32/06/18


تحمیل

النقطة الثانية:- إذا كان وجود المظلة كالعدم جاز للمحرم رفعها ، كما لو فرض أنه يحمل المظلة على رأسه وتكون مرتفعة عن الرأس بمقدار كبير ، فان حملها لا يؤثر شيئاً ، وعليه فلا محذور في هذا الحمل .

ولكن كيف نوجه ذلك فنياً ؟

ذكر ( قده)[1] :- أن التظليل عبارة عن التستر من شيء كالشمس أو الحر أو البرد أو ما شاكل ذلك ، فلو فرض أنه كان وجود المظلة كعدمها فذلك يعني أنه لا تستر من خلالها من حر أو برد أو ما شاكل ذلك ، فلا يكون مثل هذا تظليلاً لأنه لا تستّر . هكذا ذكر (قده).

وفيه:- أنا لو سلمنا أن التظليل مأخوذ من ( الظّلة ) وهي بمعنى ( ما يتستر به من شيء كحر أو برد ) ، وسلمنا أن المراد من التستر هو التستر الفعلي - فما يتستر به بالفعل من حر أو برد هو الذي يصدق عليه التظليل وليس المقصود ما يكون من شأنه أن يُتستّر به وان لم يتحقق به التستر الفعلي فان الإشكال يبقى من ناحية أخرى ، وهي أن دليل حرمة التظليل لا ينحصر بالروايات المعبرة بـ( التظليل ) من قبيل الرواية التي تقول ( أظلل وأنا محرم ) أو ( سألته عن الظلال ) ، انه لو كان الأمر ينحصر بهذه الروايات لأمكن تتميم ما أفاده (قده) بعد التسليم بذينك الأمرين ، ولكن توجد روايات أخرى لا تعبر بـ( التظليل ) كروايات القبة والكنيسة التي سأل الراوي فيها الإمام عليه السلام ( عن المحرم يركب القبة ؟ فقال: لا ) إن مثل هذه الرواية لم تستعمل كلمة ( الظلال ) أو ( التظليل ) بل استعملت كلمة ( القبة ) ، ورب قائلٍ يقول ؛ هي تدل على أن ركوب القبة بما هو ركوب فيها محرماً بقطع النظر عن مسألة التستر من حر أو برد ، فيحتاج ( قده) فنياً إلى دفع مثل هذه الروايات ، ومجرد أن التظليل مـأخوذ من التستر عن الحر أو البرد أو غيرهما لا ينفع إلا في دفع الروايات المشتملة على التظليل.

 إذن لابد من دفع هذه الروايات :-

إما ببيان:- أنه لا يمكن التمسك فيها بالإطلاق لما أشرنا إليه سابقاً من أن شرط التمسك بالإطلاق وجود مفهوم في كلام الإمام عليه السلام ليتمسك بإطلاقه ، كما لو قال الإمام ( التظليل حرام ) أو ( لا تظلل ) ، ولكن كلام الإمام لا يشتمل على هذا ، فلا بد من ضم فكرة ترك الاستفصال ، يعني سُئل عليه السلام عن ركوب القبة وأجاب ( لا ) من دون أن يفصِّل بين أن يوجب ركوبها التستر من حر أو برد أو لا ، إن الذي يمكننا إثبات العموم أو الإطلاق به هو التمسك بفكرة ترك الاستفصال في جواب الإمام عليه السلام .

 ولكن هذا يمكن دفعه:- ببيان أن الإمام عليه السلام لعله فهم - ولو من قضاء العادة والغلبة - أن الشخص يركب القبة لأجل أن يقي نفسه من حر أو برد ، أو قُل لا يوجد عادةً ركوبٌ في القبة من دون أن يقي ذلك من حر أو برد أو غيرهما ، انه لأجل هذا لم يفصِّل عليه السلام ، فلا يمكن أن نستنتج من ترك الاستفصال العموم .

