37/05/19


تحمیل

الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد, مسألة 2.

ويمكن التأمل في اجراء الاستصحاب _ الثابت قبل زمان الامام الصادق عليه السلام وسحبه إلى زمان الامام الصادق عليه السلام عندما يُشك في الردع وعدمه ( في الامضاء وعدمه)_ من جهتين:-

الجهة الاولى: إن دعوى احراز الامضاء قبل زمان الامام الصادق عليه السلام لمجرد عدم نقل ما يدل على الردع غير تامة, لأن النصوص التي وصلت الينا من ذلك الزمان لم تكن كثيرة, فأن انتشار العلم والاحاديث تحقق في زمان الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام, وقبل ذلك كانت النصوص قليلة وقد ضاع الكثير منها ولم يصل الينا, وحينئذ كيف نحرز بأنه لا يوجد ردع قبل ذلك الزمان فلعله كان هناك ردع ولكنه لم يصل الينا وضاع مع جملة ما ضاع من الاثار والروايات عن الائمة عليهم السلام.

الجهة الثانية: لو افترضنا أن الردع صدر عن الامام الصادق عليه السلام وان رواية مسعدة كان ورادة فعلاً عنه عليه السلام فحينئذ سوف يكشف ذلك عن ثبوت هذا الردع في الشريعة وقبل زمانه عليه السلام, ويكشف عن أن سكوت الشارع عن الردع في ذلك الزمان ( الذي قبل الامام الصادق عليه السلام) ليس امضاءاً لتلك السيرة وإنما كانت هناك مصلحة تقتضي عدم اظهار الردع عن هذه السيرة, وهذا يستكشف من صدور الردع من الامام الصادق عليه السلام لأن التعامل مع الائمة عليهم السلام ينبغي أن يكون تعاملاً كجهة واحدة وشخص واحد فهم يمثلون الشارع المقدس والتعامل معهم لابد أن يكون على هذا الاساس, كما هو الحال في سائر الامور الاخرى فلو صدر حكم من الامام الصادق عليه السلام ولم يكن صادراً قبله نستكشف أن هذا الحكم ثابت في الشريعة من اول الأمر واُخر بيانه لمصلحة تقتضي ذلك, وبناءً على هذا يقال بأنه لم يكن هناك احراز لإمضاء السيرة قبل زمان الامام الصادق عليه السلام وإنما كنا نتخيل ذلك, فلا معنى حينئذ لأستصحاب الامضاء لعدم احرازه بل نحن على تقدير صدور هذه الرواية نحرز عدمه وإما على تقدير الشك نقول بعدم امكان احراز الامضاء قبل هذه الفترة _ ومع الشك في تحقق الامضاء من البداية لا يمكن اجراء الاستصحاب لأن الاستصحاب يحتاج إلى احراز الامضاء سابقاً واليقين به _ لأحتمال أن تكون هذه الرواية رادعة وعلى هذا الاحتمال تكون السيرة مردوع عنها من البداية, إذن على كل التقادير لا احراز للإمضاء قبل فترة الامام الصادق عليه السلام حتى يجري فيه الاستصحاب.

وهذا كله على فرض عدم احتمال النسخ في المقام أما على فرض كون الردع الذي صدر من الامام الصادق _ على فرض صدوره_ ناسخاً للإمضاء المتحقق سابقاً فحينئذ لا مشكلة في جريان الاستصحاب لأنه عندما نشك في صدور هذا الكلام عن الامام الصادق عليه السلام أو عدم صدوره يمكن استصحاب الامضاء وعدم النسخ, لأن الشك في صدوره يعني الشك في نسخه فنستصحب عدم النسخ( نستصحب بقاء الامضاء السابق), وهذا بناءً على تصور النسخ في محل الكلام أما اذا شككنا _وقلنا بأن النسخ في المقام يحتاج إلى اثبات وجزم بأن هذا من باب النسخ_ وذكرنا بعنوان احتمال أن الردع الذي يصدر من الامام المتأخر يكون ناسخاً للحكم الثابت سابقاً فحينئذ لا يمكن اجراء الاستصحاب لأنه يحتاج إلى يقين سابق بالإمضاء ومن الواضح أنه بناءً على ما ذكرنا (من أن الردع من الامام الصادق عليه السلام يكون كاشفاً عن عدم تحقق الامضاء من البداية) لا يقين سابق ومعه لا يجري الاستصحاب.

