38/07/07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/07/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تشبه الرجال بالنساء في اللباس وبالعكس – المكاسب المحرمة.

الملاحظة السابعة:- التشبه بالكافر في اللباس.

هذه المسألة لم أعثر على من تعرض إليها على مستوى البحث ، نعم السيد اليزدي(قده) في العروة الوثقى[1] في باب مكروهات لباس المصلّي يذكر من جملة المكروهات أنَّ يلبس المصلّي ملابس الكفار فهو يذكره على مستوى الكراهة في أثناء الصلاة ، فتوجد كراهة وكلباس أثناء الصلاة ، وهذه المستحبات والمكروهات حينما يصل شرّاح العروة مثل السيد الحكيم والسيد الخوئي إليها تجد أنهم يتركونها ولا يتعرضون إليها والمنهج العام لهم ذلك ، هذا ما ذكره السيد اليزدي كإشارةٍ لا أكثر.

وأيضاً أشار صاحب الحدائق[2] بهذه المناسبة إلى لبس ملابس الكفّار وذكر بعض الروايات ومرّ مرور الكرام وأنهى الموضوع من دون بحث.

وإذا رجعنا إلى الوسائل وجدنا أنه يذكر في عنوان الباب في جملة ما يذكر ( عدم جواز مشاكلة الأعداء في اللباس وغيره ) وهذا يستكشف منه رأي صاحب الوسائل(قده) أنه يرى عدم الجواز.

وعلى أي حال توجد رواية متعددة في هذا المجال ومهمها ثلاث روايات:-

الرواية الأولى:- ما أشار إليه الصدوق بإسناده عن اسماعيل بن مسلم[3] عن الصادق عليه السلام قال:- ( إنه وحى الله إلى نبي من أنبيائه قل للمؤمنين لا تلبسوا لباس أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي )[4] ، وقد رواها الشيخ الصدوق(قده) في العلل على ما أشار صاحب الوسائل(قده) حيث قال:- ( ورواه في العلل عن محمد بن الحسن[5] عن الصفار[6] عن العباس بن معروف[7] عن النوفلي عن السكوني ، ورواه في العيون عن تميم بن عبد الله بن تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الانصاري عن عبد السلام بن صالح الهروي[8] عن الرضا عليه السلام ) ، فإذن عرفنا الرواية بأسانيدها الثلاثة.

وتقريب الدلالة:- إننا نحتاج إلى شيئين:-

الأوّل:- أن نقول إن ( اعدائي ) المصداق البارز له الكفار.

الثاني:- إنَّ هذا في الأمة السابقة ونحن نريد ذلك في أمة الاسلام وإلا فهذه الرواية لا تفيدنا فنحتاج إما إلى استصحاب أحكام الشرائع السابقة بناءً على جريانه فنستصحب بقاء الحكم إلى شريعتنا ، وإما إذا كانت هذه الضميمة مكلفة لأنها تحتاج إلى أن نبني على مبنىً في الأصول وهو أنَّ استصحاب أحكام الشرائع السابقة يجري أو لا يجري وهل هو معارض أو ليس بمعارض وهل الموضوع واحد أو ليس بواحد فإنَّ هذا فيه قال وقيل ، ولكن هناك طريقة ثانية وهي أن نقول: إنَّ نقل الامام عليه السلام لهذا المضمون من دون تعلقٍ عليه يدل بالدلالة العرفية على امضاء ذلك وأنه أنتم أيها المسلمون ينبغي أن تكونوا كذلك وإلا كان النقل لغواً ، فالمقصود نحن نحتاج إلى هاتين النقطتين لتتميم الدلالة.