 بل يمكن أن نصعد اللهجة ونقول ؛ حتى لو فرض أن الإمام عليه السلام قال ( لا يجوز ركوب القبة للمحرم ) انه رغم هذا لا يمكن التمسك بالإطلاق لوجاهة الانصراف إلى الحالة العادية ، فان ركوب القبة يقي عادة من حر أو برد أو غيرهما ، والحالة التي لا تكون فيها وقاية هي نادرة أو تكاد تكون معدومة ، والتمسك بالإطلاق في مثل ذلك مشكل.

والخلاصة:- إنا نوافق السيد الخوئي (قده) على النتيجة ، يعني أن وجود المظلة إذا كان كالعدم فحملها ليس محرماً ، ولكن نختلف معه في الطريق ، فهو تمسك بأن روايات التظليل لا تشمل المورد ، ونحن قلنا أن المناسب أن يقال أن روايات التظليل وروايات القبة لا تشمل المورد إما لأن فكرة ترك الاستفصال لا يمكن التمسك بها ، أو لأن الإطلاق لا يمكن التمسك به في مثل المقام حيث يكون فيه حمل المظلة كالعدم أو أنه حالة تكاد تكون ملحقة بالعدم . انه كان من المناسب تعليل النتيجة المذكورة بما أشرنا إليه.

مسألة ( 271 ) :- لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكة وان كان بعد لم يتخذ بيتاً ، كما لا بأس به حال الذهاب والإياب في المكان الذي ينزل فيه المحرم ، وكذلك فيما إذا نزل في الطريق للجلوس أو لملاقاة الأصدقاء أو لغير ذلك ، والأظهر جواز الاستظلال في هذه الموارد بمظلة ونحوها أيضاً وان كان الأحوط الاجتناب عنه.

 ..........................................................................................................

 مضمون المسألة واضح ، وحاصله ؛ انه يجوز التظليل للمحرم في موارد ثلاثة :-

المورد الأول:- إذا وصل إلى مكة ، ومن هنا يجوز لمقلدي السيد الخوئي (قده) التظليل داخل مكة . نعم هناك كلام في أن المدار هل هو على مكة القديمة أو مكة الجديدة ؟ ورد في بعض أجوبة استفتاءاته أنه قيد بمكة القديمة ، وان كان ربما يوجد في البعض الآخر التعميم .

 والقضية المهمة جداً الابتلائية هي أن المحرم إذا وصل إلى مكة يجوز له بعد دخوله إلى السكن أن يذهب بالسيارة المظللة مثلاً إلى المسجد الحرام ما دام في المدينة القديمة.

والثاني:- المنزل الذي ينزله - يعني شقة السكن - وان لم تكن داخل مكة القديمة .

والثالث:- المكان الذي ينزل فيه في الطريق للاستراحة أو ما شاكل ذلك ، فهنا يجوز له التظليل أيضاً .

 ثم ذكر (قده) بعد ذلك أنه في الموارد المذكورة يجوز التظليل حتى بالظل المتحرك كالمظلة أو ما شاكل ذلك .هذا ما أفاده (قده).

وهناك قضيتان فنيَّتان أشير إليهما ثم نرجع إلى الموضوع:-

القضية الأولى:- انه (قده) قد جعل الموارد ثلاثة ، ولعل المناسب دمج الأخيرين تحت عنوانٍ واستثناءٍ واحد ، فان كليهما ينطبق عليه عنوان المنزل ، فكان من المناسب أن يعبر هكذا ( المورد الثاني المنزل سواء كان من قبيل شقة السكن أو غير ذلك كالمكان الذي ينزل فيه للاستراحة ).

 كما أن المناسب تسليط الأضواء على المورد الأول بشكل واضح ، فان القارئ لا يفهمه بجلاءٍ ، وكان المناسب أن يعبر هكذا ( إذا وصل المحرم إلى مكة جاز له التظليل ، يعني من شقة السكن إذا كانت داخل مكة القديمة إلى البيت الحرام ، فيجوز له أن يركب سيارة مسقوفة مثلاً أو يمسك مظلةً وهو يطوف في المسجد الحرام أو يخرج إلى الأسواق ) .

