37/08/03


تحمیل

الموضوع:- أوراق اليانصيب - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

إن قلت:- إنه في هذه الحالة - أي حالة جعل الثمن مقابل الجائزة - يمكن أن يقال هذا ليس من تمليك المعدوم بل هو من تمليك الموجود فإن الجائزة موجودة عادةً ، فهم مثلاً كانوا يعرضون الجائزة كسيارةٍ في باحة البنك حتى يرغّبون الناس ، فعلى هذا الأساس التمليك - حتى لو كان بذلك الثمن مقابل الجائزة - ليس تمليكاً للمعدوم بل هو تمليك للموجود وهي هذه السيارة غايته بنحوٍ معلّق ، فكأن بائع الأوراق يقول لمشتري الورقة أنا أملكك هذه السيارة بهذا الثمن الذي تدفعه للبطاقة إن خرج اسمك بالقرعة ، فإذن هناك تعليق لا تمليك للمعدوم ، فإذا كان من باب التعليق فصحيحٌ أنّ التعليق في باب البيع مبطلٌ ولكنه قد يقال في باب الصلح يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره فنحوّل المعاملة من البيع إلى صلح وتنتهي المشكلة.

قلت:- إنّ هذا التعليق لا يخرج المعاملة عن كونها تمليكاً للمعدوم ، فهو تعليقٌ صوري ولكن في واقعه يراه العقلاء أنه تمليك للمعدوم ، وهذا من قبيل أن يكون عندك طائر كعصفورٍ تملكه وبعد ذلك طار منك ففي مثل هذه الحالة هل يمكن أن تقول لشخصٍ صالحتك على ذلك الطائر الذي طار في السماء بهذا المقدار من الثمن إن هداه الله وعاد ، إنّ العرف والعقلاء صحيحٌ أنهم يرون أنّ هذا تعليق ولكنه صوري ولا يخرج المعاملة عن كونها تمليكاً للمعدوم أو لما لا يقدر على تسليمة ، وموردنا هو من هذا القبيل ولا فرق بين هذا المثال وبين ذاك.

فعلى هذا الأساس ليست الشروط دائماً تنفع وتُخرج المعاملة عن كونها تمليكاً للمعدوم أو لما لا يقدر على تسليمه ، نعم التعليق الذي ينفع هو مثل ملكتك هذا الشيء الموجود إن طلعت الشمس أو إن جئت إلى البيت ، والرجوع إلى البيت وطلوع الشمس شيء يطمأن إليه فهنا هذا تعليق فيمكن أن يقال أنَّ الصلح يتقبل مثل هذا التعليق ، أما التعليق بأن يخرج أسمي بالجائزة وأنه ملّكتك هذه السيارة على تقدير فوزك بالقرعة فهذا لا يخرجه عن كونه تمليكاً للمعدوم أو لما لا يقدر على تسليمه ، ولذلك ترى الطرف لا يفرح بهذا.

فعلى هذا الأساس ينبغي أن يفصّل في مسألتنا بما أشرنا إليه ، وهو أنه إذا كان البيع هو بيع للورقة فهو جائز ، وإذا كان البيع متعلّق والتمليك بلحاظ نفس الجائزة المحتملة فهذا تمليكٌ للمعدوم أو لما لا يقدر على تسليمة فيكون باطلاً.

بيد أنّ السيد الخوئي(قده) فصّل تفصيلاً ثنائياً[1] :- أي أنه تفصيل ذو شقين ، بينما في المسائل المستحدثة[2] فصّل تفصيلاً ثلاثياً ، أمّا التفصيل الثنائي فهو أنه فصّل هكذا حيث قال:- إنّه تارة يكون بذل الثمن مقابل الجائزة وهذا باطل.

وهو لم يعلّل ولعلّه للنكتة التي أشرنا إليها من أنّه تمليكٌ للمعدوم أو لما لا يقدر على تسليمه .

وأما إذا فرض أنه بذل الثمن مجّاناً لمشروعٍ خيري بأنّ أصحاب أوراق اليانصيب بذلوا الأوراق لأجل إنشاء مستشفيات أو مدارس أو ما شاكل ذلك ونحن ندفع الأثمان إلى تلك المشاريع ، فأنا أدفع هذ المال لشراء الورقة بنيّة المساهمة في ذلك المشروع الخيري غايته لأجل أن تشجّع الشركة أو البنك الناس على المساهمة في هذه المشاريع الخيرية يقولون نحن سنجري قرعةً بعد ذلك بأسماء من اشترك ، وهذا الشق الثاني قال عنه إنّه جائز ، ولماذا هو جائز ؟ إنه لم يبين ذلك.

