37/04/06


تحمیل
الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد.
اولاً: صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين ؟ قال : يتم صومه ذلك ثم ليقضه . . . الحديث)[1] هذا المنقول منها في باب 44 لكن المنقول منها في هذا الباب هو صدرها ولها تتمة نقلها صاحب الوسائل في الباب 45 وهي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال : فان تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر، ثم قال : إن أبي كان ليله يصلي وأنا آكل، فأنصرف فقال : أما جعفر فأكل وشرب بعد الفجر، فأمرني فافطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان)[2]
والاستدلال يكون بذيل هذه الرواية بدعوى أنه يتكلم عن غير صوم شهر رمضان حيث قال (فان تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر) وهذا له من الاطلاق ما يشمل كل اقسام الصوم_ غير صوم شهر رمضان_ الواجبة والمندوبة والواجب المعين وغير المعين فكل من هذه الاقسام يصدق عليه أنه غير صوم شهر رمضان, والرواية تقول بأنه اذا تسحر بعد الفجر افطر وكذلك له اطلاق في شموله لصورة المراعاة وعدم المراعاة فيدل على بطلان الصوم في غير شهر رمضان عند تبين الخلاف حتى مع المراعاة, بينما لا يجب القضاء في صورة المراعاة في صوم شهر رمضان فلا الحاق لغير شهر رمضان به.
ويلاحظ على هذا الاستدلال أن صدر الرواية مختص بشهر رمضان بقرينة ذيل الرواية, وتقدم سابقاً أن صحيحة الحلبي بالنسبة إلى صوم شهر رمضان مطلقة من ناحية المراعاة وعدمها, وقلنا لابد من تقييدها بموثقة سماعة وغيرها بحمل هذا الصدر على صورة عدم المراعاة لأن نصوص الباب تقول لا يجب القضاء مع المراعاة, واذا اتضح هذا في صدر الرواية نأتي إلى ذيلها الذي يقول (فان تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر) وهذا يصح أن يكون قرينة على أن الكلام في غير شهر رمضان كالكلام في شهر رمضان مع الفرق في أنه إذا لم يراعِ في شهر رمضان يحكم عليه بوجوب اتمام الصوم تأدباً ثم يقضي, بينما في غير شهر رمضان لم يحكم عليه بوجوب الصوم بل حكم عليه بالإفطار فقط, إذن ذيل الرواية يدل على بطلان الصوم لكن في حالة عدم المراعاة وهذا يمنعنا من الاستدلال بها في محل الكلام (صورة المراعاة), فصدر الرواية يتكلم عن صورة عدم المراعاة, ولا اقل من أن يكون ذلك قرينة محتفة بالكلام تكون مانعة من اطلاق الذيل لصورة المراعاة, وحينئذ لا يمكن أن نقول بأن الذيل مطلق يشمل المراعاة وعدم المراعاة فظاهر الرواية انها ناظرة إلى صورة عدم المراعاة وبهذا تكون اجنبية عن محل الكلام.
وهذا التقريب مبني على أن ا لرواية اذا كانت تشتمل على مطلبين أو جملتين وقام دليل منفصل من الخارج على تقييد الجملة الاولى (صدر الرواية) فالمدعى في هذا الوجه أن هذا التقييد يمنع من اطلاق الجملة الثانية, فهو لا يريد أن يقول بأن هذا يقيد الجملة الثانية بل يريد أن يقول إنه يمنع من اطلاقها وهذا هو المهم عنده لأن الاستدلال قائم على اطلاق الذيل وهو يقول بمنع اطلاق الذيل على غرار ما يقوله صاحب الكفاية في مسألة القدر المتيقن في باب التخاطب حيث يقول إن القدر المتيقن في مقام التخاطب ليس قرينة على التخصيص والتقييد لكنه يمنع من الاطلاق, والكلام في المقام كذلك فهذا القائل يريد أن يقول بأن حمل الصدر على صورة عدم المراعاة يمنع من اطلاق الذيل.
