36/06/09


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 8 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
آلات القمار:-
ذكرنا أنا نبحث في هذه المسالة تحت عناوين ثلاثة، الأول المعاملة على الأصنام والصلبان وقد تقدم الحديث عن ذلك، والثاني المعاملة على آلات اللهو وقد تقدم الحديث عنها أيضاً، والآن نريد التحدث عن آلات القمار.
والمعروف هو حرمة المعاملة على آلات القمار، بل ذكر الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[1] عدم الخلاف ظاهراً في المسألة.
وعلى أيّ حال قد يستدلّ على ذلك بالروايات التالية:-
الرواية الأولى:- رواية أبي الجارود المتقدّمة والتي رواها عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام :- ( في قوله تعالى " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " قال:- أمّا الخمر فكلّ مسكرٍ من الشراب ... وأمّا الميسر فالنرد والشطرنج وكلّ قِمار ميسر وأمّا الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها المشركون ... كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيءٍ من هذا حرامٌ من الله محرّمٌ وهو رجسٌ من عمل الشيطان وقَرَن الله الخمر والميسر مع الأوثان )[2]، ودلالتها واضحة.
ولكن المشكلة كما ذكرنا سبقاً هي من حيث السند:- فإنّ القمّي لم يذكر سنده إلى أبي الجارود، ونحن حتى لو قبلنا بتوثيقات القمّي لرجال السند - كما يقبل ذلك السيد الخوئي(قده) - ولكن ذلك يكون مقبولاً فيما إذا فرض أنّه ذكر رجال السند وأمّا إذا لم يذكرهم وكان هناك إرسال فلا.
إن قلت:- إذا كان هو يوثّق رجال السند فلا فرق بين أن يذكر السند أو يسكت عنه فبالتالي هو يوثّق رجال السند ومادام الأمر كذلك فلا يضرّ الإرسال.
قلت:- هذا وجيهٌ على تقدير أنّ له سنداً وحذفه للاختصار ولكن الجزم بوجود سندٍ له قد يكون مشكلاً.
ولكن المهم الذي نريد أن أشير إليه:- هو أنّه حتى لو كان له سند فمع ذلك لا يمكن الحكم بالاعتبار لكون المورد من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، فإنّه وإن وثّق جميع رجال السند ولكن يوجد بعضٌ قد ضعّفه الغير حتماً ونحن نحتمل أنّ بعض رجال السند من ذلك البعض الذي قد ضُعّف والعام لا يمكن التمسّك به في مورد الشبهة المصداقيّة إذ لدينا عامٌّ يقول ( إنَّ جميع أفراد السند في تفسير القمّي ثقاة ) وخرج بالمخصّص كميّة منهم بسبب وجود معارضٍ حتماً، فصار يوجد مخصّصٌ لذلك العام ولا ندري أنّ رجال هذا السند هل هم من أفراد المخصّص أو من أفراد العام ؟! فالرواية أمرها مشكل من حيث السند.
الرواية الثانية:- رواية محمد بن إدريس عن جامع البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( بيع الشطرنج حرام وأكل ثمنه سحت .. )[3]، والظاهر أنّ دلالتها على الحرمة التكليفيّة والوضعيّة معاً جيّدة حيث قالت ( حرام ) إشارة إلى الحرمة التكليفية وقالت ( وأكل ثمنه سحت ) إشارة إلى الحرمة الوضعيّة، ولكن نحتاج إلى ضمّ عدم الفصل لأنها خاصّة بالشطرنج فلابد وأن نقول لم يُفصَّل بين الشطرنج وغيره من قبل فقهائنا، فبضمّ عدم القول بالفصل يثبت المطلوب، فإذن هي لا بأس بها من حيث الدلالة.
ولكن تبقى المشكلة التي ذكرناها أكثر من مرّة:- وهي أنّ ابن إدريس لم يذكر أسانيده إلى الأصول التي نقل عنها سوى أصلٍ واحد وهو أصل محمد بن عليّ بن محبوب الأشعري القمّي فإنّه قال:- ( قد وجدته عندي بخطّ أبي جعفر الطوسي ) ومادام بخط أبي جعفر فنأخذ به والمفروض أنّ الشيخ الطوسي له طريقٌ معتبرٌ إلى ابن محبوب الأشعري، ولكن البزنطي طريقه مجهول، وقد ذكرنا سابقاً بعض المحاولات لتصحيح جميع طرق المستطرفات نعرض عن ذكرها الآن.
