جلسة 112

مفطرات الصوم

وما أفاده ـ قدّس سرّه ـ وإن كان وجيهاً، ويمكن دعمه بالروايات التي تعرّضت لأصناف من المكلفين يجوز لهم الإفطار في شهر رمضان، وهم: الحامل المُقرب والمُرضع قليلة اللبن [1]، وذو العطاش والشيخ والشيخة  [2]، وهذا معناه أن من به داء العطاش يجوز له الإفطار رأساً لا أنه يشرب بمقدار الضرورة، وبذلك يترجح النقل الثاني، وهو العطش دون العطاش.

ولكن بالرغم من هذا يمكن القول ـ حتى لو كان الوارد في الموثقة هو العطاش بنحو الجزم ـ: إن المقصود به ليس هو صاحب الداء، بل المراد هو العطش، وقد استعملت كلمة العطاش في الموثقة بمعنى العطش، والقرينة على ذلك التعبير بكلمة: (يصيبه..)، فإنها تتناسب مع العطش، أي يصيبه العطش اتفاقاً لا أنه أمر لازم له.

هذا مضافاً إلى التعبير بفقرة: (حتى يخاف على نفسه...)، فإنها تتلاءم مع العطش، بمعنى أنه طرأ عليه العطش إلى حد خاف على نفسه، بخلاف صاحب الداء فإنه لا معنى لذلك في حقه.

هذا والذي يهوّن الخطب أن النزاع المذكور لا تترتب عليه أي ثمرة في المقام، فعلى كلا التقديرين فيه يجوز تناول الماء لغرض الضرورة.

ولقائل أن يقول: إن الثمرة تظهر في وجوب الإمساك إلى بقية النهار وعدمه. إلاّ أنه يمكن نفي الثمرة أيضاً من هذه الناحية، إذ لو كان الوارد هو العطاش فيلزم على من طرأ عليه العطش الإمساك بلحاظ بقية النهار، ولا يحتمل أن من به داء العطاش يجب عليه الإمساك بقية النهار، بخلاف من طرأ عليه العطش فلا يجب عليه ذلك، وإلاّ يلزم كون صاحب العطاش أسوء حالاً من غيره، ولا أقل يمكن دعوى عدم الخصوصية من هذه الناحية. وعليه فلا ثمرة في النزاع المذكور. هذا كلّه في النقطة الأُولى.

النقطة الثانية: يلزم الاقتصار في تناول الماء على مقدار الضرورة لتصريح الموثقة بذلك وإن كانت القاعدة تقتضي جواز تناول ما شاء، إذ الأمر بالإمساك في مجموع الوقت قد سقط جزماً، ومع سقوطه لا مثبت لوجوب الإمساك بلحاظ الباقي، إلاّ أن يدل دليل خاص على ذلك كالموثقة المذكورة، فلولا الموثقة يكون المناسب جواز التناول من دون تحديد.

النقطة الثالثة: يجب قضاء الصوم.

وقد استُدل له في كلمات الأعلام بما تقدمت الإشارة إليه من تمامية المقتضي، وهو إطلاق دليل وجوب القضاء عند مزاولة المفطر، وعدم ثبوت المانع، فإن المانع ليس هو إلاّ حديث الرفع، وقد تقدم عدم إمكان التمسك به. هكذا قيل.

والمناسب على ضوء ما ذكرناه سابقاً هو الحكم بعدم وجوب القضاء للبيان المتقدم، وهو أن وجوب القضاء إن كان قد رُتِّب على فعل المفطر فيلزم ارتفاعه بواسطة حديث الرفع؛ لأنه يرفع آثار الفعل الوجودي، ومن جملة آثار فعل المفطر حسب الفرض هو وجوب القضاء، وإن كان لم يرتَّب وجوب القضاء على فعل المفطر فذلك يعني الاعتراف بالقصور في المقتضي، وبالتالي لا يمكن الحكم بوجوب القضاء لأجل القصور في المقتضي.

النقطة الرابعة: أن وجوب الإمساك بقية النهار يختص بصوم شهر رمضان ولا يعم غيره، والوجه في ذلك أن وجوب الإمساك يحتاج إلى دليل، وإلاّ فالقاعدة تقتضي العدم كما تقدم، والموثقة التي هي المستند لوجوب الإمساك تختص بشهر رمضان؛ لأنها وإن لم تقيّد بذلك إلاّ أن القدر المتيقن هو ذلك.

إن قلتَ: لِمَ لا نتمسك بالإطلاق أو بعدم الاستفصال في جواب الإمام عليه السلام، باعتبار أن الموثقة لم تذكر كلمة شهر رمضان، فمقتضى الإطلاق أو عدم الاستفصال هو التعميم.

قلتُ: أمّا الإطلاق فلا يجوز التمسك به؛ لأن التمسك بالإطلاق فرع وجود لفظ يدل على الطبيعي، فيقال: حيث إنه لم يقيد فيثبت الإطلاق، كما لو قال: (اعتق رقبة)، فإن لفظ الرقبة يدل على طبيعي الرقبة وحيث لم يُقيّد فيثبت إطلاق اللفظ.

فلابدّ إذاً من وجود لفظ يدل على المفهوم الكلي كي يُتمسك بإطلاقه، وفي المقام لا يوجد لفظ يصلح التمسك بإطلاقه.

وبكلمة أُخرى: أن الإيمان في مثال الرقبة هو وصف من أوصاف الرقبة وقيد من قيودها فإذا لم تقيّد يثبت إرادة الإطلاق منها، فلابدّ من فرض أن يكون المشكوك قيداً ووصفاً لمفهوم اللفظ، وفي مقامنا القيد المشكوك هو شهر رمضان وهو ليس وصفاً من أوصاف كلمة الرجل الواردة في الموثقة كي يتمسك بإطلاق كلمة الرجل، كما أنه ليس وصفاً لمفهوم كلمة (يصيبه) كي يتمسك بإطلاقها، وليس وصفاً لكلمة (العطاش) كي يُتمسك بإطلاقها.

________________________

[1] الوسائل 10: 215، أبواب من يصح منه الصوم، ب17، ح1.

[2] الوسائل 10: 209، أبواب من يصح منه الصوم، ب15، ح1.