وفي المقابل قد يقال إن الذيل يبقى على اطلاقه لأننا قيدنا صدر الرواية بدليل منفصل (موثقة سماعة) وهذا الدليل اوجب تقييد الصدر لنكتة وهي المنافاة بينهما أي بين صدر صحيحة الحلبي وبين موثقة سماعة, لأن صدر صحيحة الحلبي يقول بوجوب القضاء مطلقاً أي حتى في صورة المراعاة, وموثقة سماعة تقول لا يجب القضاء في صورة المراعاة, ولوجود المنافاة ولكون موثقة سماعة اخص مطلقاً من صدر صحيحة الحلبي خصصته بصورة عدم المراعاة, وموضوع كل من صدر صحيحة الحلبي وموثقة سماعة واحد وهو صوم شهر رمضان, وهذه المنافاة ليست موجودة بين موثقة سماعة وذيل صحيحة الحلبي لعدم وحدة الموضوع فموضوع الموثقة هو صوم شهر رمضان وموضوع ذيل صحيحة الحلبي هو صوم غير شهر رمضان, وحينئذ لا وجه لرفع اليد عن اطلاق ذيل صحيحة الحلبي.
وبعبارة اخرى
التخصيص بالمنفصل يكشف عن عدم ارادة الاطلاق والعموم من الدليل جداً, فالذي يتخلف وينكشف عدم وجوده بالتخصيص المنفصل هو المدلول التصديقي الجدي للدليل العام, ولا يتأثر المدلول الاستعمالي فضلاً عن المدلول الوضعي بالمخصص المنفصل مطلقاً, فالجملة الاولى موضوعة للعموم أو الاطلاق ومستعملة للعموم أو الاطلاق ويقصد المتكلم بها تفهيم الاطلاق أو العموم وكل هذا محفوظ ولا يتأثر بالمخصص المنفصل, لكن المخصص المنفصل يكشف عدم الارادة الجدية للعموم, والارادة الجدية تكون منعقدة على طبق الخاص, وهذا يعني أن ذيل الرواية والجملة الثانية لا تتأثر وتبقى على اطلاقها ولا موجب ولا مبرر لرفع اليد عن هذا الظهور, فالمانع يرتبط بالجملة الاولى وبلحاظ المدلول الجدي فقط أي أن الاطلاق في الجملة الاولى ليس مراداً جداً, أما في الجملة الثانية التي يختلف موضوعها ويتكلم عن غير صوم شهر رمضان ويقول بوجوب القضاء مطلقاً مع المراعاة ومع عدمها, يبقى محفوظاً ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور الاطلاقي.
هذا ما يمكنأن يقال في هذا التقريب للاختصاص.
وقد يقرب الاختصاص بتقريب ثانٍ فيقال بأن ذيل صحيحة الحلبي ليس مطلقاً فلا يصح التمسك به لأثبات وجوب القضاء في صوم غير شهر رمضان مع المراعاة, بأعتبار اننا نمنع من الاطلاق اساساً في هذه الصحيحة فلا اطلاق فيها لا صدراً ولا ذيلاً , فهي مختصة بصورة عدم المراعاة من اول الأمر, فلا يصح الاستدلال بها على وجوب القضاء في صورة المراعاة, والقرينة على اختصاص الصدر فضلاً عن الذيل في عدم المراعاة هو أن يقال بأن السؤال في الرواية عن رجل تسحر ثم خرج من بيته (غرفته) فإذا الفجر طلع وتبين وهذا (رجل تسحر ثم خرج ...) هو موضوع هذا التفصيل بين صوم شهر رمضان وصوم غير شهر رمضان والسؤال يقول بأن هذه الرواية بهذا الشكل لا تشير إلى مسألة المراعاة, لا سلباً ولا ايجاباً والتقريب يقول المفروض في السؤال هو عدم المراعاة, لأن المراعاة(النظر والفحص) لو كانت حاصلة عند هذا السائل لأشار اليها في كلامه, بأعتبار أن السائل في حالات من هذا القبيل يكون حريصاً على ذكر الخصوصيات عادةً التي يعتقد أو يحتمل انها دخيلة في الحكم الشرعي, لذا نجد كثيراً من الروايات عندما يكون المكلف جاهلاً يذكر جهلة وعندما يكون ناسياً يذكر نسيانه, أو اذا سأل سائل بأنه اكل في نهار شهر رمضان فأنه يفهم من كلامه أنه اكل عمداً عندما لا يذكر إنه اكل ناسياً أو جاهلاً, وهكذا لأن هذه الخصوصيات تؤثر على الحكم الشرعي, ومن هنا يستفاد من عدم ذكر السائل خصوصية النظر والفحص_ في الرواية مع أن المفروض أنه اكل بعد طلوع الفجر_ في سؤاله أنه لم يفحص ولم ينظر ولم يراعِ, وكأن الرواية كلها ناظرة إلى صورة عدم المراعاة, وبناءً على هذا تكون الرواية اجنبية عن محل الكلام, فنحن بصدد الاستدلال على بطلان صوم غير شهر رمضان مع المراعاة.
