37/01/19


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 17 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الاشكال الثالث:- أن يقال:-لعلّ المستفاد من رواية (خذوا ما رووا ) التساهل بلحاظ الرواية الموجودة في كتب بني فضال، فلابد من إحراز أنّ الرواية موجودة في كتبهم، والرواية التي بين أيدينا لم نحرز أنها مأخوذة من كتبهم فإنّ الراوي قد رواها عن ابن فضّال وابن فضّال رواها عن عبد الأعلى أمّا أنّ الراوي عن ابن فضال قد أخذها من كتبهم فهو لم يذكر ذلك.
فإذن تكون هذه الرواية ساقطة عن الاعتبار حتى لو بنينا على هذه الكبرى من ناحية أنّ دائرة هذه الكبرى هي خصوص الرواية المأخوذة من كتبهم.
وجذور هذا الإشكال نجدها في كلمات الشيخ الأعظم(قده) في باب الاحتكار فإنّه قال:- ( وفي السند بعض بني فضّال والظاهر أنّ الرواية مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري عليه السلام ..... )[1]، فإنّ قوله ( والظاهر أنّ الرواية مأخوذة من كتبهم ) يقصد بذلك التلميح إلى أنّ مساحة هذه الكبرى هي خصوص ما إذا كانت الرواية مأخوذة من كتبهم، فهو(قده) وإن لم يوضّح بشكلٍ جليٍّ أنّه يعتبر في هذه الكبرى أن يحرز كون الرواية مأخوذة من كتبهم ولكن هذا التعبير فيه إشارة إلى ذلك.
أما من أين جاء اعتبار هذا الشرط وما هو مستنده ؟
الجواب:- مستنده هو أنّ الرواية السابقة قالت:- ( أقول فيها ما قال أبو محمد الحسن بن علي وقد سئل عن كتب بني فضّال فقالوا كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء، فقال عليه لسلام:- خذوا ما رووا وذروا ما رأوا ) ، فالسؤال إذن كان عن كتبهم والإمام عليه السلام جوّز الأخذ بالرواية الموجودة في كتبهم، ولا أقل لا تدلّ هذه الرواية على الحجية في أزيد من المساحة المذكورة فإنّ غاية ما يفهم منها هو هذا المقدار فإنّ السؤال كان عن كتبهم فما زاد على ذلك لا تستفاد حجيته منها.
إن قلت:- صحيحٌ أنّ المذكور في الرواية هو عنوان ( كتبهم ) إلا أنّ هذا مأخوذ بنحو المرآتية لرواياتهم لعدم الخصوصيّة لعنوان ( كتبهم ).
قلت:- لعلّ الإمام عليه السلام أحرز صحّة ما هو الموجود في كتبهم، وعلى هذا الأساس حينما سئل عن كتبهم قال ( خذوا ما رووا ) باعتبار أنّه يحرز صحة ما في كتبهم المذكورة المعهودة . إنّ هذا الاحتمال موجودٌ ومادام موجوداً فلا يمكن أن نبني على الحجّية في المساحة الأكبر.
هذا ولكن في المقابل يمكن أن يناقش هذا ويقال:- إنّ هذا الكلام وجيهٌ من جانب الإمام عليه السلام، فمن جانبه لعله أحرز صحّة ما هو الموجود في كتبهم فقال ( خذوا ما رووا ) ولكن من ناحية الراوي والناس الذين يسمعون هذه الرواية في الأجيال التالية فإنهم لا يفهمون الخصوصية لعنوان ( كتبهم ) فكان من المناسب للإمام عليه السلام لو كان يوجد لعنوان ( كتبهم ) خصوصية أن يسلّط الأضواء عليه ويؤكد على ذلك ويقول ( خذوا ما رووا في كتبهم، أو في خصوص كتبهم ) فيقيّد بهذا القيد فإنّ السامع لهذا الكلام لا يفهم الخصوصية لعنوان ( كتبهم )، فربما يقع في فهمٍ باطلٍ والمفروض أنّ هذا الفهم الباطل متوقّعٌ، فمن المناسب للمتكلّم الحكيم أن يسلّط الأضواء على هذا القيد، وعدم تسليط الأضواء عليه يمكن أن نفهم منه أنّ هذا العنوان لا خصوصية فيه.
