36/04/20


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
والكلام عن هذه الرواية تارةً يقع من حيث الدلالة وأخرى من حيث السند:-
أمّا من حيث الدلالة:- فيمكن أن يقال إنّ شراء الإمام عليه السلام كان من جهة سوق المسلمين فهو كان يشتري الجلد من سوق المسلمين والسوق كما فيه جلد الميتة فيه جلد المذكى والإمام عليه السلام حينما قال ( يستحلون الميتة ) ليس المقصود جميعاً ذلك بحث لا توجد جلود مذكّاة، فلأجل سوق المسلمين الذي هو أمارة على التذكية كان الإمام يشتري هذه الجلود ومثل هذا لا يدلّ على صحّة بيع جلد الميتة بل من باب وجود أمارة تدلّ على أنه جلد مذكّى.
إن قلت:- إذا كان الأمر كذلك فلماذا كان الإمام يلقي ما عليه أثناء الصلاة بعد فرض أنّه توجد أمارة على التذكية ؟
قلت:- إنّ هذا ما باب الاحتياط الاستحبابي وهو شيء لا بأس به، ونحن الآن كثيراً ما نُسأل عن أشياءٍ كالدجاج الموجود في السوق فنقول نعم يجوز فإنه سوق المسلمين ولكن لعلّني أنا الذي أجيب بهذا الجواب أحتاط، وهذا احتياط شخصيٌّ فلعل الإمام عليه السلام كان يفعل هذا من باب الاحتياط الشخصي.
إن قلت:- الإمام لا يحتاج إلى احتياط فإنّ الذي يحتاج إلى ذلك هو الجاهل والإمام ليس جاهلاً بالموضوعات فما معنى الاحتياط ؟!
قلت:- إنّ هذا كلامٌ سيّال ولا يختصّ بمقامنا وجوابه - على ما اعتقد - أنا نسلّم أنّ الامام عليه السلام يعلم حتى في الموضوعات ولا نناقش في ذلك ولكن هل هو مأمورٌ في معاملاته وتصرفاته العاديّة مع الناس ومع نفسه بأن يطبّق ما عنده من الغيب أو أن ذلك يضعه في موضعه المناسب وتعامله يكون كتعاملنا ؟ المناسب هو الثاني إذ لو كان الإمام يريد أن يطبّق ما عمده يلزم أن يكون تصرفه ليس طبيعياً وشاذاً فيلزم أن لا يأتي إلى بيوتنا ولا يأكل من طعامنا لأنّه يوجد عنده علم الغيب فيرى بيتي مغصوباً وإن كنت لا أدري بذلك وسوف لا تنتهي هذه المسالة، يعني لا يمكنه أن يعايش الناس وتختلّ الحياة الاجتماعية فمن الوجيه أن نقول هو في تصرفاته الحياتية والاجتماعية مأمور بأن يسبر طبق الوضع الظاهري لا أكثر، وعلى هذا الأساس يكون الاحتياط كما هو مطلوب منّا مطلوب منه أيضاً.
إن قلت:- إنّ أماريّة السوق تسقط بالعلم الاجمالي - كما يقال - فلو فرض أني كنت أعلم أنّ هذه السوق تشتمل على دجاج غير مذكّى فهل يجوز لي الشراء منها ؟ يمكن أن أقول لا يجوز الشراء لأن تطبيق قاعدة السوق على جميع هذه المحلّات خلف العلم الإجمالي وتطبيقه على بعضها دون بعضٍ ترجيح بلا مرجّح فلا يمكن تطبيق أماريّة السوق في مثل هذه الحالة، وهذا ما تقتضيه القواعد الأصولية.
قلت:- إنما قرأناه في علم الأصول لا ينبغي أن نطبقه على تصرفات الإمام عليه السلام فلعل الأماريّة شرعاً الأمارية باقية إلى أن يُقطَع بأنّ هذا غير مذكّى أمّا ما دمت لا تقطع بأنّ هذا بخصوصه غير مذكّى فالأمارية حينئذٍ تعمل عملها ويصير فعل الإمام مخصّصاً للقاعدة، وأنّا لا أريد أن أدّعي الجزم ولا يمكن بهذا أن نخرج بنتيجة أنّ أمارية السوق تبقى حتى في حالة العلم الاجمالي كفتوى بل أقول يحتمل أنّ الإمام صنع ذلك من جهة أنّ أمارية السوق تبقى حتى مع العلم الاجمالي.
إذن اتضح أنّ هذه الرواية لا يمكن أن نستكشف منها جواز بيع جلود الميتة لاحتمال أنّ الإمام كان يشتري من باب سوق المسلمين.
وأمّا من حيث السند:- فقد رواها الشيخ الكليني عن عليّ بن محمد عن عبد الله بن اسحاق العلوي عن الحسن بن علي عن محمد بن سليمان الديلمي عن عيثم بن أسلم النجاشي عن أبي بصير، وقد رواها الشيخ في التهذيب أيضاً عن الشيخ الكليني بالسند المذكور، وهو كما ترى ضعيفٌ لاشتماله على عدّة مجاهيل، فالرواية هي محلّ تأمل سنداً ودلالةً.
الرواية الثالثة:- صحيحة الحلبي:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- إذا اختلط الذكي والميتة باعه ممن يستحل الميتة وأكل ثمنه )[1]، وعلى منوالها صحيحته الأخرى التي لا يبعد أنها عين هذه الرواية[2].