الاعتراض الرابع: على جعل هذه الرواية رادعة عن السيرة هو أن يقال بأن مورد هذه الرواية هو ما اذا كان خبر الواحد مثبتاً للتكليف في مقابل اصالة الحل التي تكون نافيه للتكليف وامثال اصالة الحل كقاعدة اليد كما ذُكر في الحديث الشريف(وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة)[1] , و تقول ايضاً بأن زوجتك لعلها اختك ولعلها رضيعتك والعبد لعله حر ثم تقول (والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة) ومورد الحديث أن البينة تقوم على اثبات التكليف في مقابل اصالة الحل وقاعدة اليد فمورد الرواية هو اثبات التكليف واذا سلمنا دلالة الرواية على عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات وإن الحجة هو البينة فقط فهذا يعني أن الرواية تنفي حجية خبر الواحد اذا كان مثبتاً للتكليف في مقابل اصالة الاباحة وهذا يعني اننا لا يمكن أن نثبت حجية خبر الواحد في الموضوعات على نحو الاطلاق كما هو المدعى في المقام, والذي يظهر من الرواية انها تنهى عن العمل بخبر الواحد في الموضوعات الخارجية اذا كان الخبر مستلزماً لأثبات تكليف على خلاف قاعدة الحل أما اذا كان بالعكس كما لو كان خبر الواحد نافياً للتكليف في مقابل ما يثبت التكليف كأستصحاب النجاسة مثلاً ويقوم خبر الواحد على طهارة الثوب فهذا الحديث لا يشمل هذا المورد.

وهذا الاعتراض كأنه يفهم من قوله عليه السلام (والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة) يفهم أن الاشياء كلها على اصالة الاباحة وما يشبهها كقاعدة اليد حتى يستبين لك خلاف ذلك أو تقوم لك بينة وحينئذ يدل على عدم حجية خبر العدل الواحد أو الثقة الواحد في هذا المورد أي في ما اقتضت اصالة الاباحة حليته وقام خبر الواحد _على موضوع يستلزم_ حرمته كما لو قلنا هذا نجس أو هذا خمر وليس المقصود خبر الواحد في الاحكام, فالحديث يقول بأن الاشياء كلها باقية على الاباحة إلى تقوم بينة على نجاسته أو على حرمته وخبر الواحد لا يثبت هذا الشيء (أي لا يثبت النجاسة أو الحرمة).

واذا فسرنا العبارة بتفسير آخر بأن نقول أن المراد أن الاشياء كلها باقية على مقتضى القاعدة الاولية فيها سواء كانت هي الاباحة أو الحرمة فيكون مفاد الحديث حينئذ _ على فرض تمامية دلالته_ عاماً وشاملاً لكل الاخبار سواء كان مفاد الخبر اثبات تكليف أو نفيه, بل حتى في مثال الخبر الواحد الذي مفاده اثبات طهارة الثوب الذي كانت حالته السابقة النجاسة فهو يكون مشمولاً للحديث ايضاً لأن الحديث يقول أن الاشياء باقية على مقتضى القواعد الاولية فيها فمقتضى الاستصحاب أن هذا الثوب نجس فيبقى على نجاسته إلى أن تقوم به البينة على طهارته أما لو قام الخبر الواحد على طهارته فأن هذا لا يكفي وليس حجة فيكون مفاد الحديث عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات مطلقاً سواء استلزم اثبات تكليف أو نفيه, فيندفع هذا الاعتراض بهذا التفسير ويمكن جعل قول الامام عليه السلام (كلها) مؤيداً لهذا الفهم.

