37/11/18


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 20 ) حرمة السحر - المكاسب المحرمة.

إن قلت:- إنه توجد عندنا رواة أو روايتان تفسّران الآية الكريمة بما يتلاءم مع الاحتمال الأوّل - يعني أنّ سبب الكفر هو التعليم والتعلم - وهما:-

الرواية الأولى:- عن الامام العسكري عليه السلام حيث قال في مقام بيان الآية الكريمة:- ( فلا تكفر باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار به )[1] .

وعلى منوالها الرواية الأخرى عن الامام الرضا عليه السلام[2] .

إذن بمقتضى هاتين الروايتين تكون الآية الكريمة ناظرة إلى الاحتمال الأوّل وليس إلى الاحتمال الثاني الذي أبديناه وأشرنا إليه ، وبذلك يتم الاستدلال بالآية الكريمة ولا مشكلة.

قلت:-

أوّلاً:- إنّ هذا بالتالي استدلال بالرواية وليس بالآية الكريمة ، إنما يصير الاستدلال بالآية الكريمة لو خلّينا نحن وهي من دون ضمّ ضميمة ، أما إذا ضممنا ضميمة فحينئذٍ تلك الضميمة يكون لها مدخلية ، فالرواية تكون دالّة بسبب تفسير الامام عليه السلام للآية الكريمة على التحريم.

ثانياً:- إنّ كلتا الروايتين ضعيفتا السند باعتبار ورود عدّة مجاهيل في السند.

فالرواية الأولى سندها هكذا:- ( عيون الأخبار عن محمد بن القاسم المفسّر عن يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن ابويهما عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه عليهم افضل الصلاة والسلام ) ، وأكثرهم أو كلّهم مجاهيل.

والرواية الثانية التي عن الإمام الرضا عليه السلام سندها هكذا:- ( عيون الأخبار عن تميم بن عبد الله القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن علي بن الجهم عن الرضا عليه السلام ) ، وهي على نفس المنوال السابق في سند تلك الرواية.

إذن يشكل التمسّك بهما ، هذا بالنسبة إلى آية هاروت وماروت.

وهناك بعض الآيات الكريمة التي أقصى ما تدلّ عليه هو أنّ الساحر لا يفلح وهذا كما ترى لا يدلّ على الحرمة:-

من قبيل:- ﴿ قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحرٌ هذا ولا يفلح الساحرون ﴾[3] .

وعلى منوالها آية:- ﴿ وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ﴾[4] ، والأمر كما ذكرنا فأقصى ما تدلان عليه هو نفي الفلاح .

ولعلّه من هنا تتضح النكتة في أنه لماذا الشيخ الأنصاري(قده) وبعضٌ آخر من الفقهاء في مقام الاستدلال على حرمة السحر لم يستدلوا بالكتاب الكريم ولم يذكروا آية ولعلّ النكتة ما أشرنا إليه من أنّ الآية الأولى - أي آية هاروت وماروت - مجملة لوجود الاحتمال الثاني وبقيّة الآيات أقصى ما تدلّ عليه هو نفي فلاح الساحر وهو لا يدلّ على التحريم.

والغريب من صاحب الجواهر(قده):- فإنه ليس من البعيد أنه يظهر منه الاستدلال بالكتاب الكريم حيث قال ما نصّه:- ( والكتاب والسنّة قد تطابقا على حرمته وأنه من عمل المفسدين الذين لا يفلحون بل في ظاهر آية هاروت وماروت ما يقتضي كفر عامله ومعلِّمه )[5] ، إن هذا ربما يفهم منه أنّه يبني على الاحتمال الأوّل الذي أشرنا إليه.

إذن المهم في مقام الاستدلال ليس هو الكتاب الكريم وإنما هو الروايات.

