33/06/21


تحمیل
  (بحث يوم الأحد 21 جمادى الثانية 1433 هـ 132)
 الموضوع :- إعادة طرح المسألة العشرين / هل أن حكم الحاكم نافذ وعلى فرض نفوذه فهل هو مطلق / الحالات التي وقع التشكيك في نفوذ حكم الحاكم فيها / الحالة الأولى : فرض العلم بخطأ الحكم / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 تقدّم الكلام في المسألة العشرين ولا بأس بإعادة طرحها لمزيد التوضيح ، فأقول :
 هناك أمور ثلاثة :
 الأول : في حكم الترافع من قبل المتخاصمين أو أحدهما إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول فهل هو جائز أم لا ؟
 الأمر الثاني : أنه بعد فرض إعادة رفع القضية إلى حاكم آخر فهل يجوز له النظر فيها لأجل الحكم أم لا ؟
 الأمر الثالث : أنه بعد فرض نظر الحاكم الآخر في القضية التي فُرض إعادة رفعها إليه وكان رأيه في الحكم فيها مخالفاً لرأي الحاكم الأول فهل يجوز له نقض حكمه [1] أم لا ؟
 ومعرفة حكم هذه الأمور الثلاثة من حيث الجواز وعدمه يرتبط في الحقيقة ببحث قضية تقدّمت الإشارة إليها وهي أن حكم الحاكم هل هو نافذ أم لا ؟ وإذا كان نافذاً فهل يكون نفوذه عاماً بالنسبة إلى جميع الأحوال وبالنسبة إلى كل الأشخاص أم يكون نافذاً في الجملة بالنسبة إلى هذين الأمرين ؟
 والسرّ في هذا الارتباط هو أن نفوذ حكم الحاكم يقتضي عدم الجواز في الأمور الثلاث فإن معنى نفوذ حكمه هو مضيّه على جميع الأطراف ولزوم تسليمهم له وقبولهم به ولازمه عدم جواز أيّ عمل يستلزم ردّه وعدم الإذعان له ، وإعادة رفع القضية نفسها إلى حاكم آخر ونظره فيها لأجل أن يُصدر حكمه ونقضه للحكم السابق فيه منافاة واضحة لنفوذ حكم الحاكم الأول .. ومن هنا كان لا بد من إثبات أن حكم الحاكم هل هو نافذ أم لا وأنه على تقدير نفوذه هل يكون نافذاً في جميع الحالات وبالنسبة إلى كل الأشخاص أم أنه يكون نافذاً في الجملة .
 ومما لا إشكال فيه أنه على تقدير النفوذ وكونه ثابتاً مطلقاً [2] فالحكم هو عدم الجواز في الأمور الثلاثة المتقدّمة جميعاً فلا الترافع ولا النظر ولا النقض يكون جائزاً لأن هذا كله خلاف نفوذ حكم الحاكم .
 وأما إذا فُرض ولو فرضاً ثبوتياً كون النفوذ ثابتاً في الجملة [3] فلا بد حينئذ من التقيّد بذلك فإذا كان نافذاً في حقّ المحكوم عليه فقط دون غيره لم يجز له ردّ الحكم برفعه إلى حاكم آخر لأن المفروض أن الحكم نافذ بحقّه ، وأما غيره فحيث لم يكن الحكم نافذاً بحقّه بحسب الفرض فيجوز له ردّه ، كما أنه لو فُرض أنه استفيد من الأدلة أن حكم الحاكم يكون نافذاً في حالة معيّنة فعدم جواز الردّ وإعادة رفع القضية إلى حاكم آخر ونظره فيها ونقضه للحكم السابق إنما يثبت في تلك الحالة وأما في غيرها فتلك الأمور كلّها تكون جائزة .
 إذا تبيّن هذا فأقول :
 لا ينبغي الإشكال أو الشكّ في نفوذ حكم الحاكم في الجملة لدلالة المقبولة عليه أولاً لكونها صريحة في نسبة حكم الحاكم إليهم (عليهم السلام) بل جعله حكمهم وأن الرادّ عليه كالرادّ عليهم والرادّ عليهم كالرادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله تعالى ولا ريب أن معنى هذا نفوذ حكمه وعدم جواز ردّه ، وكذا دلالة ما أشير إليه سابقاً من عدم تعقّل مشروعية القضاء من دون النفوذ .
 وبعبارة أخرى : أن القضاء إما أن لا يكون مشروعاً فلا يكون نافذاً أو إذا كان مشروعاً فيجب أن يكون نافذاً فالتفكيك بين المشروعية والنفوذ بأن يكون القضاء مشروعاً ولكنه ليس نافذاً غير متصوّر في المقام ، والمراد من المشروعية هاهنا ليست المشروعية المستفادة من الأصل العملي كالاستصحاب بل تلك المستفادة من الأدلة الخاصة الواردة في باب القضاء وهي تكون ملازمة لنفوذ القضاء قهراً لأن المستظهر من تلك الأدلة - كما تقدّم مراراً - أن تشريع القضاء إنما هو لإنهاء النزاع وحلّ الخصومة وغلق القضية حتى لا تبقى مثاراً للجدل والنزاع والخصومة وتحقيق هذا الغرض يتوقف على نفوذ حكم الحاكم ، ومن هنا نقول إن المشروعية بلا فرض النفوذ ليس لها معنى وعلى ذلك فالالتزام بمشروعية القضاء - كما يدل عليه الدليل - التزام بنفوذ حكم الحاكم بالملازمة .