الاعتراض الخامس: وهو الاعتراض الذي يُذكر في موارد عديدة وحاصله أن هذه الرواية حتى لو تمت سنداً ودلالة لا يمكن جعلها رادعة عن السيرة العقلائية بعد فرض قيامها وانعقادها على العمل بخبر الواحد في الموضوعات الخارجية لأن الردع لابد أن يتناسب مع حجم السيرة ودرجة استحكامها ورسوخها في اذهان الناس فأن الذي يريد أن يردع عن سيرة ينبغي أن لا يكتفي بأن يردع بنص واحد يشمل المورد بالإطلاق ونحوه فأن القياس اقل رسوخاً من السيرة العقلائية القائمة على العمل بخبر الواحد ومع ذلك وردت فيه بيانات رادعة كثيرة جداً ولو فرضنا أن هذه السيرة لم يرضَ بها الشارع لم يكتفِ بالنهي عنها بمجرد رواية مسعدة بن صدقة والتي لم تكن صريحة فيه وإنما نستفيد ذلك من الاطلاق وامثاله, فهذا الشيء غير مقبول وان هذه الرواية حتى لو تمت دلالة وسنداً لا تصلح أن تكون رادعة عن هذه السيرة التي هي حسب الفرض سيرة عقلائية وراسخة ومستحكمة في اذهان الناس.

والظاهر أن هذا الاعتراض تام.

الاعتراض السادس: ما ذكره السيد الخوئي (قد) ما معناه أن تخيل أن هذه الرواية رادعة عن السيرة وانها تدل على عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات الخارجية مبني على تخيل أن البينة الواردة في الرواية يراد بها البينة الاصطلاحية (شهادة عادلين) لأن الرواية تحصر ما يثبت خلاف اصالة الحل بالعلم الوجداني الذي عبرت عنه بالاستبانة وبالبينة الاصطلاحية فيكون خبر الواحد ليس حجة, لكن ارادة المعنى الاصطلاحي من لفظ البينة امر حادث وجديد, فأنه لا يراد من البينة في اللغة هذا المعنى (الاصطلاحي) بل يراد بها ما يساوق الظهور والوضوح, وبناءً على هذا يكون المراد بالبينة الدليل والبيان , ويستدل على ذلك بأنه لو كان المراد بالبينة في الحديث الشريف البينة الاصطلاحية ينقض ذلك بأمور كثيرة تثبت بها الموضوعات الخارجية مع انها لم تكن استبانة وعلم وجداني ولا بينة اصطلاحية, فالاستصحاب يثبت الموضوع الخارجي وحكم الحاكم واقرار العاقل كذلك مع أن هذه الامور ليست هي استبانة ولا هي بينة اصطلاحية, وعلى تفسير البينة بالبينة الاصطلاحية لابد من القول بعدم حجيتها(أي هذه الامور) في اثبات الموضوعات الخارجية, مع أنه لا اشكال في أن هذه الامور وغيرها تثبت الموضوع الخارجي, ففي بعض الاحيان يثبت الموضوع الخارجي بشهادة العدل الواحد مع يمينة, فيقول (قد) لا يمكن الالتزام بعدم حجية كل هذه الامور التي يدل عليها الحديث كما هو المدعى, وعليه لابد من تفسير البينة في المقام بالدليل وقوله عليه السلام (والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة) أي يقوم عليه الدليل الذي هو اعم من البينة الاصطلاحية أو الاستصحاب أو الاقرار أو خبر العدل الواحد فكل هذا يدخل تحت عنوان الدليل الشرعي المثبت لمضمونه ولمؤداه والمراد بالبينة هو ذلك في مقابل القسم الاول الذي هو الاستبانة (العلم الوجداني), وبناءً على ذلك لا وجه لتخيل أن تكون هذه الرواية رادعة عن السيرة, لعدم دلالتها على عدم حجية خبر العدل الواحد في الموضوعات بل تكون دالة على حجيته اذا ادخلناها في البينة.

