جلسة 141

كفارات الصوم

(مسألة 1016: مصرف كفّارة الإطعام الفقراء إمّا بإشباعهم وإمّا بالتسليم إليهم، كل واحد مدّ والأحوط مدّان، ويجزي مطلق الطعام من التمر والحنطة والدقيق والأرز والماش وغيرها مما يسمى طعاماً، نعم الأحوط في كفّارة اليمين الاقتصار على الحنطة ودقيقها وخبزها)[1] .

تشتمل المسألة المذكورة على النقاط التالية:

النقطة الأُولى: أن مصرف كفّارة الإطعام في النصوص الشرعية هم المساكين كما في قوله سبحانه وتعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[2]، وهكذا الروايات الكثيرة [3] التي عبّرت بكلمة المسكين، إلاّ أن المتداول في كلمات الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ أن مصرف كفّارة الإطعام هم الفقراء، وفي كلمات أهل اللغة طرحت عدة معان:

الأوّل: أن المسكين والفقير واحد، كما نقل ذلك الفيوّمي [4] عن ابن الأعرابي ما نصه: (وقال ابن الأعرابي: المسكين هو الفقير وهو الذي لا شيء له فجعلهما سواء...)، وبناءً على هذا المعنى يكون الأمر واضحاً حيث إن الفقهاء حكموا أن مصرف كفّارة الإطعام هو الفقير باعتبار اتحاده مع المسكين.

إلاّ أن هذا المعنى لا يمكن الأخذ به باعتبار أن آية الصدقات ذكرت المساكين في مقابل الفقراء، حيث ورد في قوله سبحانه وتعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)   [5]، وهذا يدل على وجود مغايرة بينهما.

الثاني: أن المسكين أحسن حالاً من الفقير، كما نقل ذلك الفيومي أيضاً عن الأصمعي حيث ذكر ما نصه: وقال الأصمعي المسكين أحسن حالاً من الفقير، وهو الوجه، لأن الله تعالى قال: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) [6][7] ، فيكون جواز الدفع إلى المسكين دالاًّ بالأولوية على جواز الدفع للفقير، وبناءً على هذا يكون حكم الفقهاء بأن مصرف كفّارة الإطعام هو الفقير مبني على الأولوية المذكورة.

إلاّ أن هذا المعنى تردّه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ: أنه سأله عن الفقير والمسكين؟ فقال: «الفقير: الذي لا يسأل، والمسكين: الذي هو أجهد منه الذي يسأل»[8] .

الثالث: أن الفقير أحسن حالاً من المسكين.

ومن خلال ما تقدم يتضح أن المتعين هو المعنى الثالث، وعليه لابدّ من توجيه حكم الفقهاء بكون مصرف الكفّارة هو الفقير بعد ما كان المأخوذ في لسان النصوص الشرعية عنوان المسكين.

ويمكن توجيه ذلك من خلال الأُمور التالية:

الأوّل: أن الفقهاء قد اتفقت كلمتهم على أن مصرف كفّارة الإطعام هو الفقير، ولم ينقل الخلاف فيه إلاّ عن العلامة ـ قدّس سرّه ـ في (القواعد) حيث استشكل في المسألة.

الثاني: أن المسألة المذكورة عامة البلوى فلو كان اللازم هو الدفع إلى المسكين بمعناه الضيق لاشتهر ذلك، ولأنعكس ذلك على فتاوى الفقهاء، بينما الأمر بالعكس تماماً حيث إن كلماتهم دلت على أن المصرف هو الفقير.

الثالث: قد يدعم ذلك بموثقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم ـ عليه السلام ـ عن إطعام عشرة مساكين، أو إطعام ستّين مسكيناً، أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ قال: «لا، ولكن يعطي إنساناً إنساناً كما قال الله تعالى»، قلت: فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين؟ قال: «نعم...» الحديث [9]، فإن ذيلها يدل على أن المدار على عنوان الحاجة.