وهذا التقريب اذا تم يخلصنا من الاشكالات ويوجب حمل الرواية على صورة عدم المراعاة وتكون اجنبية عن محل الكلام فلا يصح الاستدلال بها في المقام.
وقد يؤيد هذا التقريب بما ذكره بعضهم من أن الرواية تقول خرج من بيته أي غرفته لا داره أو منزله, إذن هو تسحر في غرفته حيث لا يتمكن من النظر إلى الفجر ولا يمكن المراعاة في داخل غرفته وكأنه اكل اعتماداً على بقاء الليل, وهذا المقدار هو الذي يفهم من عبارة الرواية, أما افتراض أنه طلع من بيته وخرج وفحص فلم يرَ ورجع إلى غرفته واكل ثم خرج فإذا الفجر طالع تحميل على النص اكثر مما يتحمله.
الرواية الثانية: التي اُستدل بها على وجوب القضاء في صوم غير شهر رمضان مع المراعاة خلافاً لصوم شهر رمضان وهي موثقة إسحاق بن عمار (قال : قلت لابي إبراهيم ( عليه السلام ) : يكون عليّ اليوم واليومان من شهر رمضان فأتسحر مصبحا، افطر ذلك اليوم وأقضي مكان ذلك يوما آخر، أو أتم على صوم ذلك اليوم وأقضي يوما آخر ؟ فقال : لا، بل تفطر ذلك اليوم لأنك أكلت مصبحا، وتقضي يوما آخر .)[3]
والرواية معتبرة سنداً وموردها صوم غير شهر رمضان, فالسائل في هذه الرواية فارغ من بطلان صومه ووجوب القضاء _المراد بالقضاء في المقام هو أن يأتي هذا الصوم في يوم اخر _ وإنما يسأل عن أن قضاء شهر رمضان كشهر رمضان في وجوب الامساك التأدبي أو لا, والاستدلال بالرواية يكون بأطلاقها من حيث المراعاة وعدمها, فليس فيها ما يفيد تقييدها بعدم المراعاة فيجب عليه القضاء ويبطل صومه اذا تسحر مصبحاً في قضاء شهر رمضان حتى مع المراعاة خلافاً لصوم شهر رمضان.
يمكن أن يستشكل على هذه الرواية بنفس الاشكال الثاني المتقدم على صحيحة الحلبي, وهو أنه لو كان مراعياً لذكر ذلك في كلامه وبما أنه لم يذكر ذلك يستكشف منه أنه لم يراعِ فيكون محط نظر الرواية هو صورة عدم المراعاة فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام.
الرواية الثالثة: رواية علي بن أبي حمزة (عن أبي إبراهيم ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل شرب بعدما طلع الفجر وهو لا يعلم في شهر رمضان ؟ قال : يصوم يومه ذلك ويقضي يوما آخر، وإن كان قضاء لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك ويقضي)[4]
ويمكن تصحيحها سنداً بأعتبار امكان الاعتماد على علي بن ابي حمزة كما تقدم مراراً, وكذلك تحدثنا عن القاسم بن محمد وانه الجوهري وقد نص الشيخ الطوسي على إنه واقفي, وهذا يورد احتمال روايته عن علي بن ابي حمزة بعد انحرافه, وقد عالجنا هذه القضية سابقاً والظاهر أنه لم يكن هذا مانعاً من العمل بالرواية.
والرواية تدل بأطلاقها على وجوب القضاء في صوم غير شهر رمضان اذا تبين الخلاف حتى مع المراعاة خلافاً لصوم شهر رمضان.
ويرد عليها التقريب الاول الذي اورد على صحيحة الحلبي بنفس البيان حيث أن صدر هذه الرواية يتكلم عن شهر رمضان ويحكم بوجوب القضاء وهو مطلق فيشمل المراعاة وعدمها وحينئذ تقيد بموثقة سماعة فيحمل الصدر على صورة عدم المراعاة ويقال بأن هذا يمنع من اطلاق الذيل الذي يتحدث عن صوم غير شهر رمضان فلا يصح التمسك بأطلاقها لأثبات وجوب القضاء في صوم غير شهر رمضان مع المراعاة.