وتقريب الدلالة واضحٌ حيث أن الإمام عليه السلام يجوز بيع الخليط على من يستحلّ أكل الميتة وهذا يدلّ على جوا ز البيع وصحته.
والجواب واضحٌ:- فإنّ هذا مورد خاصٌّ، فلعله يصحّ البيع بلحاظ أنّ الطرف الآخر يستحلّ الميتة، أمّا إذا فرض أنّه لا يستحلّها فلا يمكن أن نلغي الخصوصيّة ونتعدّى إليه.
والخلاصة:- اتضح أنّ الروايات التي قد يستفاد منها صحّة البيع ثلاث والمهمّ من حيث الدلالة هو الرواية الأولى - أعني رواية الصيقل -.
بل حتى رواية الصيقل قد يناقش فيها ويقال:- إنّ الضمير في قوله:- ( فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها )[3]يعود للسيف فإن الإمام عليه السلام وإن سكت عن البيع وسكوته يدلّ على الصحة ولكن هذا بيعاً للسيف مع غلافه وليس بيعاً للغلاف وحده، فلأجل الضميمة لعله صحّ البيع، ولا تدلّ على أنّ بيع الغلاف وحده صحيح، والذي ينفعنا في إثبات مرادنا هو بيع الغلاف وحده فإنّه جلد الميتة أمّا مع السيف فلعلّ الضميمة صحّحت البيع، فقد يقال إنَّ الدلالة ضعيفة من هذه الناحية.
ولكن يمكن أن يجاب:- بأنّ هذا يتمّ في قوله ( بيعها وعملها ) ولكن هناك كلمة أخرى وهي ( شراؤها ) ومعلومٌ أنّ الصيقل هو صانعٌ فلا معنى لأن يشتري السيف مع الغلاف وإنما الشراء لابد وأن يرجع إلى الجلود، وهذا هو مطلوبنا وبه يثبت ما نريد.
إن قلت:- لعلّ الصيقل يسأل عن حكم نفسه وحكم غيره، يعني يريد أن يقول ( هذه السيوف مع اغلفتها هل يجوز لنا أن نبيعا وهل يجوز للطرف المقابل أن يشتريها ؟ ) فهو يسأل عن حكم الآخرين لا أنّه يسأل عن حكم نفسه فقط.
قلت:- هذا تحميلٌ زائد على الرواية فإنّ الشخص حينما يسأل فهو يسأل عادةً عمّا يخصّه أمّا عن الآخرين فهذ لا يسأل عنه عادةً خصوصاً أنّ ألفاظ الرواية تساعد على ما نقول خصوصاً وهو يقول ( ونحن محتاجون لجوابك في هذه المسألة لضرورتنا ) فإرجاع كلمة ( شراؤها ) إلى شراء الآخرين لها بعيد.
ولو تنزّلنا وقلنا إنّ ما ذكرناه في الدفاع عن هذا ضعيفٌ ولكن هناك شيء آخر وهو أنّه لو كان لا يجوز شراء الجلود أوليس من المناسب للأمام الذي هو منصوبٌ لبيان الأحكام أن ينبّه على ذلك حتى إذا لم يسأله نفس الصيقل ويقول للصيقل ( إنّ بيعك هذا وشراء هؤلاء جائرٌ لأنّه مع الضميمة ولكن أصل شرائك للجلود باطل لأنّه شراءٌ للميتة )، فلابد وأن يفهّمه لا أنّه يسكت، نعم قد يجيب الفقيه بقدر السؤال أمّا الإمام فلا لأنه منصوب لبيان الأحكام فلو كان شراء الجلود لا يجوز لكان من المناسب له أن ينبّه عليه من البداية.
وبهذا اتضح أنّ هذه الرواية لا بأس بها على الصحّة إلّا أنّ سندها ضعيفٌ فحينئذٍ ماذا نصنع ؟
عرفنا أنّه توجد عندنا رواياتٍ أربع أو خمس تدلّ على البطلان وهذه الرواية تدلّ على الصحة، والمناسب تقديم تلك الروايات باعتبار أنّها لا بأس بها دلالة وسنداً فهي أربع روايات وبعضها يدعم بعضاً وإن كان سندها ضعيفاً، فالمقتضي تامّ إما بنحو الفتوى الجزميّة أو بنحو الاحتياط الوجوبي والمعارض ضعيف السند لا يقف أمام تلك الروايات.
إذن تبقى النتيجة كما هي، أعني إمّا الفتوى ببطلان بيع الميتة أو لا أقل الاحتياط بالفتوى فنقول الأحوط وجوباً بطلان بيع الميتة.
فإلى الآن أقصى ما ثبت عندنا هو البطلان.
وأمّا الحرمة التكليفية لبيع الميتة:- فلا يوجد ما يدلّ عليها ولو من بعدٍ، فالثابت هو البطلان فقط، ولذلك نعود إلى عبارة المتن حيث قالت المسألة:- ( تحرم ولا تصح التجارة بالخمر وباقي المسكرات واللب غير الصيود والخنزير )[4]، فعطف ( لا تصح ) على ( تحرم ) ظاهره المغايرة يعني يحرم تكليفاً ولا يصحّ، ولكن كما عرفت أنّه في بيع الميتة وهكذا يأتينا في غير الميتة أنّه لا يوجد مثبتٌ للحرمة التكليفية فالمناسب أن نحمل العطف هنا على كونه تفسيريّاً وإن كان يصعب ذلك ولكن نعرف من الخارج أنّه لا توجد حرمة تكليفيّة لبيع الميتة.