أما بالنسبة إلى السند:- فالمشكلة في الطريق الأوّل ليس من ناحية السكوني لأنّ الشيخ في العدّة قال ( عملت الطائفة برواياته ) ، بل المشكلة في الحسين بن يزيد النوفلي وهو لا يوجد توثيق في حقه ، فإذا قبلنا وروده في تفسير القمّي أو كامل الزيارات فهذا لا بأس به ، وإذا لم نقبل بهذا فنأتي ونقول هو قد روى الكثير عن السكوني وحيث إنَّ الطائفة على ما قال الشيخ الطوسي قد عملت بروايات السكوني فبالدلالة الالتزامية يثبت أنها عملت بروايات النوفلي وغضّت النظر عنه وإلا فهي لم تعمل بروايات السكوني ، يعني الغالب منها سوف يطرح لأنها في الغالب وردت عن النوفلي ، فإذا قبلنا بهاتين الطريقتين فبها ونعمت ، وإذا لم نقبل بهما فإن الطريق الأوّل لم نقبله وهو تفسير القمي أو كامل الزيارات وهذا الطريق الثاني أيضاً لم نقبله وقلنا إنَّ قول الشيخ ( إنَّ الطائفة عملت بروايات السكوني ) من المحتمل أنَّ المقصود من ذلك أنه من زاويته ومن ناحيته قد عملت الطائفة برواياته لا أنها عملت برواياته بمعنى أنها غضّت النظر عن جميع السند ، كلا بل من ناحيته فقط تعمل برواياته يعني لا تتوقف وهذا لا ينافي أن تتوقف من ناحية غيره ، كما هو الحال بالنسبة إلى بني فضّال فإنَّ الرواية قالت:- ( خذوا ما رووا وذروا ما رأوا ) وقد قلنا الشيخ إنَّ الأنصاري(قده) أخذ بهذه الرواية فمتى ما جاء في سند الرواية أحد بني فضّال أخذ بكل السند ، ولكن هناك قيل إنه من القريب أن يكون المقصود من ( خذوا ما رووا ) يعني لا تتوقّفوا من ناحيتهم لا من ناحية غيرهم وإلا صار حالهم أحسن من حال زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما ، فهذا شيء محتمل وإذا صار محتملاً فسوف يصير هذا الكلام مجملاً فلا يمكن التمسّك به ، فالنوفلي على هذا الأساس سوف يكون فيه تردد واشكال وعليك أن تبني على شيء ، فإذا بنينا على الأخذ بروايته فبها ، وأما إذا توقفنا فالأمر مشكل من ناحيته ، إلا أن نعوّض بالسند الأوّل وهو سند الصدوق(قده) في الفقيه فنقول فلنلاحظ سند الصدوق في الفقيه فإذ كان تاماً فلنعوض به.

وجوابه: إنَّ السند في الفقيه ينتهي إلى النوفلي أيضاً ، حيث ورد هكذا:- ( وما كان فيه عن اسماعيل بن مسلم الكوفي السكوني فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله الأشعري عن ابراهيم بن هاشم عن الحسن بن يزيد النوفلي عن اسماعيل بن مسلم السكوني )[9] ، فإذن ورد الحسن بن يزيد السكوني في هذا السند ، فإذن سند الفقيه لا ينفعنا.

ولنلاحظ السند الثالث الوارد في عيون أخبار الرضا فهو من بدايته فيه مجاهيل ، وهو ( تميم بن عبد الله بن تميم القرشي عن ابيه عن احمد بن علي الأنصاري .. ) فهؤلاء كلّهم مجاهيل ، فإذن هذا الطريق ليس معتبراً أيضاً .

إذن الرواية بطرقها الثلاث غير معتبرة ، اللهم إلا أن تقول إنه في الفقيه والعلل روى الرواية الشيخ الصدوق عن النوفلي عن السكوني وهذا يحسب بمثابة واحدٍ لأنه انتهى إلى النوفلي عن السكوني ، ولكنه في العيون رواها عن عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا وهذا طريق آخر لا يشترك مع ذلك الطريق في شيء ، فحينئذٍ تقول إنَّ ضمّ هذا الطريق إلى ذاك الطريق يورث الاطمئنان ، نعم إذا كان ينتهي إلى النوفلي صار واحداً أما حينما صار الهروي عن الرضا فلا يوجد سكوني ولا يوجد النوفلي فهذا سوف يكون طريقاً ثانياً ، يعني وصل هذا المعنى إلى الصدوق بطريقين متغايرين ، فإذن ربما يحصل لشخص الاطمئنان من هذه الناحية ، والأمر إليك.

أما من ناحية الدلالة:- فنفس الصدوق(قده) في كتاب العيون قال إن معنى ( لباس أعدائي ) يعني السواد حيث قال ( لباس الأعداء هو السواد )[10] يعني أنَّ الشيخ الصدوق فسّر اللباس بالسواد ( وأعدائي ) فسّره ببني العباس لأن شعارهم كان هو الملابس السود.

