37/06/18


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر - مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

ورب قائل يقول:- يمكن أن نستعين لدعم ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) برواياتٍ أخرى غير رواية الاحتجاج المشتملة على البراءة ، وهي الروايات المذكورة في كتاب الأيمان من الوسائل وأنه يجوز للشخص أن يحلف كاذباً في سبيل نجاة المؤمن من الضرر ، ونذكر منها روايتين:-

الأولى:- رواية اسماعيل الجعفي:- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام:- أمرّ بالعُشّار[1] ومعي المال فيستحلفوني فإن حلفت تركوني وإن لم أحلف فتّشوني وظلموني ، فقال:- احلف لهم ، قلت:- إن حلّفوني بالطلاق ؟ قال:- فاحلف لهم ، قلت:- فإن المال لا يكون لي ، قال:- تتقي مال أخيك )[2] .

وقد نقلها صاحب الوسائل هنا بصيغة الجمع ، ولكن ذكرها في موضعٍ آخر من وسائله[3] بصيغة المفرد حيث ورد ( أمرّ بالعشار ومعي مال فيستحلفني فإن حلفت تركني ) ، كما ذكرها الشيخ الكليني(قده) في الكافي[4] بصيغة المفرد أيضاً ، وهذه قضية جانبية ليست مهمّة.

ووجه الاستشهاد بها:- هو أنّ الإمام عليه السلام جوّز الحلف كاذباً في سبيل التحفّظ على مال المؤمن ، ثم نضم ضميمة ونقول إنّ مال المؤمن ليس له خصوصية فيتعدّى إلى غير ذلك كأن خيف عليه أن يحبس أو يضرب أو غير ذلك إمّا بالفهم العرفي لعدم الخصوصية - وهذا ما يعبر عنه بتنقيح المناط - أو بالأولويّة القطعية.

ولكن يرد عليه:- إنّ موردها هو الحلف ، فالفعل الصادر من الشخص المكره والذي أراده المكِره - بالكسر - هو القَسَم لا كلّ محرّم من المحرّمات الإلهية ، يعني أنّ الرواية لا يستفاد منها أن كلّ محرّمٍ إلهي ولو غير الحلف كاذباً هو جائز في سبيل نجاة المؤمن ، وإنما غاية ما يستفاد منها هو أن الحلف كاذباً يجوز من بين المحرّمات ، واحتمال الخصوصية للحلف موجودٌ فلا نتمكن أن نقول إنَّ بقية المحرّمات الإلهية يجوز ارتكابها في سبيل نجاة المؤمن فإن هذا لا يمكن استفادته.

إذن التمسّك بالرواية مشكلٌ ، وإنما يستفاد منها في دائرة ضيّقة وهي أنه يجوز الحلف كاذباً بهدف دفع الضرر عن المؤمن ، وهذه المساحة قد أفتى بها الفقهاء.

إذن التمسك بهذه الرواية من حيث دلالتها على تمام المطلوب مشكلٌ ، والأحوط أنه يجوز له الحلف كاذباً أما إذا تمكّن من التورية فيورّي ، فإن لم يتمكن منها فآنذاك يحلف ، وهذا احتياط حسن ، فإذن دلالة هذه الرواية محلّ تأمل.

يبقى الكلام في سندها:- فهذه الرواية قد رواها صاحب الوسائل(قده) عن النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي الذي هو من أجلة أصحابنا عن اسماعيل الجعفي ، ويوجد في السند إشكالان:-

الأوّل:- وهو مبنائيّ ، وهو أنّ صاحب الوسائل(قده) ينقلها عن النوادر ويظهر أنه حينما ينقل عن كتاب النوادر مباشرةً أنّ هذا الكتاب قد وصله ، ولكن الطريق إليه مشكلٌ ، فكيف نثبت أنّ هذا هو كتاب النوادر حقّاً ؟ وهذه مشكلة سيّالة وعامّة في الأصول التي ينقل عنها صاحب الوسائل(قده) بالمباشرة ، لأنّ بعض أصول الأصحاب قد وصلته مثل كتاب عليّ بن جعفر ونوادر الحكمة كذلك.

