جلسة 119

كفارة الصوم

هذا وقد أجاب السيد الخوئي عن موثقة عمّار بجوابين:

الأول: أن من المحتمل أن تكون الموثقة ناظرةً إلى نفي قضاء يوم آخر بدل يوم القضاء، إذ قد يُتصور لزوم قضاء يومين: يومٍ بدل اليوم الأصلي، ويوم بدل يوم القضاء الذي تحقق فيه الإفطار بعد الزوال، وليست بصدد نفي وجوب الكفارة، وهذا وإن لم يكن أمراً جزمياً ولكن من المحتمل أن يكون هو المقصود في الموثقة، ويكفينا الاحتمال لرفع القرينية على الحمل على الاستحباب، فان الموثقة إنما تصير قرينة على حمل تلك على الاستحباب فيما لو كانت تقصد بنحو الجزم نفي الكفارة، أمّا إذا احتملنا أنها بصدد نفي قضاء يوم آخر فلا تصلح آنذاك للقرينية، هذا ما أفاده قدس سرّه [1].

وروح هذا الجواب قد ألمح إليه صاحب (الوسائل) ـ قدّس سرّه ـ في ذيل الموثقة، حيث قال ما نصه: (ويمكن الحمل على عدم وجوب أكثر من يوم في قضائه...)[2].

ويمكن التأمل فيما ذكر باعتبار أن الوارد في الموثقة هكذا: «قد أساء وليس عليه شيء إلاّ قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه»، والمناسب للاحتمال الذي أشار إليه ـ قدّس سرّه ـ أن يعبر هكذا: قد أساء وليس عليه قضاء إلاّ قضاء ذلك اليوم... لا أن يعبر بكلمة شيء ويقال: «وليس عليه شيء إلاّ...»، فالتعبير بكلمة شيء وأنه لا شيء إلاّ قضاء يوم واحد واضح في أن المقصود نفي كلّ شيء سوى قضاء يوم واحد فتكون الكفارة منفية.

الثاني: أنه لو تنزلنا وسلمنا بأن الموثقة ظاهرة في نفي الكفارة فلا نسلم بكونها قرينة على حمل تلك على الاستحباب، بل تكونان متعارضتين بنحو التعارض المستقر وبالتالي لا يمكن الجمع العرفي بينهما. والوجه في ذلك أن الروايتين الأوليين تدلان على ثبوت الكفارة، وهي إما أن تكون ثابتة بنحو اللزوم والوجوب، وإمّا أن تكون منفية رأساً، ولا يمكن أن نتصور شقاً ثالثاً وهو ثبوتها بنحو الاستحباب.

والوجه في ذلك أن لازم ثبوت الكفارة حرمة الإفطار بعد الزوال، فإذا أُريد الحمل على الاستحباب وأن الكفارة مستحبة فهذا معناه عدم حرمة الإفطار بعد الزوال، وعليه فلا يمكن أن تكون الكفارة ثابتة ـ الذي لازمه حرمة الفعل ـ وأن تكون في نفس الوقت مستحبة ـ الذي لازمه عدم حرمة الفعل ـ هذا ما أفاده قدّس سرّه.

وفيه: أنه لا مانع من أن يكون الفعل محرماً، ولكن يكون ثبوت الكفارة مستحباً. نعم، نحن نعترف أنه مع استحباب الكفارة لا يمكن أن نستفيد حرمة الفعل، فلو حملنا الروايتين على استحباب الكفارة فلا نستفيد منهما آنذاك حرمة الإفطار في القضاء بعد الزوال، وإنما نستفيد ذلك من الموثقة، فإنها وإن نفت الكفارة غير أنها عبّرت بكلمة «قد أساء» حيث قال ـ عليه السلام ـ: «قد أساء وليس عليه شيء إلاّ قضاء ذلك اليوم...»، فالحرمة إذا أردنا أن نقول بها فهي من هذه الناحية.

وعلى أي حال ثبوت الكفارة بنحو الوجوب أمر لا يمكن الالتزام به لإمكان الجمع العرفي بما تقدم.

________________________

[1] مستند العروة الوثقى ج1 كتاب الصوم ص299.

[2] الوسائل 10: 348، أبواب أحكام شهر رمضان، ب29، ح4.