والعهدة عليه ، لأنه إذا قبلت بهذا فالرواية سوف لا تنفعنا حينئذٍ لأنها ناظرة إلى بني العباس ، يعني لا تلبس لباس بني العباس ونحن نريد لباس الكفّار أما هذا فهو تشجيع لبني العباس فهذا اللباس مرفوض ، وسوف تكون هذه قضية في واقعة.

وفسّر صاحب الحدائق(قده)[11] الأعداء باليهود والنصارى والمخالفين ، وبناءً على هذا سوف تنفعنا الرواية.

والمناسب أن يقال:- إنه قد ورد نهي عن التلبّس بلباس الأعداء وكلمة ( الأعداء ) كلمة عامة تشمل جميع الأعداء ولا تختص بالكفار بل تشمل حتى المخالف من الأعداء بل حتى المؤالف إذا كان فاسقاً مجهراً بفسقه فهو أيضا من الأعداء ، فكلمة ( الأعداء ) وسيعة وتشمل جميع هؤلاء ، وحينئذٍ نقول إما أن نحافظ على سعة وشمول كلمة ( الأعداء ) فيتعيّن أن نحمل النهي على الكراهة ، إذ لا يحتمل أن التلبّس بلباس المخالفين بما هم مخالفون محرّم فإنَ هذا لا يحتمله فقيه ، وهكذا لباس المؤالف إذا كان فاسقاً فإنه لا يحتمل أنه محرّم ، نعم إذا كان هناك احتمال للحرمة فهو بالنسبة إلى الكفار ، أما بالنسبة إلى غيرهم فلا ، فإذا أبقينا كلمة أعداء على اطلاقها يلزم أن نحمل النهي على الكراهة ، أو أن نبقي النهي على الحرمة وحينئذٍ يلزم أن نفسّر الأعداء بالتفسير الضيق يعني نفسّره بخصوص الكفار ، وكلا الاحتمالين وجيه ، فيحصل بذلك الاجمال ، وبالتالي لا يمكن الأخذ بالرواية.

وهذه قضية ينبغي أن تطرح في علم الأصول إذا كان الدليل بهذه المثابة ، يعني إذا ورد نهي وقد تعلّق هذا النهي بعنوان وسيع فإن أبقينا العنوان على سعته يلزم أن نغيّر الحكم ونحمله على الكراهة ، أو أنحافظ على ظهور الحكم في التحريم فيلزم تضييق العنوان ، وأيهما هو الأرجح فإنهما احتمالان متساويان فيحصل بذلك الاجمال ، فالرواية لا يمكن التمسّك بها لأنه لعلّ المقصود هو الكراهة ، فأقصى ما يمكن أن يفتي به الفقيه هو الكراهة أما الفتوى بالحرمة فسوف يصير أمراً مشكلاً.

الرواية الثانية:- مكارم الأخلاق عن يزيد بن خليفة قال:- ( رآني أبو عبد الله عليه السلام أطوف حول الكعبة وعليّ برطلة[12] فقال: لا تلبسها حول الكعبة فإنها من زيّ اليهود )[13] ، بتقريب:- إنها ناظرة إلى زي اليهود فيفهم أن التلبّس بملابس اليهود لا يجوز ، وبعد إلغاء خصوصية اليهود نعمّم الحكم لمطلق الكفّار.

ولكن الرواية ليست تامة سنداً:- باعتبار أنَّ يزيد بن خليفة لم يرد في حقه توثيق بل سند الطبرسي في مكارم الأخلاق إلى يزيد بن خليفة فيه ارسال ، فالمشكلة من ناحيتين.

وأما من حيث الدلالة:- فلو سلّمنا بإلغاء خصوصية اليهود فنقول إنَّ هذا الحكم خاص بالطواف ، فأثناء الطواف لا تلبس البرطلة لأنها من زيّ اليهود ، يعني يوجد نحو من المنافاة بين الطواف وبين التزيّ بزي اليهود ، أما في غير الطواف لو أراد شخص أن يلبس هذا فهل النهي موجود أيضاً ونلغي الخصوصية من هذه الناحية ؟ إنَّ هذا أمر مشكل ، فإذن الرواية محل اشكال سنداً ودلالة.


[3] وهو الشعيري السكوني.
[5] وهو محمد بن الحسن بن الوليد وهو أستاذه وشيخه وهو من الثقاة الاجلة.
[6] وهو محمد بن الحسن الصفار.
[7] وهو ثقة.
[8] وهو ابو الصلت الهروي.