37/03/04


تحمیل
الموضوع:الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 24.
الظاهر أن هذه المسألة محل اخذ ورد بين كثير من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين وكلماتهم مختلفة جداً في هذا الباب ويظهر من اختلاف كلماتهم أن المسألة مسألة اجتهادية أي أن الاختلاف بينهم ناشئ من الاختلاف في كيفية الجمع بين الادلة والتعدي عن كفارة اليمين إلى سائر الكفارات أو عدم التعدي, ونذكر من ذلك بعض عبارات الفقهاء المتقدمين الذين تعرضوا لهذه المسألة فمنهم الشيخ المفيد في المقنعة قال: (وينبغي أن يطعم المسكين من أوسط ما يطعمه أهله . وإن أطعمه أعلى من ذلك كان أفضل . ولا يطعمه من أدون ما يأكل هو وأهله من الأقوات)[1] والشيخ الطوسي في الخلاف في كتاب الظهار قال: (مسألة 66 : كل ما يسمى طعاما يجوز إخراجه في الكفارة. وروى أصحابنا أن أفضله الخبز واللحم، وأوسطه الخبز والزيت، وأدونه الخبز والملح......دليلنا : إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى : " فإطعام ستين مسكينا "، وكل ذلك يسمى طعاما في اللغة، فوجب أن يجزي بحكم الظاهر .)[2] والمحقق في النافع في كتاب الايلاء من الكفارات يقول: (ويطعم ما يغلب على قوته)[3] والذي يمكن تفسيره بالحد الوسط وفي الشرائع يقول: (ويجب أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله. ولو أعطى مما يغلب على قوت البلد، جاز .)[4] ففرق بين أوسط ما يطعم اهله وبين ما يغلب على قوت البلد ولا تلازم بينهما, والشهيد الاول في الدروس يقول:(وإذا انتقل إلى الإطعام وجب إطعام ستين مسكيناً في كفّارة شهر رمضان، والخطأ، والظهار، والنذر، والعهد، وإطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين، مما يسمّى طعاماً، كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما . وقيل : يجب في كفّارة اليمين أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله للآية، وحمل على الأفضل . ويجزي التمر والزبيب)[5] وفي المسالك نحو ما في الدروس وابن ادريس في السرائر يقول: (ويجوز أن يخرج حبا، ودقيقا، وخبزا وكل ما يسمى طعاما إلا كفارة اليمين، فإنه يجب عليه أن يخرج من الطعام الذي يطعم أهله، لقوله تعالى " من أوسط ما تطعمون أهليكم)[6] والشيخ صاحب الجواهر بعد أن نقل هذه الكلمات وغيرها وصل إلى هذه النتيجة حيث قال: (إلى غير ذلك من كلماتهم المختلفة أشد اختلاف، بل بعضهما لا يرجع إلى حاصل، ولا يعرف له مستند _ وهذا ما قلناه من أن المسألة اجتهادية ونشأ الاختلاف من كيفية الجمع بين الادلة_ ثم ذكر الشيخ صاحب الجواهر تفصيلاً يختاره هو حيث قال :) قلت : قد يقوى في النظر الاجتزاء بكل ما تؤكل ويسمى طعاما لو كان الامتثال بالإشباع _ واستدل على ذلك بأطلاق النصوص وما في الصحاح من أن الطعام هو كل ما يؤكل حيث قال _لإطلاق النصوص _ لعله يقصد صحيحة ابي بصير[7] المتقدمة_ الاكتفاء بإشباعهم بما يسمى إطعاما الذي قد عرفت أن في اللغة الطعام لكل ما يؤكل، فضلا عن الاطعام الذي هو في العرف كذلك أيضا، فيصدق حينئذ بالإشباع من الفواكه والمربيات وغيرها مما هو أعلى منها أو أدنى )
وقال في باب التسليم (ووجوب المد من الحنطة والدقيق أو التمر، بل مطلق الأقوات الغالبة لو كان بالتسليم، حملا لمطلق المد في النصوص الكثيرة على ما في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام المتقدم سابقا " لكل مسكين مد من حنطة أو مد من دقيق وحفنة " إلى آخره المعتضد بخبر الثمالي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن قال والله ثم لم يف، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كفارته إطعام عشرة مساكين مدا مدا دقيق أو حنطة " الحديث . وغيره وعلى ما في النصوص السابقة من التصريح بالاجتزاء وعلى مطلق الأقوات الغالبة لغالب الناس بناء على أن المراد من الأوسط إلى آخره ذلك، لأنه يقتضي الإضافة إلى " أهليكم " الشامل لأهل المكفر وغيره، فيراد من " أوسط " ما تطعمه الناس، وعلى أنه لا فرق بين كفارة اليمين وغيرها في المراد من الاطعام المعتبر فيها وإن كانت الآية خاصة بكفارة اليمين، فيكون المحصل من الجميع ما ذكرنا (
ثم استشهد على ما ذكره بروايتين فقال: (وقد يشهد لما ذكرنا في الجملة خبر أبي جميلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : في كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، والوسط الخل والزيت، وأرفعه الخبز واللحم، والصدقة مد مد من حنطة لكل مسكين " وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام " في كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، والإدام والوسط الخل والزيت . وأرفعه الخبز واللحم، والصدقة مد لكل مسكين " الحديث . إذ المراد من قوله عليه السلام : " والصدقة " فيهما الإشارة إلى القسم الثاني من الكفارة الذي هو التسليم))[8]هذا ما ذكره الشيخ صاحب الجواهر من التفصيل.
