34/07/30


تحمیل
 لا شبهة في ان اطلاقات الادلة تشمل الجاهل ولا يمكن تخصيصها بالعالم بها , اما انه مستحيل كما هو المعروف والمشهور , فان اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه مستحيل ولا يمكن ذلك , ولاجل ذلك لا يمكن تخصيص اطلاقات ادلة التكاليف بالعالم بها , والاّ لزم اخذ العلم في موضوع نفسه وهو مستحيل على المشهور , ولكن ذكرنا في مورده انه لا مانع منه فان اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه مستحيل في مرتبة واحدة , واما اخذ العلم بالحكم في مرتبة في موضوع نفسه في مرتبة أخرى فلا مانع منه ولا يلزم منه اي محذور ولكنه بحاجة الى دليل , وهذا وان كان ممكنا ثبوتا ولكنه في مقام الاثبات بحاجة الى دليل ولا دليل على ذلك , وعلى هذا فالحرمة اذا كانت في مرحلة الجعل فلا اثر لها , واما اذا كانت في مرحلة الفعلية بفعلية موضوعها في الخارج , او كانت لا موضوع لها في الخارج كالكذب والغيبة وما شاكل ذلك , فانها فعلية بمجرد جعلها في الخارج , فلا يتوقف على وجود موضوعها في الخارج , وموضوعها المكلف فاذا كان موجودا فهو فعلي , واما اذا كانت الحرمة فعلية ولم تكن منجزة ايضا فلا اثر لها , فان المفسدة وان كانت موجودة الاّ انها ليست تامة ولا تقتضي المبغوضية , والمبغوضية انما هي من اثار المفسدة التامة التي توفرت شروط تاثيرها , وكذلك المحبوبية من اثار المصلحة التامة التي توفرت شروط تاثيرها , واما اذا لم تكن تامة فلا تؤثر في المبغوضية ولا في المحبوبية .
 وما ذكره الماتن (قده) من انه اذا وجب الخرج لاداء دين او لاتيان واجب يتوقف الاتيان به على الخروج . فقد ذكرنا ان وجوب الخروج لا يكون مانعا عن صحة الاعتكاف , ويمكن تصحيح الاعتكاف بالترتب , فان الامر بالترتب مشروط بعدم الخروج من المسجد لاداء دين واجب عليه او لاتيان واجب يتوقف الاتيان به على الخروج من المسجد , فالامر بالاعتكاف يتوقف على عدم الخروج وعصيانه , فاذا عصى ولم يخرج فقد تحقق الامر بالاعتكاف لان الخروج من المسجد والاعتكاف من الضدين , فاذا لم يخرج وعصى الامر بالخروج يتحقق الامر بالاعتكاف مترتبا على عصيان الامر بالخروج , وعندئذ لا مانع من الاتيان بالاعتكاف بداعي امره , واما اذا فرضنا انا لا نقول بالترتب فايضا لا مانع من الحكم بصحة الاعتكاف فان وجوب الخروج عن المسجد لاداء دين او للاتيان بواجب داخل في الروايات المتقدمة التي تدل على الخروج لضرورة شرعية او عرفية , فان الضرورة الشرعية تشمل مثل هذه الموارد ( الخروج لاداء الدين او الاتيان بالواجب ) وهذا المقدار من زمان الخروج وقضاء الحاجة الضرورية لا يضر بصحة الاعتكاف , فان هذا المقدار من الزمان مستثنى من الاعتكاف في المسجد فاذا خرج من المسجد ورجع فلا مانع من صحة اعتكافه , واما اذا لم يخرج وعصى الامر بالخروج فايضا لا مانع من الحكم بصحة الاعتكاف ولا يحتمل ان تكون صحة الاعتكاف مشروطة بالخروج , وهو نظير التزاحم بين ازالة النجاسة من المسجد وبين الصلاة , فاذا فرضنا ان الامر بالازالة اهم من الامر بالصلاة كما اذا كان في سعة الوقت , فاذا ترك الازالة وعصى الامر بها واتى بالصلاة فلا شبهة في صحة صلاته , سواء قلنا بالترتب او لا .
 ودعوى : ان الامر بشيء يقتضي النهي عن ضده وهذا النهي يوجب فساد الصلاة فان الامر بالازالة يوجب النهي عن الصلاة وهذا النهي يدل على فساد الصلاة .
 مدفوعة : بان هذا النهي نهي غيري ولا اثر له ولا يدل على فساد العبادة , لانه لا يكون ناشئا عن وجود مفسدة ومبغوضية في متعلقه , وانما هو ناشيء عن وجود مصلحة في الازالة , فان المصلحة في الازالة هي المنشأ لهذا النهي الغيري , ومن هنا قلنا ان النهي الغيري ليس بنهي مولوي ولا يترتب عليه اي اثر لا العقوبة على مخالفته ولا المثوبة على موافقته فلا مانع من الحكم بصحة الصلاة , واحتمال ان صحة الصلاة مشروطة بالترتب غير محتمل سواء قلنا بالترتب ام لا , وفي المقام ايضا كذلك فانه اذا ترك الخروج وعصى الامر به واعتكف في المسجد فلا مانع من الحكم بصحة الاعتكاف , واحتمال ان النهي الغيري يوجب فساد الاعتكاف مدفوع بان النهي الغيري لا يصلح ان يكون موجبا لفساد العبادة , واحتمال ان صحة الاعتكاف مشروطة بالخروج غير محتمل وبحاجة الى دليل ولا دليل على ذلك .
 فالنتيجة انه لا مانع من الحكم بصحة الاعتكاف سواء قلنا بالترتب ام لم نقل به .
 المسألة (35) : اذا خرج عن المسجد لضرورة فالاحوط مراعاة اقرب الطرق , ويجب عدم المكث الا بمقدار الحاجة والضرورة .
 وذكر السيد الاستاذ (قده) انه الاقوى , الظاهر انه ليس لذلك ضابط كلي فان الواجب على من خرج لقضاء ضرورة شرعية او عرفية لابد ان تكون بالمقدار المتعارف , لان المستثنى هو المقدار المتعارف , واختيار الطريق المتعارف وان كان اطول من الطريق غير المتعارف , كما لوفرضنا ان هناك طريقين متعارف وغير متعارف , كما اذا كان الطريق الجبلي غير متعارف والفرق بينهما عشر دقائق مثلا فاذا اختار الطريق المتعارف فلا مانع منه فان المستثنى هو المقدار المتعارف , واما اذا كان هناك طريقين وكلاهما متعارف ولكن احدهما اقصر من الآخر والتفاوت بينهما ثلاثين دقيقة فلا شبهة في عدم جواز ذلك فانه يبقى في خارج المسجد اكثر مما تقتضيه الضرورة فلا يكون مستثنى فلا شبهة في الاخلال باعتكافه اذا كان متعمداً , ومن هنا لا يجوز له ان يجلس في الطريق تحت الظل , وقد منع من ذلك صريحا في (صحيحة داود بن سرحان [1] ) فان الجلوس عمدا وباختيار يوجب فساد الاعتكاف لان الضرورة لا تقتضي ذلك .
 فالنتيجة ان الواجب عليه هو المقدار المتعارف واختيار الطريق المتعارف وان كان اطول من الطريق غير المتعارف وهو غير مضر ولا يوجب بطلان الاعتكاف .


[1] الوسائل (آل البيت) /ج 10 / ص 549 / باب 7 / كتاب الاعتكاف / الحديث 1.