الرواية الثالثة:- رواية الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال:- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله:- ....... ونهى عن بيع النرد )[4]، ودلالتها قد تكون واضحة ولكن تحتاج إلى ضمّ عدم الفصل أيضاً لأنها واردة في خصوص النرد.
ولكن توجد مشكلتان في هذه الرواية:-
الأولى:- من حيث السند، فإنّ شعيب بن واقد لم يوثّق وكذلك الحسين بن زيد، مضافاً إلى أنّ طريق الصدوق إلى شعيب بن واقد فيه تأمل أيضاً كما يظهر من المراجعة.
الثاني:- هي قد يتأمل فيها من حيث الدلالة حسب ما أشرنا إليه أكثر من مرّة فإنّ الوارد فيها تعبير ( نهى ) وليس تعبير ( أنهاكم ) وقلنا يوجد فرقٌ بين التعبيرين فتعبير ( أنهاكم عن بيع النرد ) هو إنشاء وهو ظاهر في الحرمة - كما قرأنا في المعالم وهو أنّ النهي صيغة ومادة ظاهرٌ في الحرمة بقرينة التبادر - أمّا المفروض في مقامنا هو إخبارٌ - أي نهىٌ - وحينما يُخبِر يعني أنّه قد صدرت منه صلى الله عليه وآله صيغة نهيٍ فتلك الصيغة لعلها تدلّ على التنزيه والكلام يبقى صادقاً من قبل الناقل، فالصيغة الصادرة سواء كانت تحريميّة أو تنزيهيّة فنقلُ هذا الكلام وأنّه ( نهى ) يكون صادقاً وليس كذباً، فلذلك كلّ ما كان من هذا القبيل تكون دلالته على التحريم محلّ تأمل.
الرواية الرابعة:- رواية أبي الفتوح الرازي المتقدّمة والتي جاء فيها:- ( إنّ الله بعثني هدىً ورحمة للعالمين وأمرني أن أمحو المزامير والمعازف والأوتار والأوثان وأمور الجاهليّة ... إنّ آلات المزامير شراؤها وبيعها وثمنها والتجارة بها حرام )[5]، فقد يقال هي تدلّ على التحريم.
ولكن يرد عليه:- أنّه ليس فيها إشارة إلى آلات القِمار وإنما الوارد فيها هو المزامير والمعازف والأوتار والأوثان، إلا اللهم أن تقول هي تدخل تحت عنوان ( وأمور الجاهلية )، ولكن هذا شيء ليس بواضحٍ وأنها حتماً داخلة تحت هذا العنوان.
مضافاً إلى ضعف سندها كما أشرنا حيث إنّ طريق أبي الفتوح إلى النبي صلى الله عليه وآله مجهولٌ، فالتمسّك بها يكون مشكلاً.
الرواية الخامسة:- صحيحة زيد الشحام:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل " فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور " قال:- الرجس من الأوثان الشطرنج وقول الزور الغناء )[6]، وموردها وإن كان هو الشطرنج ولكن بضمّ عدم الفصل يمكن التعدّي إلى سائر آلات القِمار.
إلّا أن المشكلة فيها هي أنّ الوارد فيها تعبير ( فاجتنبوا ) يعني أنَّ الأمر بالاجتناب فيها قد توجّه إلى عنوانين الأول الأوثان والثاني قول الزور ومتى ما توجّه الحكم إلى ذاتٍ فلابد من وجود مقدّرٍ ومحذوفٍ فإن الأحكام لا تتعلّق بالذوات، وعلى هذا الأساس يمكن أن يقال يُقدَّرُ الأثرُ الظاهر والأثر الظاهر في المقام هو اللعب بها مثلاً فاستفادة الشمول للبيع قد يكون مشكلاً من هذه الناحية.