والقضية الثانية:- إن التظليل الذي يجوز في هذه الموارد ما هو ، هل هو التظليل تحت الظل الثابت ، أو التظليل تحت الظل المتحرك ؟

 المناسب تسليط الأضواء على الثاني ، يعني الظل المتحرك دون الأول ، فان الأول يجوز حتى في غير هذه الموارد ، وقد تقدمت الإشارة إليه في مسألة سابقة حيث ذكر أنه يجوز التظليل بجدار أو غيره من الظل الثابت . إذن المناسب هنا تسليط الأضواء على الظل المتحرك ، بينما العبارة سُلطت فيها الأضواء على الظل الثابت ، فهي تقول ( لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكة ) ، نعم في آخرها قيل ( والأظهر جواز الاستظلال في هذه الموارد بمظلة ونحوها ) يعني مقصوده الظل المتحرك .

 إذن كان المناسب إبراز هذا في بداية المسألة فيقول ( لا بأس بالتظليل في الظل المتحرك ) . هاتان قضيتان فنيتان.

 وبعد هذا نرجع إلى صلب الموضوع :- انه (قده) جوَّز الاستظلال بالظل المتحرك في هذه الموارد الثلاثة.

وما هو المستند لذلك ؟

ذكر (قده)[2] ما حاصله:- أن المستفاد من الروايات أن التظليل المحرم هو ما كان في الطريق إلى مكة ، فأثناء السير إلى مكة يحرم التظليل ، هذا هو المستفاد من الروايات ، أما نفس مكة فيمكن أن يقال هي منزلٌ ، فان المحرم حينما يدخلها يكون محتبساً فيها ولا يجوز له الخروج لارتباطه بالحج ، فان عمرة التمتع مرتبطة بحج التمتع ولا يجوز الخروج ، وما دامت مكة منزلاً فيجوز فيها التظليل لما دل على جواز التظليل في المنزل ، ثم قال: ولا فرق في التظليل الجائز بين أن يكون بظلٍ ثابتٍ أو متحركٍ للإطلاق من هذه الناحية . هذا ما أفاده (قده).

 ويمكن أن نمنهجه ضمن النقاط الثلاث التالية :-

الأول:- أن روايات حرمة التظليل تختص بالطريق إلى مكة .

والثانية:- إن مكة منزل والمنزل يجوز فيه التظليل.

والثالثة:- إن مقتضى الإطلاق جواز التظليل في المنزل حتى بالظل المتحرك.

 هذا توضيح كلامه.

وفيه:- إن جميع ما ذكره (قده) لا نعرف له وجهاً ، فمن أين له أن روايات حرمة التظليل مختصة بالطريق إلى مكة ، ومن أين له أن مكة بعرضها العريض منزل ، وتعليله أنه محتبس فيها هو لو تم فإنما يتم في خصوص من حج حج التمتع دون من أراد حج الإفراد وأتى بالعمرة المفردة من الميقات ، ولا يوجد في الروايات أن التظليل في المنزل جائز ، كما لا يوجد في الروايات أن مكة منزل . نعم يوجد في الروايات التي وقع فيها الحوار بين الإمام الكاظم عليه السلام ومحمد بن الحسن الشيباني أو غيره والتي هي ضعيفة السند إلا رواية واحدة انه ما الفرق بين الخباء أي الذي يجوز فيه التظليل وبين التظليل في مثل القبة ، أن هذا يستفاد منه أنه في الخباء الذي هو منزل يستفاد جواز التظليل ، ولكن لا يفهم منه أن مكة بعرضها العريض منزل ، وأيضاً من أين له الإطلاق والتمسك بإطلاق روايات المنزل ، فانه لا يوجد روايات في المنزل حتى نتمسك بإطلاقها .

والخلاصة:- أن كل ما ذكره (قده) لا نعرف له وجهاً ، ولم أجد في كلمات الأصحاب الإشارة إلى ذلك ، فهذا مذكور في كلماته (قده) وهي مجرد دعاوى ليست مدعومة بما يصلح الاستناد إليه .

 وعليه فالمناسب تعميم حرمة التظليل بالظل المتحرك في جميع هذه الموارد الثلاثة ، إذ الاستثناء لا دليل عليه .

[1] المعتمد 4 - 241

[2] المعتمد 4 - 242