ونذكر في هذا المجال عدّة روايات ولعلّها خمس:-

الرواية الأولى:- موثقة اسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه أن علياً عليه السلام كان يقول:- ( من تعلَّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربه وحدّه القتل إلا أن يتوب )[6] ، إنها دلت على أنّ من تعلَّم شيئاً من السحر لابدّ وأن يقتل ، وحينئذٍ نقول:- التعلُّم إما أن تكون حرمته حرمة طريقية باعتبار أنه طريق وسبب إلى العمل ، أو نقول إنّ حرمته نفسية بقطع النظر عن العمل ، أما على التقدير الأوّل فلازم الحرمة الطريقية هو حرمة العمل وإنما صار التعلّم محرّماً لأجل حرمة العمل فيثبت المطلوب ، وأما على التقدير الثاني فنقول إنه يوجد في العمل تعلُّمٌ وزيادة فيلزم أن يكون حراماً بالأولويّة ، يعني من يعمل السحر فحتماً هو قد تعلّمه والآن هو يطبّق ما تعلّمه ففيه إذن تعلُّمٌ وزيادة فعلى هذا الأساس من يعمل السحر يستحق القتل ولو لجنبة التعلّم إذ بالتالي هو قد تعلّم فلابدّ وأن يقتل آنذاك غاية الأمر هو يقتل على تعلّمه لا على عمله وهذا مطلبٌ آخر بالتالي سوف يثبت أنه لابدّ وأن يقتل ، بل يمكن أن يدّعى أنّ العرف يرى أولويّةً عرفيّة ، يعني من يتعلَّم إذا كان يقتل فبالأولى من يعمل لأنّ الأثر من العامل أكثر ممّا يحصل من المتعلّم فالمتعلم قد يبقي ذلك في قلبه أما هذا فقد طبّقه في الخارج ، فتوجد قطعيّة عرفيّة - لا عقلية حتى تشكل - ، فعلى هذا الأساس يمكن أن نستفيد من هذه الرواية حرمة العمل . هذا من حيث الدلالة.

وأما من حيث السند:- فقد رواها الشيخ الطوسي بإسناده ( عن الصفّار عن الحسن بن محمود الخشّاب عن غياث بن كلوب بن قيس البجلي عن اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه ) ، أما بالنسبة إلى سند الشيخ إلى محمد بن الحسن الصفّار فهو سند معتبر ولا كلام في ذلك ، ونفس الصفّار هو من أجلّة أصحابنا ، وأما الحسن بن موسى الخشّاب فقد قال عنه النجاشي ( من وجوه أصحابنا ) والتعبير بالوجه كما ذكرنا أكثر من مرّة أنه يمكن أن نستفيد منه التوثيق فإنه عادةً لا يقال للشخص الذي لم تثبت وثاقته أنه من وجوه أصحابنا فإذن هذا التعبير فيه دلالة على التوثيق.

بيد أنّ السيد الخوئي(قده) في بعض عبائره يذكر أن كلمة ( وجه ) أو ( من وجوه ) لا يدلّ على التوثيق بل يدلّ على كونه شخصية عظيمة ، فهو لا يدل على التوثيق لكنه يدلّ على المدح والحسن ، فإذا دلّ على المدح والحسن فنضمّ مقدّمة وهي أنّ سيرة العقلاء كما جرت على العمل بخبر الثقة جرت أيضاً على العمل بخبر الممدوح ، هكذا ادَّعى(قده).

ولكن هذا لا نحتاج إليه بعد أن قلنا إنّ تعبير ( من وجوه أصحابنا ) يدلّ على التوثيق ، وهذا يعني أنه يدلّ على أنّ السيد الخوئي(قده) يشعر من أعماقه أنّ هذا التعبير لا نستطيع أن نتجاوزه ولكنة أرد طريقة علمية فسلك هذا لطريق العلمي ، ولكن يا ترى هل نقول هذا الكلام في كلّ مدحٍ كما لو قيل ( رجل فاضل ) فهذا أيضاً مدحٌ ، أو قيل ( دافع عن المذهب ) فهذا مدحٌ أيضاً ولكن هل تأتي هنا وتقول إنَّ السيرة تدلّ على الأخذ بقوله ؟ كلا إنّ الوجدان ليس فعّالاً في هذه الحالة - وهذه قضيّة ليست مهمة-.

وأما غياث بن كلوب بن قيس البجلي فهو قد ذكره الشيخ في العدّة لكنه توجد عنده عبارة في باب خبر الواحد وذكرناها كثيراً أنّ بعض رواة العامّة إذا لم يكن لرواياتهم معارض عملت الطائفة برواياتهم ومن ذلك السكوني وغياث بن كلوب ، فبناءً على عبارة الشيخ الطوسي من أنّ الطائفة قد عملت برواياتهم فلا مشكلة من ناحيته.

وأما اسحاق بن عمّار فهو إما متعدّد وهما اثنان أحدهما من الفطحية وهو ابن عمار الساباطي والآخر من غير الفطحية لكنه موثّق أو نقول هو واحد ، ولكن على كلا التقديرين هذا لا يؤثر إذ بالتالي من ناحيته هو ثقة ولكن هل نعدّ الرواية بسببه موثّقة أو نعدّها صحيحة فهذا كلامٌ آخر وليس بالمهم.