اقول أن مسألة ما استشهد به من عبارة الصحاح من أن الطعام هو كل ما يؤكل, الظاهر أن هذا موجود في كلمات اللغويين في اكثر من مصدر كما في القاموس وكتاب العين حيث يذكر الخليل الفراهيدي أن الطعام اسم جامع لكل ما يؤكل وكذلك الشراب لكل ما يشرب واضاف: والعالي من كلام العرب أن الطعام هو البر خاصة. فكأنه اصطلاح خاص وهناك روايات تؤيد ذلك من قبيل رواية حماد بن عثمان (قال : أصاب أهل المدينة قحط حتى أقبل الرجل المؤسر يخلط الحنطة بالشعير، ويأكله ويشتري ببعض الطعام، وكان عند أبي عبد الله عليه السلام طعام جيد قد اشتراه أول السنة فقال لبعض مواليه، اشتر لنا شعيرا، فاخلطه بهذا الطعام أو بعه، فإنا نكره أن نأكل جيدا ويأكل الناس رديئا)[9] وهي تامة سنداً ويفهم من الرواية أن الطعام هو خصوص الحنطة.
وكذلك يوجد حديث يرويه العامة وهو انه روى أبو سعيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير)[10] فيكون المقصود بالطعام هو الحنطة, وفي مقابل ذلك هناك روايات تنافي هذا المعنى كما في روايات الاحتكار التي تمنعه في الطعام وتفسر الروايات الطعام بما هو اعم من الحنطة فتفسره بالحنطة والشعير والزبيب وغير ذلك من الاشياء, ومن الصعب جداً أن يحمل لفظ الطعام الوارد في بعض آيات القران الكريم على خصوص الحنطة كما في قوله تعالى (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا)[11] وقوله تعالى (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)[12] وقوله تعالى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }[13] وقوله تعالى {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }قريش4 وقوله تعالى {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ}الذاريات57 وقوله تعالى (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا)[14] كما أنه على تقدير أن يكون المراد بالطعام هو خصوص الحنطة فأنه يأتي ما تقدم من أن ما يشتق من الطعام قد لا يراد به نفس ما يراد من الطعام فمثلاً في قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ..)[15]فأن صاحب العين يقول أن الآية اطلقت الطعام على صيد البحر فتكون القضية اوسع من الحبوب (الحنطة والشعير مثلاً) وعلى كل حال فأن ما يقوله غير بعيد أي أن يكون المقصود بالطعام هو كل ما يؤكل, نعم غاية الأمر أن المربيات والفواكه يُتوقف منها من جهة أن كلمات الفقهاء لم تذكر المربيات والفواكه وامثالها, وبعض اللغويين يقول اطعمهم يعني سد جوعهم فالطعام هو ما يسد الجوع فتكون القضية من قبيل أن كل ما يؤكل فهو طعام لأن كل ما يؤكل يسد الجوع, وهذا بالنسبة إلى محل كلامنا واضح بأنكار التعدي وعدم الفصل فلا دليل في محل الكلام على اختصاص انواع معينة من الطعام وإنما توجد مطلقات نتمسك بها لأثبات جواز الاطعام لكل ما يوجب صدق أنه اطعمهم (فكل ما يصدق عليه أنه اطعم ستين مسكيناً يكون جائزاً) لكن في كفارة اليمين يأتي هذا الكلام لأختلاف الروايات واحتمال الاختصاص واقوال العلماء مختلفة في ذلك ومعظم المتأخرين ذهب إلى الاحتياط في كفارة اليمين _ في باب التسليم_ بأنه يختص بما ذكرت الروايات وهي قد ذكرت الحنطة والدقيق, نعم في محل الكلام لابد من الحاق التمر لوجود رواية صحيحة[16] ذكرته أما في كفارة اليمين فالاحوط الاقتصار على هذه الامور (الحنطة والدقيق وما اشتق منها) والظاهر في محل الكلام جواز كل ما يصدق عليه أنه طعام.






[11] الكهف 77.
[12] الحج 36.
[13] الإنسان8.
[14] الاحزاب 53.
[15] المائدة 96.
[16] وهي رواية الرجل الذي اعطاه رسول الله صلى الله عليه واله مكتل فيه تمر وقال تصدق به.