ولكن ربما يخطر إلى الذهن:- بأنّ هذا مشاركة في مشروعٍ خيريّ فمن المناسب الجواز ، ولكن هذا ليس كلاماً علمياً بل النكتة العلمية هي أني أنا أُمَلِّك هذا الدينار - الذي هو ثمن البطاقة - للجهة المشرفة على المشروع الخيري على أن تصرفه في المشروع الخيري ولكنه تمليكٌ بشرط أن أشترك في القرعة وإذا فاز أسمي يعطوني الجائزة ، فهو تمليكٌ مشروطٌ بشرطٍ سائغ ، والتمليك المشروط بشرط سائغ لا بأس به ولا محذور فيه ، ونصّ عبارته:- ( لا يجوز بيع أوراق اليانصيب فإذا كان الاعطاء بقصد البدلية عن الفائدة المحتملة فالمعاملة باطلة ، وأما إذا كان الاعطاء مجّاناً وبقصد الاشتراك في مشروع خيري فلا بأس )[3] ، ولا يجفى أنّ العبارة ركيكة لأنه قال أوّلاً ( لا يجوز بيع اوراق اليانصيب ) فهو أوّلاً أعطى الحكم وأنه لا يجوز ثم جاء وفصّل ، بل المناسب أن يعبّر هكذا:- ( لا يجوز بيع أوراق اليانصيب إذا كان إعطاء الثمن بقصد البدلية عن الفائدة المحتملة ، وأما إذا كان الاعطاء ...... ).

وأمّا في مستحدثات المسائل فهو ذكر هاتين الصورتين وأضاف شقاً ثالثاً:- وهو أن يفترض أنّ الشخص يدفع المال لا بقصد شراء الجائزة المحتملة حتى يقال هذا شراء لما هو معدوم ولا تمليك مجاني للمشاريع الخيرية بل هذا إقراضٌ ، فأنا أدفع هذا الدينار كقرضٍ للشركة وهو قرضٌ مجّاني فأقول أقرضتكم هذا الدينار ، ومن الواضح أني أريد وصلاً بهذا القرض فهم يعطوني بطاقة الائتمان وهي عبارة عن وصلِ تحقّقِ الاقتراض وهذا القرض سوف يُرجَع إليَّ فيما بعد ولكن هنا يوجد شرط وهو أنه بشرط أنه عندما تجرون القرعة تشركوني فيها وهم يقبلون بذلك وتصير هذه الورقة مُبرزاً لاستحقاقي الاشتراك في القرعة ، فبطاقة اليانصيب هي وصلٌ لإثبات القرض وأيضاً هي وصلٌ لإثبات أنه لي حقّ الاشتراك في القرعة ، وإذا كان الدفع بهذا الشكل فهو لا يجوز لأنه قرضٌ بشرط نفعٍ - أي بشرط اشتراكه في القرعة - وكلّ قرضٍ جرّ نفعاً فهو ربا ، فإذن هذا يدخل تحت عنوان القرض الربوي وهو لا يجوز ، ونصّ عبارته:- ( الثالث:- أن يكون دفع المال بعنوان اقراض الشركة بحيث تكون ماليتها له محفوظة لديها وله الرجوع إليها في قبضة بعد عملية الاقتراع ولكن الدفع المذكور مشروط بأخذ بطاقة اليانصيب على أن تدفع الشركة له جائزة عند إصابة القرعة لاسمه فهذه المعاملة محرّمة لأنها من القرض الربوي )[4] .

وتعليقنا على ما أفاده(قده):- هو أنه كان من المناسب أن يذكر شقاً رابعاً وهو أن يكون الدفع مقابل نفس الورقة ، ولعلّه يرى أنّ البيع باطل ، وليكن باطلاً ولكن لابد وأن يذكره بعنوان احتمال وهو شيء مهم لأنّ هذا احتمال وجيه ولعلّ الناس يدفعون الثمن لنفس الورقة ولكن بداعي الفوز بالجائزة كما قلنا ، فهذا الاحتمال كان من المناسب أن يذكره نعم إذا كان يرى أنه هذا باطل باعتبار أنّ الورقة لا مالية لها مثلاً أمّا أنه لم يذكره أبداً فهذا يسجّل عليه.

إذن المناسب أن يذكر هذا الشقّ الرابع وهو أن يكون الدفع مقابل نفس بطاقة اليانصيب غاية الأمر يريد أن يحكم بالبطلان أو بالصحّة كما نحن حكمنا بالصحّة فهذا ضروري ويلزم ذكره.