36/11/09


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الوجه الثالث:- وهو للشيخ المنتظري(قده)[1]، وحاصله:- إنه يمكن أن يدّعى أنّ المنصرف من أدلّة حرمة التصوير هي إحدى حالتين:-
الأولى:- ما إذا كان التصوير بقصد المضادّة لله عزّ وجلّ - وبتعبيري يعني أني أرسم بقصد أنّي خالق كما هو خالق -.
الثانية:- ما إذا كانت الصورة والتمثال صُنِعا بهدف التقديس والعبادة - كتمثال الأصنام التي تعبد ولعلّه يوجد ذلك حتى في هذا الزمان -.
وبالتالي يمكن أن يقال هذه الروايات منصرفة إلى ذلك، فبسبب الانصراف تحمل على ذلك، ومعلومٌ أنّ الصورة التي تؤخذ في آلة التصوير ليس من هذا ولا من ذاك فلا محذور فيها، ونصّ عبارته هكذا:- ( لعلّ ذلك من جهة انصراف التصوير المحرّم إلى ما كان في مقام المعارضة والمضادّة لله تعالى أو في معرض التقديس والعبادة، وليست العكوس المتعارفة أو الصور المنعكسة في المرآة أو الأشجار من هذا القبيل ).
وفيه:- إنّه لو تمت دعوى الانصراف هذه فالأمر حسنٌ، ولكن كيف نثبت هذا الانصراف ؟! فإنّ الدعوة المذكورة تحتاج إلى قرينة خصوصاً إذا التفتنا إلى أنّ الرواية المهمة هي رواية محمد بن مروان وقد ورد فيها:- ( ثلاثة يعذّبون يوم القيامة من صوّر صورة حيوان فيكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ ) [2]فأين المضادّة هنا ؟! إنّه لا يوجد منشأ للانصراف، فدعوى الانصراف بلا مستند.
إلّا أن تُوجّه دعوى الانصراف بأحد وجهين:-
الأوّل:- التمسّك براوية رسالة لبّ الألباب للقطب الراوندي والتي نقل عنها صاحب المستدرك، ونصّ ما نقله:- ( روي أنه يخرج عنق[3]من النار فيقول أين من كذب على الله وأين من ضادّ الله وأين من استخفّ بالله ؟ فيقولون:- ومن هذه الأصناف الثلاثة ؟ فيقول:- من سحر فقد كذب على الله ومن صوّر التماثيل فقد ضادّ الله ومن ترايا في عمله فقد استخف بالله )[4]، وموضع الشاهد أنّه يقال إن الرواية قالت:- ( ومن صوّر التماثيل فقد ضادّ الله ) وهذا يدلّ على أنّ قصد الضدّية هو الموجب للحرمة.
والجواب واضحٌ:- فإنّ الضدّية المستفادة من قوله عليه السلام:- ( فقد ضادّ الله ) أخذت بنحو الحكم، يعني يحكم عليهم بأنكم أيها الذين صوّرتم التماثيل بأنكم ضدّ لله تعالى لا أنّ رسمهم كان بقصد الضدّية، وهذا الحكم وجيهٌ باعتبار أنّ التماثيل ليس من البعيد أنه يراد بها تماثيل العبادة - أي الاصنام -، فأنتم ضد الله حيث اتخذتم له شريكاً .
إذن الرواية أجنبية عن المقام بشكلّ كلّي، هذا كلّه لو تمت الرواية سنداً.
ولكن يمكن أن يقال:- هي مرسلة لأنّ القطب الرواندي قال ( روي ) والطريق مجهولٌ، فهي إذن لا تصلح للاعتماد عليها.
الثاني:- أن يدّعى أنّ نفس التشديد في العقوبة من رسم الصورة يدلّ على أنّه قد قصد الضدّية لله عزّ وجلّ إذ لو لم يكن قاصداً لذلك فلا موجب للتشديد في العذاب، فإذن نفس التشديد في العذاب يصلح أن يكون قرينة، وماذا يدلّ على التشديد في العذاب ؟ إنّ المثبت لذلك إمّا نفس الرواية السابقة إذ فرض أنّه يحكم عليهم بأنهم ضدٌّ لله عزّ وجلّ وهذا جزاءٌ ليس بالبسيط، فتعظيم الجزاء يدلّ على أنّهم قد قصدوا الضدّية بهذا الرسم.
وبناءً على هذا لا يأتي ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ الضدّية قد جُعلت حكماً ولم تؤخذ بنحو القصد، إذ يقال:- صحيحٌ أنّ الضدّية قد أخذت جزاءً ولكن التشديد في الجزاء قرينة على أنّ الرسم قد صدر بنحو الضدّية.
أو نتمسّك برواية ثانية تقدمت فيما سبق وهي رواية الأصبغ بن نباته:- ( قال أمير المؤمنين عليه السلام:- من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام )[5].
إذن الجزاء هو الخروج من الإسلام وهذا عذابٌ شديدٌ إذ من البعيد أن يثبت الخروج عن الإسلام للشخص الذي يرسم رسماً عادياً فلابد وأنه قد رسم بقصد الضدّية حتى يستحقّ هذا التشديد في الجزاء وأنّه خارج عن الإسلام.
