32/05/01


تحمیل

والجواب :- انه يمكن إثبات الجواز ببيان آخر بان يقال إن الحج إن استلزم تساقط الشعر فهو محرم ، وأما إذا لم يستلزم ذلك فهو جائز، فيكون الشك في المورد شكاً بأصل التكليف ، فتجري البراءة ككل شبهة موضوعية أو حكمية ، فان الشك فيهما حيث انه في أصل التكليف فتجري البراءة ، والشبهة في مقامنا موضوعية فان الحكم عندنا واضح حيث نجزم انه لو استلزم الحلق تساقط الشعر فهو محرم ولو لم يستلزم فهو جائز فاصل الحكم معلوم وإنما الشك في الموضوع ، يعني أن الحك في موردنا هل يستلزم تساقط الشعر حتى يكون محرما أو لا ، فالشبهة موضوعية فتجري البراءة حتى لو لم نبن على حجية الاستصحاب الاستقبالي.

إذن النتيجة :- هي أن الحك جائز ، إما لفكرة الاستصحاب الاستقبالي ، أو لفكرة التمسك بالبراءة في الشبهة الموضوعية . هذا هو مقتضى الصناعة.

ولكن يمكن أن نستدرك ونقول :- انه رغم هذا يمكن أن يحتمل عدم الجواز ، وذلك للتعليل الوارد في رواية المصارعة التي تقدمت الإشارة إليها ، اعني صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام ( سألته عن المحرم يصارع ، هل يصلح له ؟ قال : لا يصلح له مخافة أن تصيبه جراح أو يقع بعض شعره )[1] ، فإنها عللت عدم جواز المصارعة بخوف تساقط بعض الشعر ، ومقتضى عموم التعليل انه في مقامنا حيث يخاف تساقط الشعر أيضا بسبب الحك فيكون محرما ، نعم ربما يقال إن الصحيحة ناظرة إلى تساقط الشعر بسبب فعل الغير - اعني المصارع الآخر - فانه بمصارعته لي سوف يسقط بعض الشعر بسببه وليس بسببي ولعل ، وهذا لا ينفعنا ، فانا نريد أن نثبت حرمة حك المحرم نفسه وتساقط بعض شعره بسبب فعل نفسه وليس بسبب فعل الغير .

 ومن هنا يصعب أن نجزم باستفادة التحريم من هذه الصحيحة ، نعم الحكم بذلك بنحو الاحتياط شيء حسن .

 إذن مقتضى الاحتياط ترك الحك لأجل هذه الصحيحة التي يحتمل شمولها لمقامنا .

 وعلى منوالها - على ما أتذكر - ما قد يتساءل ويقال انه لو فرض أن المرأة لم تر الدم في عادتها وتجاوز وقت عادتها واحتملت أن هذا التجاوز بسبب الحمل ويحتمل انه لعارض غير الحمل ، فهل يجوز أن تتناول الأقراص التي تسرع نزول الدم ؟

 أن مقتضى الصناعة الجواز ، لأنها لا تجزم بوجود الحمل حتى يكون ذلك إسقاطا للحمل بعد انعقاده ، فالشبهة موضوعية والمناسب هو البراءة ، ولكن توجد رواية يسال فيها الراوي الإمام عليه السلام عن جارية له تأخر حيضها وقال انأ أعطيها دواءً يسرع نزول الدم عليها ، والإمام عليه السلام نهاه عن ذلك .

 إذن يحكم بعدم الجواز رغم أن الشبهة موضوعية لأجل الرواية وان كانت الصناعة تقتضي ذلك ، ومقامنا من هذا القبيل .

وهنا قضية فنية يجدر الالتفات إليها :- وهي أن السيد الماتن في عبارة المتن قال هكذا ( لا باس بحك المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه ..)

وكان المناسب أن يقول ( مادام يشك في سقوط الشعر عن رأسه ) أو ( ما دام لم يعلم ) فيأتي بقيد الشك أو عدم العلم وإلا فنفس الحك بما هو حك بقطع النظر عن تساقط الشعر لا يحتمل تحريمه حتى يحتاج إلى بيان ، فالمناسب إضافة قيد الشك حتى يكون إشارة إلى الشك في السقوط ، ولا اقل كان من الضروري بيان حكم هذه الحالة ، اعني يبين مطلبين فتارة يبين أن الحك بما هو حك فلا باس به ما دام لم يسقط الشعر ، ثم يقول ولو فرض الشك فالحكم الجواز أيضا ، أن بيان ذلك شيء ضروري لان ذلك هو الحالة الابتلائية .