وممّا قد يؤكد ذلك هو أنّه عليه السلام قال:- ( خذوا ما رووا )، يعني أنَّ تمام النكتة هي لعنوان ( رووا ) وليس لــ( كتبهم ) وإلا كان المناسب أن يقول ( خذوا بما هو الموجود في كتبهم )، فتعبير ( بما رووا ) يمكن أن يفهم منه أنّ المناط على كون الرواية قد رواها أحد بني فضّال لا أكثر، والأمر لك.
وخلاصة ما ذكرناه بلحاظ هذه الرواية:- هو أنّ الكلام تارةً في دلالتها وقد اتضح أنّه قابلٌ للمناقشة، وأخرى في سندها وقد اتضح أنّه يمكن تتميم السند من خلال يونس بن يعقوب، وأمّا من خلال كبرى بني فضّال وورود أحدهم في السند فقد اتضح إمكان المناقشة فيه للإشكال الأوّل والثاني.
الرواية الثانية:- رواية يونس:- ( سألت الخراساني عليه السلام عن الغناء وقلت:- إنّ العباسيّ[2]ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء، فقال:- كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء فقلت:- إنّ رجلاً أتى أبا جعفر صلوات الله عليه فسأله عن الغناء فقال:- يا فلان إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟ فقال:- مع الباطل، فقال:- قد حكمت )[3].
والكلام يقع تارةً في دلالتها وأخرى في سندها:-
أمّا بالنسبة إلى الدلالة:- فقد ذكر الشيخ الأعظم(قده) هذه الرواية كالسابقة[4] من دون أن يذكر تقريباً لدلالتها، أما بالنسبة إلى الرواية الأولى فلعلّه ذكر نحواً وصيغةً من الدلالة لأنّه قال أنّ مضمون جملة ( جئناكم جئناكم ) ليس مضموناً باطلاً حينما كذّب الإمام نسبة الترخيص فهذا يدلّ على أنّ الكيفية كانت كيفية غنائية ولهوية، أمّا هنا فلم يذكر وجهاً للدلالة، وهذا سوف يسجل كمؤاخذة فنيّة على الشيخ الأعظم(قده)، ولعله لأجل وضوح المطلب لم يذكر ذلك.
ووجه الدلالة أحد أمرين:-
الأوّل:- تكذيب الإمام عليه السلام بشدّه صدور الرخصة في الغناء فإنّه لو كان ليس بمحرّم فلا حاجة إلى هذا الإباء والانكار الشديد لصدور نسبة الترخيص منهم عليهم السلام.
الثاني:- إنّ الإمام عليه السلام قال:- ( إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يصير الغناء ؟ فقال:- مع الباطل، فقال:- قد حكمت )، وهذا معناه أنّه من الباطل، فحينئذٍ لا يجوز.
وكلاهما كما ترى:-
أمّا التقريب الأوّل:- فلعلّ إنكار الإمام عليه السلام للنسبة من ناحية أنّه لم يصدر منه ذلك - فواقعاً هو لم يصدر منه ذلك -.
فإباء الإمام عليه السلام لعلّه من باب أنّ الناس كذبوا عليهم ولم تصدر منهم رخصة في هذا المجال، فالإباء الشديد لأجل أنهم كذبوا عليهم في صدور الرخصة ولعلّ الشيء ليس بحرامٍ ولكن لا يريدون أن تُنسَب لهم الرخصة، خصوصاً وأنّ القضيّة حساسة ومن المناسب أن يتحفّظ الحكيم في مثل هذه المجالات.
أمّا من ناحية التقريب الثاني:- فالإمام عليه السلام قال إذا ميز الله الحق من الباطل فالغناء يصير في حقل الباطل، وهذا صحيحٌ فإنّ كلّ ما فيه حزازة ومبغوضيّة - أعمّ من كون المبغوضية على مستوى الحرمة أو الكراهة - يدخل تحت الباطل حينئذٍ، وهذا أيضاً ليس فيه دلالة.
وعلى أيّ حال التمسّك بهذه الرواية شيءٌ مشكل.


[2] والعباسي لم يبين من هو ولكنه يظهر أنه شخص ليس من البعيد أنه مرتبط بالبلاط العباسي وتحاشى الراوي من ذكر اسمه خوفاً وتقيةً.