 إذا تبيّن هذا فيقع الكلام في حدود هذا النفوذ فهل هو مطلق أم مقيّد ؟
 ولا بدّ من الإشارة أولاً إلى أن حكم الحاكم إنما يكون مشروعاً ونافذاً إذا كان على طبق الموازين المقررة شرعاً في باب القضاء ، وهذا واضح بملاحظة أدلة المقام كالمقبولة فإن مقصوده (عليه السلام) من حكم الحاكم إنما هو الحكم الصادر على طبق الموازين المقررة من حاكم جامع للشرائط المعتبرة فذاك هو الذي جعله (عليه السلام) بمنزلة حكمه وأن الرادّ عليه رادّ عليه (عليه السلام) وهو على حدّ الشرك بالله ، وأما الحكم المخالف لتلك الموازين فمن الواضح أنه ليس حكمهم (عليهم السلام) ولذا لا يكون مشمولاً لأدلة المشروعية والنفوذ فلا يحرم ردّه ولا إعادة رفع القضية إلى حاكم آخر ولا يحرم كذلك نظره فيها أو نقضه للحكم السابق فالميزان العام إذاً للحكم النافذ هو ما كان على طبق الموازين الشرعية المقررة في باب القضاء فما لا يكون كذلك لا يكون نافذاً وبالتالي يجوز معه الردّ والنظر والنقض ولذلك استُثني كما في المتن صورتان على نحو الخروج الموضوعي والاستثناء التخصّصي إحداهما ما إذا كان الحاكم فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة قطعاً في باب القضاء كالعدالة ، والأخرى ما إذا كان حكمه مخالفاً لدليل قطعي من الكتاب والسّنة .
 نعم .. هناك حالات وقعت محلاً للكلام في أن حكم الحاكم هل يكون نافذاً فيها أم لا وذلك من جهة التشكيك في أن الحكم في مواردها هل هو واجد للموازين المعتبرة أم ليس واجداً لها أو قد يكون واجداً بحسب الظاهر لها ومع ذلك يقع التشكيك في نفوذه ، وهي :
 الحالة الأولى : فرض العلم بخطأ الحكم .
 ومُثّل له بما لو رُفع إلى قاضِ نزاعٌ في دار وكان المدّعي يملك بيّنة فحكم الحاكم استناداً إلى بينته - التي يُفترض أنها واجدة للشرائط المعتبرة في باب البيّنة كما هو الميزان المقرّر شرعاً - بأن الدار للمدّعي لكنّ الطرفَ الآخر وهو المحكوم عليه أو شخصاً آخر غيره أجنبياً عن القضية كان يعلم بأن الحكم غير مطابق للواقع وأن الدار ليست للمدّعي فالحكم هنا وإن كان على طبق الموازين الظاهرية إلا أنه ليس مطابقاً للواقع ففي هذه الحالة هل يكون نافذاً أم لا ؟ وهل يجوز للمحكوم عليه أو للشخص الأجنبي أن يعمل عملاً منافياً لهذا الحكم كاشفاً عن ردّه وعدم قبوله به ؟
 الظاهر عدم جواز ذلك فإن حكم الحاكم في الحالة المذكورة يكون نافذاً في حقّ المحكوم عليه وفي حقّ الشخص الآخر وواجب الاتّباع فلا تجوز مخالفته مطلقاً سواء تمثّلت بالترافع إلى حاكم آخر أو بنقض الحكم أو بالإتيان بعمل خارجي منافٍ لما يقتضيه ذلك الحكم فإن الردّ يصدق في كل تلك الحالات لحكم مشروع نافذ والردّ محرّم ، والدليل عليه إطلاق المقبولة فيشمل المحكوم عليه وغيره ، ولم تؤخذ فيها المطابقة للواقع حتى يقال بأن الحكم الظاهري إذا كان يُعلم بمخالفته للواقع لا يكون حجة بل المعوّل على الحكم الجاري على وفق الموازين المقررة شرعاً ولو كان مخالفاً في نظر بعض أطراف الدعوى أو غيرها للواقع بغض النظر عن قراءة الأفعال الواردة في المقبولة بالبناء للمجهول أو المعلوم [4] أما على الأول فواضح وأما على الثاني فلأنه لا يُقصد أن يكون هذا حكم الله في حقّ المحكوم عليه فقط وإنما المقصود أن هذا حكم يُنهي القضية والخصومة وهذا يُناسب أن يكون نافذاً في حقّ الجميع .
 إذاً مقتضى إطلاق المقبولة هو النفوذ في حقّ الجميع من دون فرق بين المحكوم عليه والمحكوم له وحاكم آخر مجتهد أو غير مجتهد فلا يجوز الترافع والنظر والنقض مطلقاً .
 هذا هو الصحيح في هذه الحالة الأولى .
 وسيأتي الكلام في بقية الحالات إن شاء الله تعالى .


[1] أي حكم الحاكم الأول .
[2] أي بلحاظ جميع الحالات والأشخاص .
[3] أي في حقّ شخص دون آخر أو في خصوص حالة دون أخرى .
[4] أي سواء قُرئت : (فلم يُقبَل منه .. فقد استُخفّ .. وعلينا رُدّ) بضم الياء من الفعل الأول والتاء من الثاني والراء من الثالث أو قُرئت : (فلم يَقبَل منه .. فقد استَخفّ .. وعلينا رَدّ) بفتحها في الجميع .