وقد يقول قائل:- إنّ صاحب الوسائل(قده) في بعض فوائده ذكر طرقه إلى كلّ ما نقل عنه.

وقد أجبنا عن ذلك وقلنا:- هذا صحيح ، فإنه ذكر طرقاً متعدّدة قد أشار إليها في بعض الفوائد وغالب هذه الطرق ينهيها إلى الشهيد الثاني ثم إلى ابن إدريس الحلّي ثم إلى الشيخ الطوسي ، والشيخ الطوسي عنده طرق صحيحة مذكورة في الفهرست فإذن لا مشكلة ، هكذا قد تقول.

ولكن أجبنا عن هذا وقلنا:- إنا نحتمل أنّ هذه الطرق التي ذكرها صاحب الوسائل(قده) هي طرق تبركية وليست طرقاً إلى نسخة معيّنة ، وهي لا تثبت صحّة النسخة ، إذ لا توجد مؤشرات تؤشر على أنّ الطرق كانت على النسخة ، بخلافه في الشيخ الطوسي فنحن وجّهنا عليه هذا الإشكال أيضاً ولكن دفعناه وذكرنا جملة من المؤشرات على أنه كان يراعي النسخة.

ولكن يمكن التغّلب على هذا الاشكال في مقامنا بالخصوص وذلك بأن يقال:- إنّ هذه الرواية موجودةٌ في النوادر المطبوعة الآن ، ووجودها في هاتين النسختين قد يورث الاطمئنان للفقيه بأنّها موجودة حقّاً في كتاب النوادر[5] فنقول يحصل الاطمئنان بسبب تعدّد هذا النقل ، وإذا حصل الاطمئنان للفقيه فلا مشكلة حينئذٍ من هذه الناحية.

ولكن توجد مشكلة ثانية:- وهي أنَّ أحمد بن محمد بن عيسى لا يروي عن اسماعيل الجعفي بالمباشرة لأنّ اسماعيل الجعفي هو من الرواة عن الإمام الباقر عليه السلام وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي متأخر عنه بحيث توجد واسطتان بينهما وأحمد بن محمد الأشعري هو من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ، فالفاصل كبير ويروي بواسطتين ، فعلى هذا الأساس تكون الواسطة مجهولة فلا عبرة بهذه الرواية.

ولكن الذي يهون الخطب هو أنّ الكافي روى نفس هذه الرواية هكذا:- ( محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد[6] عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب عن اسماعيل الجعفي )[7] ، فإذن توجد واسطتان بين أحمد بن محمد وبين اسماعيل الجعفي ولكن بعد ذكر الوسائط وهم من الثقات فإذن لا مشكلة في سند الرواية.

نعم يبقى الكلام في اسماعيل الجعفي وهو مردّد بين اسماعيل بن جابر الجعفي وبين اسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي فإنّ كلا هذين هم ما من أصحاب الإمام الباقر عليه والسلام ولكن الذي يهوّن الخطب هو أنّ الاثنين يمكن توثيقهما.

إذن الرواية لا مشكلة فيها من حيث السند وإنما تنحصر المشكلة من حيث الدلالة ، والإشكال من حيث الدلالة قلنا أنّ دلالتها تامّة في بعض المدّعى وهو الحلف كاذباً لدفع الضرر عن المؤمن المالي وغير المالي ، ولكن لا يثبت بها جواز ارتكاب أي محرّم من المحرّمات الإلهية في سبيل دفع الضرر عن المؤمن.


[1] وهو جمع عاشر وهو الذي يأخذ ضريبة العشر.
[5] فأصل النوادر نحن لا نشكك فيه بل نسلّم أنه لأحمد بن محمد بن عيسى فإنه ذكر في ترجمته ولكن من قال إنّ النوادر التي نقل منها صاحب الوسائل هي نسخة صحيحة وهذه الرواية موجودة حقاً في الكتاب.
[6] يعني ابن عيسى الاشعري القمي.