37/05/27


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

الجواب الرابع:- وهو للشيخ الأعظم(قده) وحاصله:- إنه يوجد لدينا دليلان ، دليل يحرم الولاية عن الجائر ويتمثل في مجموعة من الروايات ، ودليل يدلّ على رجحان الولاية عن الجائر إذا كان لمصالح العباد ، والدليل الثاني حيث إنه أخصّ من الأوّل فيخصّص الأوّل وتصير النتيجة هي أنّ التولي عن الجائر حرام لكن إذا كان لمصالح العباد فحينئذٍ يكون راجحاً ، ومن أحد مصاديق مصالح العباد وأوّلاها وأرقاها الأمر بالمعروف فيصير التولي للأمر بالمعروف راجحاً ومستحباً ، بيد أن هذا الرجحان رجحان للشيء في نفسه وهذا لا ينافي أن يطرأ عليه الوجوب لعنوانٍ آخر ، حينئذٍ يقال إنّه بعنوان كونه مصلحة للعباد يكون مستحباً راجحاً ، ولكن حيث طرأ عليه عنوان آخر - وهو أن هذا التولي مقدّمة للأمر المعروف الذي هو واجبٌ - فسوف يصير واجباً لأجل الأمر بالمعروف.

وبهذا أثبت أنّ التولي للجائر للأمر بالمعروف واجب من حيث المقدّمية ولا ينافي كونه راجحاً ومستحباً من حيث مصالح العباد ، فذلك استحبابٌ للشيء في نفسة ، واستحباب الشيء في نفسه لا ينافي وجوبه بعنوانٍ آخر.

فهنا أثبت الشيخ الأنصاري(قده) وجوب التولي وخالف بذلك القدماء ، قال ما نصّه:- ( ثم دليل الاستحباب[1] أخصّ لا محالة من أدلة التحريم فتخصَّص به فلا ينظر بعد ذلك في أدلة التحريم بل لابد بعد ذلك من ملاحظة النسب بينه وبين أدلة وجوب الأمر بالمعروف ومن المعلوم المقرر في غير المقام أن دليل استحباب الشيء الذي قد يكون مقدّمة لواجبٍ لا يعارض وجوب ذلك الواجب ....... لأنّ دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشيء في نفسه مع قطع النظر عن الملزمات العرضية كصيرورته مقدمة لواجب أو مأمورا به لمن تجب طاعته أو منذوراً )[2] .

لكن يبقى كلام آخر:- وهو أنه بعد أن فهمنا مضمون ما أفاده(قده) نقول:- ماذا يريد أن يصنع في هذا الكلام ؟ فهل يريد أن يطبّق كبرى انقلاب النسبة أو يريد أن يبين مطلباً بقطع النظر عن كبرى انقلاب النسبة ؟

والجواب:- لعلّ بعض عباراته تتلاءم مع الأوّل ، بينما بعضها الآخر يتلاءم مع الثاني ، وبيان ذلك الآن ليس بالمهم فنحن نترك هذا معجلاً ثم نعود إلى بحثه فيما بعد ، أمّا المقدار الذي فهمناه هنا فهو كافٍ ، فنحن فهمنا أنّ الشيخ الأعظم(قده) يريد أن يثبت وجوب التولي للأمر بالمعروف ولكنه يدخل من باب دليل رجحان استحباب التولي لأجل مصالح العباد فإذا ثبت أنّ الأمر بالمعروف هو فرد من أفراد مصالح العباد بل من أولاها فسوف يصير راجحاً ولكنه راجح من هذا الحيث - أي من حيث أنه قضاء لمصالح العباد بالرجحان النفسي – ن ولكن هذا لا ينافي أن يصير واجباً من ناحية عنوان عرضي - أعني مقدّمة لواجبٍ وهو الأمر بالمعروف -.

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنه ذكر أن الدليل الثاني - أعني دليل رجحان التولي لمصالح العباد - هو أخصّ من الأوّل - أي دليل حرمة التولي عن الجائر - ، ونحن نقول:- هذا شيءٌ صحيحٌ ، ولكن كما هو أخصّ من الأوّل كذلك هو أخصّ من الثالث - وأقصد من الثالث هو دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وذلك لأنّ التولي لمصالح العباد لا يمكن أن يكون مقدّمةً مستحبّةً للأمر بالمعروف وفي نفس الوقت يكون الأمر بالمعروف واجباً يعني هذا معناه أنّ ذا المقدّمة واجبٌ والمقدّمة مستحبة وهذا غير ممكن فإن مقدّمة الواجب لا يمكن أن تكون مستحبة ، فإذا ثبت استحباب المقدّمة كشف ذلك عن أن وجوب الأمر بالمعروف قد خصّص في هذا المورد يعني لا يجب في هذا المورد الذي يتوقّف على هذه المقدّمة وهي التولي عن الجائر ، فوجوبه يرتفع وإلا مع بقاء وجوبه لا يمكن أن تكون المقدّمة مستحبة ، وإذا ارتفع وجوبه فإذن كلا الدليلين - يعني الأوّل والثالث - قد خُصّصا بمخصّصٍ واحدٍ ، فإذن لا نملك عموماً يدلّ على حرمة الولاية لأنه قد خصّص بهذا بالدليل الثاني ، كما لا نملك دليلاً مطلقاً يدلّ على وجوب الأمر بالمعروف بحيث يشمل المقام ، فلا عموم من هذا للمورد ولا عموم من هذا الآخر لهذا المورد وعليه فالمناسب الرجوع إلى يقتضيه الأصل وهو يقتضي البراءة من جوب هذا ومن حرمة ذاك ، وسوف تصير النتيجة هي الاباحة ، وهذا خلاف ما أراده الشيخ الأعظم(قده).

ثانياً:- هو قد ذكر أنه لا مانع من اجتماع هذين المطلبين - أعني أن تكون الولاية عن الجائر مستحبة في نفسها وواجبة من باب المقدمية - ، ونحن نقول إنّ هذه الكبرى هي شيء مسلّم ، فالاستحباب النفسي يلتئم مع الوجوب المقدّمي - الغيري - ، فهو مستحب في نفسه ولكن يجب للغير ، ولكن مقامنا ليس صغرى لهذه الكبرى ، فإنّ المفروض أنّ التولي لمصالح العباد ليس له استحباب نفسي وإنما استحبابه مقدّمي من باب القيام بمصالح العباد ، فكون التولي مستحباً لأجل مصالح العباد يعني من باب المقدّمية ، فكيف يكون مصالح العباد واجباً من باب المقدّمية ؟!! فالاستحباب مقدّمي والوجوب مقدّمي ، فكلاهما مقدميان وهذا شيء غير ممكن ، وما أفاده(قده) يتم إذا كان الاستحباب نفسياً والوجوب غيرياً ، ولكن المفروض أنّ الاستحباب ليس نفسياً وإنما هو مقدّمي غيري فإنّ التولي عن الجائر صار مستحباً من باب مصالح العباد فهو من باب المقدّمية ، فإذا كان يقوم بمصالح العباد فحينئذٍ يثبت الاستحباب للتولي فكيف يصير هذا التولي الذي هو مستحبّ من باب المقدّمة لمصالح العباد واجباً أيضاً لمصالح العباد الذي مصداقه الأمر بالمعروف من باب المقدّمية أيضاً ؟ فاجتمع هنا حكمان مقدّميان أحدهما استحباب والآخر وجوب وكلاهما مقدّمي فكيف يكون هذا ؟! إنّه غريب.


[1] وقصده من أدلة الاستحباب هو ما تقدم من أدلة على رجحان التولي لمصالح العباد.