36/12/06


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة,18.

قال الماتن

(مسألة 18 ) : (إذا كان الزوج مفطرا بسبب كونه مسافرا أو مريضا أو نحو ذلك وكانت زوجته صائمة لا يجوز له إكراهها على الجماع وإن فعل لا يتحمل عنها الكفارة ولا التعزير وهل يجوز له مقاربتها وهي نائمة إشكال)[1]

ذكر السيد الماتن ثلاثة احكام في هذه المسألة.

الحكم الاول: وهو قوله (لا يجوز له إكراهها على الجماع).

وظاهر العلامة في القواعد الجواز في المقام وخالفه في ذلك صاحب المدارك من المتأخرين وذهب إلى التحريم.

واُستدل للجواز(الدليل الاول) _ كما في الكلمات المنقولة عن العلامة_ بأنتفاء المقتضي للتحريم, فمقتضي التحريم هو الجماع الذي يفسد صومها وهو ليس كذلك في المقام, فأن هذا الجماع لا يفسد صومها.

وجواب ذلك ما تقدم من أن هذا يصح في باب الالجاء والاجبار حيث لا يبطل صومها, فيقال بعدم المقتضي للتحريم على فرض أن المقتضي هو افساد صومها, لكن في باب الاكراه يبطل صومها, فيكون مقتضي التحريم موجوداً.

الدليل الثاني: للجواز هو أن يقال بأن الاكراه بعنوانه لا دليل على تحريمه, الا اذا تعنون بعنوان المحرم كالإيذاء وامثاله, فلو كان الفعل المكره عليه مباحاً _لا محرماً بعنوانه كشرب الخمر_ والفعل المتوعد به مباح ايضاً_ لا محرماً كالقتل_ فلا اشكال في جواز الاكراه حينئذ, كما لو افترضنا أن الزوج اكره زوجته على _فعل مباح_ عدم توكيل شخص بأموالها وهددها بأن يتزوج عليها, فالتزوج عليها مباح واعطاء الوكالة وعدمه مباح ايضاً.

ومن هنا يأتي الدليل الثاني للجواز فيقال بأن ما نحن فيه من هذا القبيل بأعتبار أن الجماع في محل الكلام مباح لكلا الزوجين, أما بالنسبة للزوج فلأنه غير صائم وأما بالنسبة للزوجة فبأعتباره مورداً للإكراه فهو ليس بحرام وان اوجب فساد الصوم, واذا كان المتوعد به ليس حراماً ايضاً كما لو كان الفعل المتوعد به هو أن يتزوج عليها, فلا دليل على تحريم هذا الاكراه.

ويلاحظ على هذا الدليل بأن هناك فرقاً بين محل الكلام والامثلة المذكورة, فالفعل المكره عليه في الامثلة المذكورة مباح في حد نفسه _بقطع النظر عن الاكراه_ فتوكيل الزوجة لشخص في التصرف في اموالها الخاصة وعدمه مباح بالنسبة اليها, بينما في محل الكلام فالأمر يختلف فأن الجماع للصائم في حد نفسه محرم, ومن هنا يمكن أن يقال بأن المكرِه لا يتسبب في صدور محرم من المكرَه في الامثلة السابقة, بينما في محل الكلام فأنه يتسبب في صدور حرام _لولا الاكراه_ من المكرَه وهو افساد الصوم الواجب.

فيكون حالها حال ما لو اكره الغير على شرب الخمر, فشرب الخمر وان كان حلالاً بالنسبة للمكرَه, لكن لا يمكن القول بجواز اكراه الغير على شرب الخمر.

ومن هنا يقال بحرمة تسبب المكلف في صدور حرام من الغير لولا الاكراه, فإذا التزمنا بهذه الكبرى يمكن أن نقول في المقام بحرمة اكراه الزوجة على الجماع.

