33/01/21


تحمیل
  (بحث يوم السبت 21 محرم الحرام 1433 ه 45)
 تقدّم ذكر احتمال إرادة توثيق الرواة المباشرين عن الأئمة (عليهم السلام) في عبارة الشيخ المفيد في الرسالة لا جميع من وقع في طريق تلك الرواية وقلنا إن هذا يحلّ الإشكال في هذه الرسالة بمعنى أن الرواية لا تكون مشتملة حينئذ إلا على التضعيف والطعن في محمد بن سنان [1] دون التوثيق له الذي يبتني على فهم آخر للعبارة وهو توثيق كل من وقع في طريق السند .
 استدراك :
 كنّا قد ذكرنا في الدرس السابق أنه يظهر من السيد الخوئي (قده) أنه فهم الاحتمال الأول في العبارة [2] وقلنا إنه استناداً إلى ذلك وثّق أبا الجارود دون مثل عمرو بن شمر وغيره ممن وقع في الطريق .. ولكن يبدو بعد المراجعة أن الأمر ليس كذلك بدليل أنه (قده) يذكر من جملة الأدلة على وثاقة محمد بن سنان توثيق الشيخ المفيد له في الرسالة مع أنه ليس من الرواة المباشرين عن الإمام (عليه السلام) في الروايات التي ذُكرت في الرسالة وفي ضوء هذا يكون - وفق فهمه - أن كل من ذكرهم الشيخ هم من الرؤساء الأعلام الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام .. إلخ ، وكذلك وجدت غيره (قده) ينحو هذا المنحى أيضاً كالوحيد البهبهاني وآخرين فيظهر أنه واضح لديهم كون الشيخ المفيد قد وثّق بتلك العبارة محمد بن سنان وأضرابه ممن وقع في طريق أسانيد تلك الروايات بحسب هذا الفهم .
 وأقول : إنه بمراجعة عبارة الشيخ (قده) يتّضح أن الاحتمال الأول احتمال وارد والجزم بالاحتمال الثاني قد يصعب حمل العبارة عليه ، حيث قال :
 " وأما رواة الحديث بأن شهر رمضان .. فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد .. والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام .. وكلّهم قد أجمعوا نقلاً وعملاً (عليه السلام) على أن شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوماً نقلوا ذلك عن أئمة الهدى (عليهم السلام) وعرفوه في عقيدتهم واعتمدوه في ديانتهم .. فممن روى عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) أن شهر رمضان شهر من الشهور يُصيبه ما يُصيبه الشهور من النقصان أبو جعفر محمد بن مسلم .. إلخ " .
 إذاً فهو يذكر هاهنا محمد بن مسلم كما يذكر غيره أيضاً ممن ذكرنا أسماءهم فيبدو أن احتمال كون منظوره هو خصوص محمد بن مسلم وأمثاله من الرواة المباشرين لا مجموع الرواة في الأسانيد احتمال قائم لا دافع له فكيف يتأتى معه الجزم بالفهم الثاني [3] .. مع أن دعوى استظهار الفهم الأول من العبارة ليست بعيدة لاسيما إذا ضممنا إليها ما ذكره الشيخ المفيد نفسه في كلام سابق له من الطعن في محمد بن سنان والتضعيف له - وقد تقدّم نقل عبارته - فإن هذا يُشكّل قرينة واضحة ومرجّحة على أن مراده توثيق خصوص الرواة المباشرين وإلا لزم التهافت في كلامه وبعيد جداً صدورُه من مثلِه ، ومثلُه في البعد توهّم عدوله عن رأيه من تضعيف الرجل وأضرابه إلى القول بتوثيقهم مع أن محلّ ذلك إنما هي رسالته العددية وهي لا تبلغ إلا صفحات معدودة فكيف يُعقل عدوله من رأي إلى آخر فيها .
 هذا .. وقد تقدّم الجواب عمّا قد يُشكل في المقام من أن لازم هذا الفهم [4] أن يكون قد اعتمد روايةً وقع مثل محمد بن سنان في طريقها حيث قلنا إنه لا يبعد أن يكون قد أخذ الرواية من الأصل الذي ذُكرت فيه وهو كتاب أبي الجارود الراوي المباشر ومن المعلوم أن ضعف الطريق لا يؤثّر مع افتراض شهرة الأصل ومعلومية انتسابه إلى صاحبه .
 وكيف كان فالترجيح للاحتمال الأول [5] بموجب استظهار ذلك في نفسه مؤيّداً بالقرينة المذكورة .. وعلى ذلك فليس ثمة تهافت واضح في الرسالة العددية .
 نعم .. قيل كما عن غير واحد بأن التهافت إنما هو بين تضعيف محمد بن سنان في الرسالة العددية وتوثيقه في الإرشاد على ما ذكره فيه في باب من روى النصّ على الإمام الرضا (عليه السلام) بقوله : " فممن روى النص على الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته : داود بن كثير الرقي ، ومحمد بن إسحاق بن عمار ، وعلي بن يقطين ، ونعيم القابوسي ، والحسين بن المختار ، وزياد بن مروان ، والمخزومي ، وداود بن سليمان ، ونصر بن قابوس ، وداود بن زربي ، ويزيد بن سليط ، ومحمد بن سنان " [6] .