إذن اتضح أنّ هذه الرواية يمكن قبولها سنداً والحكم بحجيتها ودلالةً فهي لا بأس بها.

الرواية الثانية:- ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفّار عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن آباءه عليهم السلام قال:- ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الساحر فقال:- إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه )[7] ،

وتقريب الدلال:- هو أنّه لا يبعد أن يكون المقصود من الساحر هو من يزاول العمل ، فإن كان هذا هو المقصود فيثبت حينئذٍ حرمة العمل كما هو واضح ، وأما إذا كان المقصود من السحر هو من يعرف هذه المهنة من دون أن يزاولها خارجاً فحينئذٍ يأتي البيان السابق الذي ذكرناه في الرواية الأولى من أنه إما حرمة التعلّم مأخوذة بنحو الطريقية أو مأخوذة بنحو النفسية وعلى كلا التقديرين يثبت المطلوب.

يبقى أنك قد تقول:- إنّ هذه الرواية تجعل المدار على مجيء رجلين عدلين يشهدان ولا يكفي أن يكون ساحراً ؟

والجواب:- إنّ هذا مأخوذ بنحو الطريقية إلى إثبات أنه ساحر ، لأنه كيف نثبت أنه ساحر ؟ إنه من طريق الشهود ، فهذا ليست له مدخلية.

يبقى الكلام من حيث السند:- فالشيخ روى الرواية بسنده إلى الصفّار وقد وقلنا إنّ سنده إلى الصفّار لا مشكلة فيه ، والصفّار هو محمد بن الحسن وهو من أجلّة أصحابنا ، وأما أبو الجوزاء فهو المنبه بن عبد الله الذي يقال له أبو الجوزاء التميمي فهذا الرجل قال عنه النجاشي:- ( صحيح الحديث له كتاب ) ، وهل نستفيد من هذا التعبير اعتبار الرجل أو لا ؟ إنه إذا كان صحيح الحديث فلا نتوقّف من هذه الناحية.

وأما الحسين بن علوان فقد قال عنه النجاشي:- ( مولاهم كوفي عامي وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ثقة رويا عن أبي عبد الله عليه السلام وليس للحسن كتاب والحسن أخصّ بنا وأولى ).

وأنا أذكر درس السيد الخوئي(قده) في هذه العبارة لأنه يوجد فيها قيل وقال لأنّ النجاشي قال:- ( وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ثقة ) ، فكلمة ثقة ترجع إلى مَن ؟ فهل ترجع إلى الأخ الحسن أو ترجع إلى الحسين بن علوان الذي ذكر في البداية ؟ وكان السيد الخوئي(قده) يقول على ما أتذكّر:- إنّ جملة ( وأخوه الحسن يكنى أبو محمد ) وكلمة ( ثقة ) لابدّ وأن ترجع إلى من هو محور الحديث الذي يتكلّم عنه وهو كان يتكلّم عن الحسين بن علوان فالظهور يقتضي ذلك ، وهذا ليس ببعيد.

وقد تقول:- يمكن التغلّب على مشكلة الحسين بن علوان من ناحيةٍ أخرى ، لئن أصبح كلام الشيخ النجاشي مجملاً فيوجد عندنا طريق آخر وهو أنّ العلامة في رجاله قال:- ( عن ابن عقدة أن الحسن كان أوثق من أخيه الحسين )[8] ، وقد قرأنا في النحو أنّ صيغة التفضيل تدلّ على المشاركة وهذا ليس لأجل حجية قول النحاة فإنّ قولهم ليس له حجية بل عرفاً يفهم هذا ، ففلان أوثق من فلان يفهم منه أنّ كليهما ثقة ولكنّ هذا أشدّ وثاقةً ، فإذن سوف نتغلّب على مشكلة الحسين بهذا الطرق ولا مشكلة فيه.

ولكن قد يقال:- من أين رأى العلامة ابن عقدة ونقل عنه هذا الكلام ؟!

إن قلت:- إنّ العلامة لابدّ وأن يكون عنده طريق معتبر فإنه من كبار المحقّقين.

قلت:- هذا ليس كلاماً علمياًً ، أما أنه كلّ ما يقوله حتماً فيه طريق معتبر فلا ، بل لعلّه يوجد عنده طريق يحصّل له الاطمئنان لو اطلعنا عليه نحن فقد لا نراه موجباً للاطمئنان ، فإذن هذا الطريق مشكلٌ ، أما الطريق الأوّل فهو لا بأس به وهو أن نقول إنّ كلمة ( ثقة ) ترجع إلى من هو محور الحديث.


[8] رجال العلامة، العلامة، ص216، ط المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف.