36/08/05


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
إن قلت:- إنّ الإمام عليه السلام لم يفصّل بين أن تكون هذه الحاجة قد بلغت حدّ الاضطرار أو لا، فإذن معنى ذلك أنّه حتى إذا لم تبلغ حدّ الاضطرار فيجوز وما ذاك إلا لأجل أنّ الاعانة على الحرام ليست حراماً . إذن هذه الرواية لا بأس بها لإثبات أنّ الاعانة ليست حراماً.
قلت:- لعلّ الإطعام هو من بين المحرّمات ولكن تكفي لإباحته مجرّد الحاجة، فسائر الموارد تحتاج في جوازها إلى صدق عنوان الاضطرار أما في باب تقديم الطعام إلى المفطر لعل ذلك يجوز حتى إذا لم يفترض هناك اضطرارٌ بل كانت هناك حاجة عقلائيّة والمفروض أنّه لا يوجد ارتكاز متشرّعيّ واضح على الخلاف فإنّه لو كان يوجد ارتكازٌ كذلك فهذا الاحتمال يصير ضعيفاً لا يعتدّ به، أمّا بعد أن فرض أنه لا يوجد ارتكاز فلنلتزم بأن مجرّد الحاجة تكون مجوّزة لتقديم الطعام إليهم.
إذن تقديم الطعام جائزٌ لا من باب أنّ الاعانة على الحرام جائزة بل من باب أنّ التقديم هو بنفسه ليس بحرام مادام يفترض هناك حاجة عقلائيّة والمفروض أنّه لا يوجد ارتكاز متشرّعي على الخلاف.
إذن تصير الرواية مجملة من هذه الناحية ولا يمكن التمسّك بها مقابل ما دلّ على حرمة الاعانة - أعني الآية الكريمة -.
إن قلت:- إنّه حرامٌ من باب التشجيع على الحرام.
قلت:-
أوّلاً:- لمفروض أنّه مفطر من الأوّل لا أنّي شجعته على الافطار . مضافاً إلى أنّ عنوان التشجيع ينتزع إذا فرض أنّه لا يوجد آخرون يقدّمون له الطعام ومفروض الرواية هو أنّه يوجد آخرون لا يبالون يقدّمون له الطعام، فتقديمي الطعام إليه لا ينتزع منه عنوان التشجيع وإنما يتنزع ذلك لو فرض أنّه انحصر تقديم الطعام بي.
ثانياً:- ذكرنا أيضاً أنّ حرمة تقديم الطعام للمفطر هو أوّل الكلام فإن هذا لم يثبت بدليلٍ، فعلى هذا الأساس لعلّ الإمام جوّز ذلك لا من باب حرمة الاعانة بل من باب عدم حرمة تقديم الطعام للمفطر فلا يصدق عنوان الاعانة من الأساس.
ثالثاً:- لو سلّمنا أنه توجد رواية تدلّ على حرمة تقديم الطعام للمفطر ولكن هذه الرواية معارضة لتلك، فهي تريد أن تقول هو ليس بحرامٍ، فلعل الإمام عليه السلام جوّز تقديم الطعام من باب أنّه يريد أن يقول إنّ تقديم الطعام ليس من المحرّمات في حدّ نفسه وذكر هذا الحكم كحكمٍ معارضٍ وما أكثر الروايات المتعارضة، فيحتمل أنه ذكره من هذه الباب أنه يريد أن يقول ( يجوز تقديم الطعام حتى لو فرض وجود رواية تدل على التحريم )، وهذا كلامٌ سيّالٌ تنتفع به في سائر الموارد.
نعم هذا الكلام لا نقوله إذا فرض وجود ارتكازٍ مسبقٍ واضحٍ في المسألة على أنّه لا يجوز تقديم الطعام للمفطر، فيضعف حينئذٍ احتمال أنّ الرواية ذكرت هذا الحكم من باب أنها تريد أن تقول إنَّ تقديم الطعام للمفطر جائزٌ، أمّا بعد أن فرض أنّه لا يوجد ارتكازٌ واضحٌ وإنما فرض أنّ هناك رواية أو روايتان تدلّ على الحرمة فلتكن هذه الرواية معارضة لتلك ويكفيني الاحتمال، فلا يمكن أن نستنتج من هذه الرواية - أي رواية ابن فضال - أنها تدلّ على أنّ الاعانة على الحرام ليست حراماً لما أشرت إليه من الاحتمال.
الوجه الثاني:- روايات العصير المتقدّمة إذ قرأنا سابقاً في مسألة بيع العنب لمن يعلم أنه سوف يصنعه خمراً أربع روايات تدلّ على أنّه يجوز له أن يبيع العنب على من يصنعه حراماً لأنّه يبيعه في إبّان كونه حلالاً، وهي صحيحة محمد الحلبي ونصّها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع عصير العنب ممّن يجعله حراماً، فقال:- لابأس به تبيعه حلالاً ليجعله حراماً ) ، وهكذا صحيحة عمر بن أذينة:- ( كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجلٍ له كرم أيبيع العنب والتمر ممّن يعلم أنه يجعله خمراً أو سَكَراً، فقال:- إنما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه ).
إذن هذه روايات متعدّدة تدلّ على جواز ذلك وهذا معناه أنّ الاعانة على الحرام ليست حراماً إذ لو كانت حراماً فمن المناسب للإمام عليه السلام أن يقول له ( لا يجوز ) والحال أنها جوّزت ذلك . هذا ما قد يستدلّ به على ردّ ومناقشة قاعدة أن الاعانة على الحرام حراماً.
والجواب:- إنّ هذا مبنيّ على أنّ صنع الخمر حرامٌ، ومن قال إنّ صنعه حراماً ؟! نعم شربه حرام أما أنّ صنعه حراماً فلم يثبت، فإذا لم يثبت أنّ الصنع حرام فالرواية جوّزت من باب أنّه لا يتحقّق بذلك الاعانة على شيءٍ محرّمٍ إذ الصنع ليس محرّماً، وهذا الاحتمال موجودٌ، وعلى هذا الأساس لا مشكلة في ذلك.
إن قلت:- كيف لا يكون الصنع حراماً والحال أنّه ورد في بعض الروايات السابقة لعن العاصر ؟ فإذن لماذا تقول إنّ العصر لم تثبت حرمته ؟!
قلت:- تقدّم أنّ في دلالة اللعن على التحريم تأملاً، ومن قال إنّي أفهم منه التحريم فأنا لا أمانع، ولكني أقول أنا لا يوجد عندي وضوحٌ لا في هذا الطرف ولا ذاك.
ولو تنزّلت وقلت بأن اللعن يدلّ على التحريم فما المانع في أن نقول إنَّ هذه الرواية معارضة لتلك وتقول هو ليس بحرام، فلعلّها جوّزت البيع من باب أنّ الصنع ليس حراماً وتريد أن تقول هو ليس بحرامٍ وتكون كروايةٍ معارضة إلى رواية اللعن.
إذن حتى لو سلّمنا أنّ اللعن يدلّ على التحريم ولكن تلك رواية وهذه رواية معارضة وما أكثر الروايات المتعارضة . نعم قلنا هذا نصير إليه فيما إذا فرض أنّه لم يوجد ارتكاز واضح أمّا إذا وجد ارتكازٌ واضحٌ على حرمة الصنع فلا نصير إلى مثل هذا الاحتمال.
إذن لا يمكن المصير إلى ذلك فيحتمل أن يكون الصنع ليس بحرامٍ وتكون معارضةً إلى رواية اللعن.
إن قلت:- إنّ نفس هذه الروايات يوجد فيها تعبير يدلّ على أنّ الصنع محرّم فإنها قالت:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع عصير العنب ممّن يجعله حراماً، فقال:- لا بأس به تبيعه حلالاً ليجعله حراماً ) فالإمام عليه السلام عبّر وقال ( ليجعله حراماً ) فنفس هذه الروايات قد دلّت على حرمة الصنع وبعد دلالتها على ذلك لا معنى للاحتمال الذي أشرنا إليه ؟!! وهكذا لعلّه يستفاد ذلك من بعض الروايات الأخرى.
قلت:- صحيحٌ إنّها قالت ( ليجعله حراماً ) ولكن ما المقصود من ذلك هل هو الإشارة إلى الصنع أوال إشارة إلى أنّه يجعله شراباً يحرم شربه ؟! فالعنب حلالٌ يعني هو شيءٌ يحلّ أكله وهذا يشتريه ليجعله حراماً يعني ما يحرم شربه، وهذا احتمال وجيهٌ، فليس المقصود من ( ليجعله حراماً ) يعني يصنعه خمراً يعني أنَّ نفس الصنع هو حرام، فكما يلتئم مع هذا الاحتمال يلتئم مع ذاك ولعلّ هذا أوجه - يعني حرامٌ شربه - . فعلى هذا الأساس تكون الرواية حياديّة من هذه الناحية ولا يمكن أن يستفاد منها أنّ الصنع حرامٌ فلعلّ المقصود بالتعبير بالحرام أي حرامٌ شربه وتناوله.
إن قلت:- صحيحٌ أنّ الصنع ليس بحرامٍ ولكن المفروض أنّي أعلم أنّ هذا سوف يصنعه حراماً ومن ثم أعلم أيضاً أنّه يريد أن يشربه أو يبيعه على من يشربه، فبالتالي تكون الاعانة على الحرام متحقّقة شئت أم أبيت غايته بوسائط لا بالمباشرة . فإذن الرواية تدلّ على أنّ الاعانة على الحرام ليست حراماً حتى لو قلنا إنّ الصنع ليس بحرامٍ فبالتالي الشرب حرام فسوف يكون بيع العنب إعانةً على الشرب غايته بوسائط إذ الأوّل يصنعه الثاني يبيعه والثالث يشربه فبالتالي تكون الاعانة صادقة.
قلت:- هذا وجيهٌ إذا أريد أن يقال إنّ الاعانة على الحرام حرامٌ ولو مع فرض وجود مقدّمات، أمّا إذا أريد التفصيل بأن يقال إنّ الاعانة المباشرة على الحرام حرامٌ وأمّا التي يكون فيها وسائط فليست حراماً فحينئذٍ لا تكون هذه الرواية ردّاً على ذلك وإنما تكون ردّاً فيما لو أريد أن يقال بحرمة الاعانة بشكلٍ مطلقٍ دون ما إذا أريد التفصيل بالنحو الذي أشرنا إليه.
إن قلت:- إنّ كلّ ما ذكرته مجرّد احتمال، فأنت قلت يحتمل أن الصنع ليس بحرامٍ ولم تبرز إلا احتمالاً، وهكذا قلت يحتمل أنّ تعدّد الوسائط يزيل الحرمة عن الاعانة، وقلت أيضاً يحتمل أنّ المقصود من ( يصنعه حراماً ) يعني يحتمل حرمة شربه لا صنعه، فكلّ كلامك مبنيٌّ على إبراز الاحتمال وكيف يُعتَمَدُ على الاحتمال في القضايا العلميّة فإنّ القضايا العلمية تحتاج إلى قضيّة مبرهنةٍ ثابتةٍ قطعيٍّة ولا أقل مُطمَأن بها لا مجرّد الاحتمالات ؟
قلت:- المفروض أنّه يوجد عندنا دليلٌ على حرمة الاعانة وأعني بذلك قوله تعالى ﴿ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾ فإنّه بعد أن دفعنا الاشكالين اللذين أشار إليهما الشيخ ميرزا علي الايرواني(قده) تبقى هذه الآية الكريمة صالحة للتمسّك بها، فالمقتضي لحرمة الاعانة ثابتٌ ونريد أن نعرف هل يوجد مانعٌ لهذا المقتضي أو لا فيكفينا إبراز الاحتمال لخلخلة المانع بعد تماميّة المقتضي . نعم لو لم يكن المقتضي تامّاً لا يكفي إبراز الاحتمال - وهذه قضية سيّالة - إنما نبرز الاحتمال بعدما كان المقتضي لحرمة الاعانة تامّاً وحينئذٍ يمكن أن ندفع المعارض بالاحتمال، والمقام من هذا القبيل . إذن يكفينا في مقام الجواب أنّه يحتمل أن يكون الصنع ليس حراماً فلا يكون المورد من الاعانة على الحرام.
ولعلّك تقول:- هناك جوابٌ آخر وهو الأحسن وهو أّنه لنلتزم بالتخصيص فإنه ما المانع من ذلك ؟! يعني نقول:- إنّ قاعدة ( حرمة الاعانة على الحرام حرام ) ثابتة بالآية الكريمة وخرج بالمخصّص مورد بيع العنب على من يصنعه خمراً لهذه الروايات المذكورة.