم اختصاص المطلقات بالعالم الذي لازمه محذور مولدية العلم، فإن لازم ما أفاده ـ قدّس سرّه ـ أن صحيحة عبد الصمد حتى لو صرحت بالتعميم لنفي القضاء لما قبلناها، أو نقبلها على مضض.

هذا كله في النقطة الثانية، وقد اتضح أن حصيلتها أن القضاء منفي عن الجاهل بشتى أشكاله ـ عدا الجاهل البسيط ـ كما أنه منفي عن غير القاصد.

النقطة الثالثة: ومضمون هذه النقطة قد اتضح مما سبق، وهو أن غير القاصد لا يجب عليه القضاء إذا ارتكب المفطر حتى لو كان جاهلاً بالموضوع، خلافاً للسيد الحكيم قدّس سرّه، وقد مُثّل في المتن لذلك بمثالين:

أحدهما: إذا اعتقد أن المائع الخارجي ـ بناءً على أن الارتماس في الماء المضاف لا يضر ـ مضاف، فارتمس فيه فتبين أنه ماء مطلق.

وثانيهما: إذا أخبر الصائم عن الله ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه واقعاً.

ففي هذين المثالين وما شاكلهما من موارد عدم القصد لا يحكم بالمفطرية ووجوب القضاء، والوجه في ذلك ما أشرنا إليه في النقطة الاُولى حيث تمسكنا بفكرة القصور في المقتضي لوجوب القضاء، وإن تمسك السيد الخوئي بوجه آخر.

ثم إنه ورد في عبارة المتن ما نصه: (بل الظاهر فساد الصوم بارتكاب المفطر حتى مع الاعتقاد بأنه حلال وليس بمفطر)، والمقصود من هذه العبارة هو الرد على ما ذكره السيد الحكيم قدّس سرّه، فكأن السيد الماتن ـ قدّس سرّه ـ يريد أن يقول من خلال هذه العبارة: إن الجاهل بالحكم إذا ارتكب مفطراً يقضي صومه حتى لو كان جاهلاً مركباً خلافاً للسيد الحكيم قدّس سرّه.

التعميم لغير شهر رمضان

عرفنا أن الصائم في شهر رمضان إذا ارتكب المفطر فلا قضاء عليه إذا كان ذلك من دون قصد، أو كان عن نسيان، لكن يبقى تساؤل وهو أن الحكم المذكور هل يعم غير شهر رمضان من أنحاء الصوم أم لا؟

والجواب: نعم يعم غير شهر رمضان من أنحاء الصوم.

أمّا بالنسبة لحالة السهو والنسيان فقد ذكر في (الجواهر) [3] أن التعميم ممّا لا خلاف فيه، ويدل على ذلك إطلاق صحيحة محمد بن قيس المتقدمة، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: «كان أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يقول: من صام فنسي فأكل أو شرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي، فإنّما هو رزق رزقه الله تعالى فليتمّ صيامه» [4]، وهي كما ترى مطلقة تشمل غير شهر رمضان أيضاً، مضافاً إلى إمكانية التمسك بفكرة القصور في المقتضي لإثبات التعميم.

وأمّا بالنسبة إلى غير القاصد فيكفي لإثبات التعميم فكرة القصور في المقتضي، حيث لا يوجد إطلاق يمكن التمسك به لإثبات المفطرية ما دام الارتكاب لم يتحقق عن قصد.

_______________________

[1] مستمسك العروة الوثقى ج8 كتاب الصوم ص318.

[2] الوسائل 10: 87، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب29، ح3.

[3] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص257.

[4] الوسائل 10: 52، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب9، ح9.