وفيه:-
أمّا بالنسبة إلى رواية لبّ الألباب:- فقد فرض فيها أنّ الذي يعذّب هو قد صوّر التماثيل والمقصود من التماثيل كما هو ليس بالبعيد يعني تماثيل الأصنام ومثل هذا يستحقّ التشديد في العذاب.
إذن هذا التشديد لخصوصيّةٍ في نفس المورد ولا يثبت به أنّ كلّ من رسم لابد وأنّ يكون له هذا العذاب الشديد، كلّا بل هذا العذاب الشديد لخصوص هذه الطائفة لأنهّا صوّرت تماثيل العبادة، وما نذكره إن لم يكن هو الظاهر فلا أقل يحتمل أنّه هو المقصود، فالرواية من هذه الناحية تكون مجملة فلا يصلح التمسّك بها كقرينةٍ لإثبات الانصراف.
وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثانية التي ورد فيها ( فقد خرج عن الاسلام ):- فالإشكال في شدّة العذاب يرد بلحاظ الفقرة الأولى أيضاً - وهي فقرة ( من جدّد قبراً ) - فإنّ تجديد القبر لا داعي لأن تكون له هذه الشدّة من العذاب.
ولو قطعنا النظر عن الفقرة الأولى وفرضنا أنّ الوارد هو الفقرة الثانية فقط فبإمكاننا أن نقول:- إنّ المفروض في الفقرة الثانية أنّه مثَّلَ مثالاً وليس من البعيد أن يكون التمثال هو أصنام العبادة فيكون ( خرج عن الاسلام ) في محلّه.
ولك أن تقول أيضاً:- إنّ الخروج عن الإسلام كما يمكن التمسّك به كقرينةٍ على أنّه قد قُصِد الضدّية يصلح أن يتمسّك به أيضاً كقرينةٍ على تفسير المثال بخصوص تماثيل العبادة، وحينئذٍ تكون الشدّة في العذاب هنا شيء مناسب، وهذا لا يستلزم تقييد إطلاق رواية محمد بن مروان التي تقول ( ... من صوّر صورة حيوان يكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ ) فهذه لخصوصيّةٍ في المورد قد خرج من الإسلام.
إذن اتضح أنّ هذا التخريج قابلٌ للمناقشة.
والأنسبفي مقام تخريج جواز الصورة الفوتوغرافية أن يقال:- إنّ الإطلاق في رواية محمد بن مروان ونحوها هو قابلٌ للتشكيك في حدّ نفسه بناءٌ على مبنانا في باب الإطلاق . إذن نحن نريد أن نقول بعدم يوجد إطلاقٍ من الأساس.
وتوضيح ذلك باختصار:- ذكرنا غير مرّة أنه لابد من إضافة مقدّمةٍ جديدة على مقدّمات الحمة كي ينعقد الإطلاق ولعلّها مقصودةٌ للأصوليين أيضاً غاية الأمر أنهم لم يسلّطوا الأضواء عليها، وهي أنّ الإطلاق ينعقد لو فرض أنّه يكون مستهجناً عرفاً على تقدير كون مراد المتكلم واقعاً هو المقيّد، فمتى ما استهجن الإطلاق عرفاً فهنا ينعقد الإطلاق، أمّا إذا لم يحقّ للعرف أن يعترض على التكلم ويقال له لماذا أطلقت فحينئذٍ لا ينعقد الاطلاق ويكون احتمال إرادة المقيّد وارداً ولا نافي له.
فمثلاً في مثال ( أعتق رقبة ) لو كان مراده خصوص المؤمنة فإنّه يستهجن منه ذلك ويقال له إنّك لم تقيد بالمؤمنة، أمّا في مثال الروايات التي تقول ( صمّ للرؤية وافطر لرؤية ) ووقع كلامٌ في أنه هل تكفي رؤية الهلال بالعين المسلّحة لإثبات أوّل الشهر أو لا ؟ قد يقال:- نعم يثبت بذلك فإنّ ( صم للرؤية ) فيه إطلاقٌ فنتمسّك به.
ونحن قد ذكرنا في الفقه الاستدلالي في كتاب الصوم وقلنا:- إنّه بناءً على المقدّمة التي ذكرناها لا يمكن التمسّك بالإطلاق إذ يمكن للإمام عليهم السلام أن يقول كيف أقيّد ؟! والحال أنّ العين المسلحة ليست موجودةً في ذلك الزمان - لنفترض ذلك -، فيكف يقيّد الإمام عليه السلام فإنّ تلك الوسائل لم تكن موجودةً حتى يحتاج الإمام إلى التقييد، بل التقييد يكون مضحكاً، فالتقييد في ذلك الزمن لا حاجة إليه أذ لا وجود للعين المسلّحة، فالإطلاق من قبل الإمام لا يكون مستهجناً، ومعه لا يمكن ثبوت الإطلاق ولا يمكن التمسّك به.
وقد تقول:- ما هو المثبت لهذه المقدّمة ؟
والجواب:- هذه قضيّة قياساتها معا لأنك أنت تقول ( الإطلاق ليس بمستهجن ) فإذا لم يكن مستهجناً حال إرادة المقيّد واقعاً كيف يمكن إثبات الاطلاق ؟!!، يعني حتى لو كان مراد المتكلّم هو المقيّد فالإطلاق وجيهٌ وليس مستهجنٍ وهذا معناه أنّ الإمام عليه السلام لعلّه أطلق من باب أنّه لا يستهجن منه الإطلاق.