وإنما لم نجعل الموثقة المذكورة دليلاً في المسألة باعتبار أن من المحتمل أن يكون مقصود السؤال والجواب النظر إلى حيثية القرابة، فكأن السائل يريد أن يقول: إن قرابتي هل يجوز دفع الكفّارة إليهم، بعد فرض وجود الشرط فيهم وهو الحاجة؟ وإنما لم يقيد تلك الحاجة بكونها شديدة؛ باعتبار أن مصب النظر حيثية القرابة، فالقرابة هل تمنع أو لا تمنع؟ وهذا لا يتنافى مع كون المدار على الحاجة الماسة.

وعلى أي حال، إن تمت هذه المقدمات الثلاث وحصل للفقيه على أساسه الاطمئنان فهو المطلوب، وأمّا إذا لم يحصل له ذلك فلا أقل من حصول الشك له في كون المقصود من المسكين الوارد في الأدلة هو المسكين بمعناه الضيق أو ما يعم الفقير، وبعبارة أُخرى يحصل له الشك في إرادة المفهوم الواسع أو المفهوم الضيق، وفي مثله تكون الشبهة مفهومية، وعليه يمكن أن يقال: إن لزوم الدفع إلى خصوص المسكين بمعناه الضيق لا دليل عليه وإنما هو القدر المتيقن، وأمّا تعينه بخصوصه فلا دليل عليه لفرض الإجمال والشك فينفي الضيق بالبراءة، وبذلك تكون النتيجة واحدة على كلا التقديرين، هذا كله بالنسبة إلى النقطة الأُولى.

النقطة الثانية: أن المدار على الإشباع أو التسليم ولا يلزم خصوص الإشباع، والفرق بينهما أنه في الإشباع يفترض كون الطعام جاهزاً مطبوخاً، كما يفترض فيه البذل دون التمليك، فالشخص المكفّر يصنع الطعام ويدعو الفقراء عليه فهذا بذل وليس تمليكاً.

أمّا التسليم فإنه لا يلزم فيه كون الطعام مطبوخاً، كما أنه يرجع إلى التمليك، فحينما يدفع المكفّر الطعام إلى الفقير يكون قد ملكه ذلك، فيحق للفقير بعد ذلك أن يتصرف به كما يشاء، بخلافه في الإشباع فإنه لا حق له في التصرف كما يشاء وإنما حقه الأكل فقط.

كما أن هناك فارقاً حكمياً بينهما تأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى، وهو أنه في التسليم يكفي دفع ثلاثة أرباع الكيلو، بخلافه في الاشباع فإن المدار على شبع الفقير الذي يختلف من شخص إلى آخر فربما يأكل الفقير أكثر من ثلاثة أرباع الكيلو وربما يأكل أقل من ذلك.

وباتضاح الفارق نقول:

أمّا أن الإشباع كافٍ فذلك واضح؛ لأنه المقدار المتيقن من عنوان الإطعام.

وأمّا أن التسليم كافٍ فباعتبار أنه عرفاً يصدق عنوان الإطعام في حالة تسليمه له، نعم ربما يشك فيما إذا كان الطعام غير مطبوخ، إلاّ أن ذلك مطلب آخر.

ويمكن التمسك ببعض الروايات كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: «في كفّارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّين من حنطة، ومدّ من دقيق» [10]، وهي تدل على مطلبين كفاية التسليم، وعدم لزوم كون الطعام مطبوخاً.

نعم، هي واردة في كفّارة اليمين إلاّ أنه لا يبعد احتمال عدم الخصوصية من هذه الناحية.

____________________________

[1] منهاج الصالحين 1: 271.

[2] البقرة: 184.

[3] الوسائل 22: 374، أبواب الكفارات، ب10، ح1.

[4] المصباح المنير: 107 ـ 108/ سكن.

[5] التوبة: 60.

[6] الكهف: 79.

[7] المصباح المنير: 107 ـ 108.

[8] الوسائل 9: 210، أبواب المستحقين للزكاة، ب1، ح2.

[9] الوسائل 22: 386، أبواب الكفارات، ب16، ح2.

[10] الوسائل 22: 383، أبواب الكفارات، ب14، ح10.