وهناك قضيّة جانبية نشير إليها وليس غرضي منها الإشكال:- وهي أنّ الوارد في الآية الكريمة:- ﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان ﴾[7] والإمام عليه السلام قال:- ( الرجس من الأوثان الشطرنج )[8]وهل نفسّر الأوثان بالشطرنج ؟!! وهذا لا أريد أن أسجله كضعفٍ في الرواية بل مجرّد لفت نظر، بل نغمض العين من هذه الناحية ونقول إنّ هذا تعبّد.
وبهذا اتضح أنّ هذه الروايات الخمس ضعيفة السند ما عدى الخامسة، وبعضها ضعيف الدلالة ما عدى الأولى والثانية فإن دلالتهما تامّة، وعلى هذا يشكل الأخذ بها.
إن قلت:- صحيح أنّ سندها ضعيفٌ ولكن فلنقل إنّ العدد كثير فنتغلّب على مشكلة ضعف السند من خلال كثرة الروايات.
قلت:- هذه طريقةٌ وجيةٌ ولكن شريطة أن تكون كل الروايات ذات دلالة تامّة فنقول إنَّ كثرة الروايات ينفع في أثبات حقّانية المضمون إمّا لأجل فكرة التواتر الإجمالي أو لفكرة التواتر المضموني، وعلى أيّ حال يحصل اطمئنانٌ، ولكن المفروض في مقامنا أنّ اثنين من هذه الروايات دلالتهما تامّة وأما الباقي فليست تامّة ومعه يشكل تطبيق هذه الفكرة.
والأجدر في المقام أن يقال:- إنّ هذه الروايات وإن كانت ضعيفة إلّا أنّ المصير إلى الاحتياط الوجوبي شيء وجيه من جهة وجود روايتين دلالتهما تامّة - وهما الأولى والثانية - وهما وإن لم تصلحا للفتوى الجزميّة ولكنهما تصلحان - ولو بضمّ شيءٍ آخر إليهما - للاحتياط في الفتوى، مضافاً إلى الشهرة على الحرمة كما نقل الشيخ الأعظم(قده) حيث ادّعى عدم الخلاف.
مضافاً إلى ذلك ربما تطبّق الفكرة السابقة وهي أنّ المسألة ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً والحكم الواضح عند الفقهاء هو الحرمة دون الجواز، ولكن هذا الكلام مقبولٌ إن تمّت الصغرى - وهي أنّ مسألة بيع آلات القمار عامّة البلوى -.
وقبل أن ننهي حديثنا عن هذه المسألة نشير إلى بعض الأمور المرتبطة بها:-
الأمر الأوّل:- ورد في عبارة المتن أنّ من جملة آلات الحرام صفحات صندوق حبس الصوت - فإنه كان في الزمان القديم توجد آلة غناء يعبّر عنها بصندوق الصوت يوضع فيها صفحة مُسجّلٌ عليها الصوت -، ثم ذكر(قده) إنّ هذه حرامٌ، وهكذا أشرطة التسجيل المسجَّل عليها الغناء وكان المناسب أن يُعبَّر بالأقراص الليزرية بدلاً عن أشرطة التسجيل.
والكلام تارةً يقع في نفس الصندوق وأخرى في الصفحة التي توضع في الصندوق والتي قد سُجِّل عليها الغناء:-
أمّا بالنسبة إلى نفس الصندوق:- فالمناسب أنّ لا يعدّ من الآلات المختصّة بالحرام لأنّه قد يستفاد منه في مجال الحرام كما يمكن أن يستفاد منه في مجال الحلال بأن توضع فيه صفحة قد سُجِّل عليها القرآن الكريم فالصندوق من الآلات المشتركة.
ومن الغريب ما جاء في المنهاج القديم للسيد الحكيم(قده) فإنّه ذكر ما نصّه:- ( والظاهر أنّ منها[9]صندوق حبس الصوت )، فإنَّ الأشكال عليه واضحٌ فإنّ صندوق حبس الصوت من الآلات المشتركة، ولعلّه حصلت مسامحةٌ في التعبير فهو أراد أن يقول إنَّ الصفحة الموضوعة في صندوق حبس الصوت محرّمةٌ وإلا فالصندوق فهو من الآلات المشتركة.
وأمّا بالنسبة إلى الصفحة الغنائية:- فقد ذكر السيد الماتن(قده) أنّها من الآلات المختصّة بالحرام، وهكذا أشرطة المسجّلات.