النقطة الثانية :- إذا أمرّ المحرم بيده على رأسه أو بعض المواضع الأخرى وسقطت شعرة أو شعرتان فعليه أن يتصدق بكف من طعام ، وهذا قد تقدمت الإشارة إليه في المسألة السابقة ولا داعي إلى تكراره ، حيث ذكر (قده) في المسالة السابقة[2] وقال ؛ ( ... وإذا نتف شيئا من شعر لحيته وغيرها فعليه أن يطعم مسكينا )

إن هذه العبارة تعطي نفس ما ذكره في مسألتنا هذه فيكون ذلك من التكرار الممل ،

  وإذا قيل انه في مسألتنا يقصد الإشارة إلى حالة إمرار اليد من دون قصد إسقاط الشعر بينما في المسألة السابقة التي غبر فيه ( وإذا نتف شيئا من شعر لحيته ) هو ناظر إلى قصد النتف والإسقاط

قلنــا :- هذا وان كان شيئا وجيها ولكن كان بالإمكان تفاديه بشكل آخر ، يعني بشكل مختصر ، بان يقول في المسالة السابقة ( وإذا نتف شيئا من شعر لحيته وغيرها ولو بسبب إمرار يده - ) إن المناسب كان هكذا ، فانه بهذا لا يحصل التكرار الممل .

 وقد ذكرنا في المسالة السابقة مدرك الحكم المذكور وهو مجموعة روايات منها صحيحة الحلبي حيث جاء فيها ( إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده ) وعلى منوالها صحيحة هشام بن سالم ، وقلنا توجد رواية معارضة وهي رواية المفضل بن عمر ، وتكلمنا عن كيفية علاج المعارضة وانتهينا إلى أن مقتضى الصناعة عدم وجوب شيء ، ولكن الاحتياط مناسب خلافا للسيد الخوئي حيث أعمل فكرة التخصيص.

 ثم انه ذكر (قده) في العبارة ( لو سقطت شعرة أو شعرتان )

فقيّد بالشعرة والشعرتين ، وهذا ليس مناسبا ، بل المناسب أن يعبر هكذا ( وسقط بعض الشعر ) فان المدرك السابق عام من هذه الناحية ولا يختص بسقوط شعرة أو شعرتين ، فلاحظ صحيحة الحلبي وصحيحة هشام بن سالم . وهذه قضية فنية أيضا.

النقطة الثالثة :- إن تساقط بعض الشعر وان قيل بثبوت كف من طعام فيه إما على مستوى الفتوى أو على مستوى الاحتياط ، ولكن ذلك يختص بغير حالة الوضوء ، وأما فيه فلا شيء لصحيحة الهيثم بن عروة التميمي التي تقدمت الإشارة إليها في بعض المسائل السابقة ، وهذا مطلب واضح .

 وقد ذكر (قده) في تلك المسالة أن هناك أربعة موارد يجوز فيها إزالة الشعر دون محذور ، وذكر في المورد الرابع تساقط الشعر في الوضوء ، فذكره في هذه المسالة ثانية يكون من التكرار الممل .

 وكان من المناسب أن لا يذكر هذا التكرار هنا ، بل يذكر في المسالة السابقة ، فانه ذكر هكذا ( وإذا نتف شيئا من شعر لحيته وغيرها فعليه أن يطعم مسكينا )

ثم يقول عقيب هذا ( هذا في غير الوضوء وأما فيه فيجوز بلا كفارة ) .

وقبل أن ننهي مسألتنا :- أشير إلى انه (قده) ذكر[3] - بعد أن ذكر كفارة الصيد - أن لا كفارة على الجاهل والناسي إلا في موارد ثلاثة ، وكان أحدها هو ما إذا أمرّ المحرم بيده على لحيته فسقط بعض الشعر ، أن الكفارة تثبت - يعني حتى لو كان جاهلا أو ناسيا - هذا قد ذكره هناك ، والآن نقول حينما وصلنا إلى هذا الموضع فالمناسب نقول انه لو رجعنا إلى الروايات لم نجد رواية تصرح بان من أمر يده فسقطت شعرة أو شعرتان او..... يثبت في حقه الكف من طعام حتى لو كان متعمدا ، وعليه يكون مقتضى ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار - مثلا - التي مضمونها ( كل شيء ارتكبه المحرم بجهالة فلا شيء عليه إلا الصيد ) ، إن مقتضى هذه الرواية هو أن لا كفارة في المقام .

 نعم في التدهين كانت توجد مقطوعة لمعاوية بن عمار وردت في دهن البنفسج ودلت على ثبوت الكفارة في حق غير المتعمد ، فيلتزم هناك بثبوت الكفارة في غير حالة التعمد ، وهذا بخلافه في مقامنا فانه لا يوجد رواية أثبتت الكفارة في حالة التعمد ، فالمناسب التمسك بإطلاق أو عموم صحيحة معاوية التي قالت لاشيء في حالة الجهالة إلا في الصيد . وهذه قضية غريبة ولا ادري كيف وقع هذا من السيد الماتن (قده) .

[1] الوسائل 12 563-94 تروك الاحرام ح2

[2] مسألة - 260 .

[3] في مسالة - 225