ومن هنا يتبين أن هذه الرواية لا تصلح للردع عن السيرة العقلائية اذا سلمنا بوجود هذه السيرة فعلى الاقل للاعتراض الخامس والسادس.

وهذا الكلام نقوله بقطع النظر عما ذكر في محله من كلام طويل في أنه حتى الاستدلال بالسيرة على حجية خبر الواحد في باب الاحكام فيه مشكلة معروفة وهي أن هذه السيرة مردوع عنها بالآيات الناهية عن العمل بالظن, فوقع الكلام في انها تصلح للردع أو لا, فصاحب الكفاية يقول يلزم من رادعيتها الدور, ووقع الكلام في مورد آخر وهو أنه ما الذي يقدم على الاخر؟؟ هل تقدم السيرة على الرادعية أو العكس, والكلام طويل جداً تقدم التعرض له في بحث حجية الخبر الواحد, والكلام فعلاً عن هذه الرواية فهي لا تصلح أن تكون رادعة عن السيرة.

ومن هنا نرجع إلى اصل المطلب ( استدلال السيد الخوئي (قد) على حجية الخبر الواحد بدليلين الاول السيرة والثاني الروايات الخاصة وسيأتي الكلام في الثاني) وقلنا أن الاشكال على الاستدلال بالسيرة يكون بوجهين الوجه الاول هو التشكيك في اصل السيرة والثاني أن السيرة مردوع عنها, والان نرجع إلى الاشكال الاول فيقال أن هذه السيرة لا يمكن الاستدلال بها على حجية خبر الواحد في الموضوعات الخارجية بالمعنى الذي نريده فنحن نريد أن نثبت حجية تعبدية لخبر الواحد في الموضوعات الخارجية على غرار الحجية التعبدية الثابتة لخبر الواحد في باب الاحكام المفروغ عنها بلا اشكال, والمراد بالحجية التعبدية أنه يكون حجة حتى مع عدم الظن بالوفاق بل حتى مع الظن الشخصي بالخلاف, فهل يمكننا أن نثبت حجية تعبدية بهذا المعنى في باب الموضوعات الخارجية كما هي ثابتة في باب الاحكام أم لا؟؟ فتأتي الشبهة السابقة وهي أنه هناك احتمال كبير _ على فرض التسليم بأنعقاد سيرة من قبل العقلاء بالعمل بخبر الثقة الواحد في الموضوعات الخارجية _ في أن العمل بالسيرة ليس قائماً على اساس الحجية التعبدية وإنما قائم على اساس حصول الاطمئنان, فالعقلاء يعملون بخبر الثقة لحصول الاطمئنان غالباً وفي الموارد التي لا يفيد لهم الاطمئنان ويكون الغرض عندهم مهم جداً لا يعملون بخبر الثقة بل يحتاطون, نعم قد يعملون به عندما لا تكون الاغراض مهمة وان لم يفد الاطمئنان, وبعبارة اخرى أن السيرة من قبل العقلاء في الواقع هي سيرة على العمل بالاطمئنان لا العمل بخبر الثقة الواحد بما هو خبر ثقة واحد وهذا الاشكال اذا تم سوف يسري إلى باب الاحكام ايضاً فيمنع من الاستدلال بالسيرة العقلائية على حجية خبر الواحد في باب الاحكام لكن لا مشكلة في باب الاحكام لوجود الكثير من الادلة الدالة على حجية خبر الواحد فيه, لكن يبقى الاشكال في باب الموضوعات الخارجية ويمكن على ضوئه التوقف في حجية خبر الواحد في باب الموضوعات الخارجية, نعم اذا كان الدليل على الحجية في المقام شيئاً آخر كما استدل السيد الخوئي (قد) بالروايات الخاصة فيجب أن ننظر في هذه الروايات فأن تمت يكون حال الموضوعات حال الاحكام والا فلابد من الانتهاء إلى أن خبر الواحد ليس حجة في باب الموضوعات الخارجية.