 والسؤال هنا أنه هل يؤثّر هذا الاختلاف في ما ذكره في الرسالة من التضعيف وما ذكره في الإرشاد من التوثيق من الأخذ بتوثيقاته في الرسالة ؟
 والجواب عدم التأثير لأن لهذا الرجل [7] خصوصية من بين من ذكرهم من الرواة حيث تعدّدت فيه الأقوال فيمكن افتراض اختلاف رأي الشيخ المفيد في كتابيه [8] فعدل في الإرشاد إلى مدحه لثبوت وثاقته عنده .
 والنتيجة أنه لا مانع من الأخذ بتوثيقات الشيخ المفيد مطلقاً [9] مع الأخذ بعين الاعتبار تطبيق القواعد العامة لعلم الرجال عليها من أنه إذا وجد لها معارض فيلزم التوقف عن الأخذ بالتوثيق في مورد المعارضة كما هو الحال في محمد بن سنان وأما في ما عدا هذه الحالة فتكون التوثيقات مستنداً لإثبات الوثاقة وهذا الرأي هو الحريّ بالقبول .
 هذا .. وممن وقع في السند سعد الإسكاف الذي اشتهر بروايته عن الأصبغ بن نباتة كما نصّ على ذلك كل من ذكره وترجم له فلا يُسمع لدعوى التشكيك في إمكان روايته عنه .. قال عنه النجاشي : " يُعرف ويُنكر " [10] ، ونقل الكشي عن حمدويه : " أنه كان ناووسياً وقف على أبي عبد الله (عليه السلام) [11] " [12] ، وضعّفه ابن الغضائري في كتابه .
 وفي مقابل ذلك ذُكر دليلان لإثبات وثاقته :
 الأول : ما ذكره الشيخ (قده) في رجاله [13] - بعد أن عدّه في أصحاب السجّاد (عليه السلام) - بقوله : " صحيح الحديث " ، وذكره في أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) من دون التعرّض إلى توثيقه ، فيقال إن قوله : " صحيح الحديث " شهادة منه بوثاقته .
 الثاني : سند رواية في الكافي [14] جاء فيها : " علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سعد بن طريف " [15] ، فيثبت بهذا السند أن ابن أبي عمير روى عن سعد بن طريف وهذا يكفي في توثيقه بناءً على وثاقة مشايخ ابن أبي عمير .
 هكذا ذُكر .. ولكن الظاهر أنه يمكن الخدشة في الدليل الثاني بدعوى سقوط الواسطة بين ابن أبي عمير وسعد بن طريف ، والظاهر أن الواسطة هو سيف بن عميرة لقرائن ثلاث :
 الأولى : ما ذكره في الكافي من سند رواية جاء فيها : " علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة عن سعد بن طريف " [16] ، فيقال إن هذا يُشكّل قرينة على أن السند الذي في الرواية السابقة هو أيضاً كذلك .
 الثانية : إن الشيخ الطوسي (قده) روى في التهذيب الرواية نفسها التي ذُكرت في الدليل الثاني بالسند نفسه ولكن مع ذكر الواسطة وهو سيف بن عميرة [17] .
 الثالثة : عدم ذكر المحققين لكون ابن أبي عمير ممن يروي عن سعد بن طريف مباشرة وإنما يروي عنه بواسطة سيف بن عميرة - عادة - أو غيره .
 فإن تمّ ما ذُكر دليلاً على القطع بوجود الواسطة فهو وإلا فلا أقلّ من احتمالها وهو كافٍ للمنع من الاستناد إلى ما ذُكر لإثبات وثاقة الرجل [18] .
 وعلى هذا فإن اعتمدنا تضعيفات ابن الغضائري وأخذنا بما ذكره من تضعيفه صريحاً [19] فحينئذ يحصل التعارض بينه وبين توثيق الشيخ الطوسي (قده) في قوله : (صحيح الحديث) ونتيجة ذلك عدم ثبوت الوثاقة ، لا من باب تقديم الجرح على المدح - الذي لا نعتدّ به - بل من باب استلزام التعارض للتساقط فيبقى الرجل بلا توثيق .
 وأما إذا خدشنا في تضعيفات ابن الغضائري ولم نعتمدها - كما ذهب إلى ذلك جملة من المحققين -فحينئذ يمكن الاعتماد على كلام الشيخ الطوسي (قده) من قوله : (صحيح الحديث) لإثبات وثاقة الرجل .
 اللّهم إلا أن يُشكّك في دلالة هذه العبارة على التوثيق من جهة أن معنى الصحة عند القدماء يختلف عنه عند المتأخرين فإنها عند القدماء وصف للحديث من جهة كون جميع رجال السند عدولاً على مذهب الإمامية فيوصف الحديث بكونه صحيحاً متى ما كان جميع رجاله على ذلك الطرز [20] .