لكن الظاهر عدم وجود دليل يدل على حرمة التسبيب في صدور حرام من الغير_ بقطع النظر عن الاكراه_ وان كان الفعل عندما يصدر من الشخص _ بالإكراه_ يصدر حلالاً, والشيء الذي يمكن الالتزام به هو أن بعض المحرمات لوحظ أن الشارع يهتم بها كثيراً ويفهم من ذلك أنه لا يريد تحققها في الخارج بقطع النظر عن الفاعل وذلك من قبيل الزنا وشرب الخمر وقتل النفس المحترمة, وهنا يمكن الالتزام بالتحريم كما لو اكره شخصاً على قتل نفس محترمة, فالفعل وان كان مباحاً بالنسبة للفاعل لأنه صدر منه في حالة الاكراه, لكنه يحكم بحرمته لأن المفهوم من الادلة إن الشارع لا يريد تحقق قتل النفس المحترمة في الخارج, فأنه لا يريد المكلف أن يقتل بنفسه وكذلك لا يريده أن يكون سبباً في أن يصدر هذا الفعل من الغير.

وأما ما عدا ذلك من المحرمات التي لا يفهم من دليلها أن الشارع لا يريد تحققها في الخارج وإنما يفهم من دليلها أن الشارع حرم صدورها من المكلف كشرب المتنجس واكل الميتة, فينبغي _بحسب الصناعة_ أن يُلتزم بجواز الاكراه عليها لعدم الدليل على حرمة التسبيب بصدور الحرام حتى لو كان مباحاً حين صدوره, ومن هنا يقال بجواز اكراه الغير على اكل الميتة, فالدليل الذي يدل على حرمة اكل الميتة يقول (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)[2] وهذا الدليل لا يشمل حالة التسبيب لأن الدليل يريد تحريم اكل الميتة ولا يصدق على المسبب المكرِه للغير أنه اكل الميتة.

ومن هنا قد يقال بأننا نلتزم بأن التسبيب يكون حراماً في مثل قتل النفس المحترمة والزنا واللواط وشرب الخمر وامثال ذلك مما لا يريد الشارع تحققه في الخارج, و يحرم الاكراه في مثل هذه الموارد, أما في غيرها ومنها محل الكلام فلا دليل على أن الشارع يمنع من تحققها في الخارج فمثلا لا دليل على أن الشارع يمنع من تحقق الجماع في الخارج بأي شكل من الاشكال, إذن لا دليل على حرمة التسبيب في حصوله خارجاً, وعليه لابد من الالتزام بجواز الاكراه.

 

ادلة التحريم

الدليل الاول: وعبر عنه الفقهاء بعبارات مختلفة بمعنى واحدٍ ففي المدارك (لأصالة عدم جواز إجبار المسلم على غير الحق الواجب عليه)[3] وحق الاستمتاع للزوج غير ثابت اذا كان يؤدي إلى الايقاع في الحرام, فلا يجوز اجبارها على ذلك.

وعبر بعضهم بحرمة اكراه المسلم والتصرف ببدنه في غير ما دل الدليل عليه والمتيقن من الدليل من جواز الاستمتاع بالزوجة ما لم يكن معارضاً لحق الهي واجب على الزوجة.

وتمامية هذا الدليل تتوقف على الالتزام بعدم ثبوت حق للزوج بالاستمتاع بالبضع في ما اذا كان موجباً لوقوع الزوجة في الحرام أو موجباً لتركها لواجب, وأما اذا لم نلتزم بذلك لأطلاق ما دل على ثبوت هذا الحق حتى في هذه الحالة فأنه يجوز للزوج اخذ حقه ولو بالإكراه.

فالمسألة ترتبط بتنقيح حدود حق الزوج بالاستمتاع بالبضع, فهل هو ثابت بشكل مطلق؟؟ أو مقيد بما اذا لم يؤدي إلى وقوعها في حرام أو تركها لواجب؟؟

والذي يبدو _والله العالم_ أن دليل هذا الحق للزوج ليس فيه هذا الاطلاق والسعة بحيث يشمل هذه الحالة, والسر في ذلك هو أن دليل ثبوت حق الاستمتاع بالبضع للزوج مستفاد من الادلة التي تأمر في اطاعة الزوجة للزوج في هذه المسألة, وهذا الدليل مقيد بأن لا يكون في اطاعة الزوج معصية وحرام عليها, فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وهذا يعني أن الحق ليس مطلقاً.

نعم قد يقال بأن الدليل الدال على ثبوت هذا الحق بشكل مطلق هو قوله تعالى (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)[4]