 وأما الصحة عند المتأخرين مطابقة الحديث للواقع أي القطع بالصدور وهذا قد يحصل من أسباب شتّى غير وثاقة رجال الرواية من قبيل تدوين الحديث في المجاميع الحديثية ووصوله إلى الأصحاب بطرق مختلفة واهتمامهم به وعمل المشهور به بل عن بعضهم عدم مخالفته للقرآن الكريم وما يحكم به العقل .. فكل هذه الأمور قرائن يمكن تجميعها لتحصيل القطع بصدور الرواية أو الوثوق به وإن كان ثمة من هو ضعيف في رجال السند .
 هذا بالنسبة إلى حال سعد الإسكاف .
 وأما الأصبغ بن نباتة فقد نصّ النجاشي [21] والشيخ الطوسي في الفهرست [22] على أنه من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وفي الكشي [23] أنه من شَرَطة الخميس الذين ضمنوا للإمام (عليه السلام) الذبح وضمن لهم الفتح [24] ، وفي التحرير الطاووسي والخلاصة للعلامة عبّر عنه بأنه (مشكور) وقد نصّ كل من النجاشي والشيخ بأنه عمّر بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) وبه يندفع إشكال الإرسال في رواية سعد الإسكاف عنه بدعوى أن سعداً يروي عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) فكيف يمكن له أن يروي عن الأصبغ بن نباتة .
 ثم إنّا لو لم نستفد التوثيق له [25] فلا أقل من المدح غير المعارض بخلافه فيمكن الاعتماد على الرواية من جهته .
 بقي في المقام مشكلة محمد بن سنان فإذا التزمنا بوثاقته فتكون الرواية خالية حينئذ من الإشكال وسنبسط الكلام فيه إن شاء الله تعالى .
 


[1] والكلام وإن كان كبروياً بمعنى البحث في توثيقات الشيخ المفيد إلا أن المقصود منه بالذات هو تطبيق النتيجة على محمد بن سنان بالخصوص كونه أحد رجال سند الرواية المبحوث عنها - لتثبت له الوثاقة أو عدمها .
[2] وهو إرادة توثيق الرواة المباشرين عن الأئمة (عليهم السلام) .
[3] أي كون المنظور في التوثيق مجموع الرواة في الأسانيد .
[4] أي كون المنظور في التوثيق هم الرواة المباشرون عن الأئمة (عليهم السلام) .
[5] الهامش السابق .
[6] الإرشاد مج2 ص247 من الطبعة الحديثة .
[7] أي محمد بن سنان .
[8] وليس هذا كدعوى اختلاف رأيه في الرسالة نفسها كما عرفت وجهه من كونها عبارة عن صفحات يسيرة لا يُعقل معها تبنّي رأيين مختلفين والعدول من أحدهما إلى الآخر فيها .
[9] أي سواء كانت مذكورة في الرسالة العددية أو مذكورة في الإرشاد .
[10] رجال النجاشي ص176 .
[11] أي الإمام الصادق (عليه السلام) .
[12] اختيار معرفة الرجال مج2 ص476 .
[13] رجال الطوسي ص115 .
[14] الكافي باب من غسّل مؤمناً الحديث الثاني مج3 ص164 .
[15] الذي هو سعد الإسكاف ، قال الكشي : " قال حمدويه : سعد الإسكاف وسعد الخفاف وسعد بن طريف واحد " اختيار معرفة الرجال مج2 ص476 .
[16] الكافي باب من كفّن مؤمناً - وهو حديث واحد مج3 ص164 .
[17] أقول : بعد المراجعة إلى الموضع المشار إليه من التهذيب (مج1 ص45) وجدت أن السند هكذا : " عنه (يعني علي بن إبراهيم) عن أبيه عن سيف بن عميرة عن سعد بن طريف " أي من غير ذكرٍ لابن أبي عمير .
[18] يعني سعد الإسكاف .
[19] الثابت بحسب نقل مجمع الرجال له الذي يُستند إليه لإثبات ما في كتاب الضعفاء لابن الغضائري ، وأما ما ذكرناه من كونه (يُعرف ويُنكر) أو كونه (ناووسياً) فليست مؤثرة في المقام فإن التعبير الأول معهود لديهم في إطلاقه على من يروي روايات مختلفة من حيث المضمون العقائدي حيث يُنكر المضمون في بعض الأحيان عند الأصحاب ، وأما التعبير الثاني فمن الواضح عدم تأثيره بناءً على اشتراط الوثاقة لا العدالة (منه دامت بركاته) .
[20] لاحظ في معنى صحة الحديث كتاب الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني ص77 .
[21] رجال النجاشي ص8 .
[22] الفهرست ص85 .
[23] اختيار معرفة الرجال مج1 ص321 .
[24] الشَّرَط (بفتح الراء) بمعنى العلامة وجمعه أشراط ومنه أشراط الساعة أي علاماتها ، ومنه أيضاً قولهم (شرطة الخميس) لطائفة من الجيش تقدم أمام الجند لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يُعرفون بها ( يُلاحظ حاشية المكاسب للسيد اليزدي (قده) ط . ق مج2 ص106 - القرص الليزري مكتبة أهل البيت - ) .
[25] أي للأصبغ بن نباتة .