36/01/22


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا
اُستدل على عدم المفطرية وعدم الفساد في الصوم الواجب غير شهر رمضان وقضاءه عند تعمد البقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر بصحيحة محمد بن مسلم المعروفة (لا يضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء)[1] , واُستدل بها بأعتبار ظهورها في عدم اعتبار ما عدا هذه الخصال الثلاثة في طبيعي الصوم , سواء كان الصوم واجبا او مندوبا ؛ غاية الامر ان الدليل دل على اعتبار عدم تعمد البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان وقضاءه فيقتصر فيه على مورده ويُرجع في الباقي الى اطلاق هذه الصحيحة.
وقد استدل بهذا الدليل العلمان السيدان الحكيم والخوئي وبنيا عليه لأثبات عدم مبطلية البقاء على الجنابة عمدا للصوم الواجب غير شهر رمضان وقضاءه.
ويلاحظ على هذا الاستدلال اشكال اذا تجاوزناه فأن الدليل نعم الدليل.
والاشكال هو ان لازم هذا الكلام اخراج شهر رمضان من اطلاق الصحيحة, لأنها تدل على عدم اعتبار ما عدا الثلاثة في طبيعي الصوم الا في شهر رمضان لقيام الدليل ؛ وهذا معناه ان الدليل الدال على اعتبار اجتناب تعمد البقاء على الجنابة في شهر رمضان وقضاءه يكون مقيدا لإطلاق الصحيحة, فيخرج منها شهر رمضان وقضاءه وتبقى شاملة لبقية انواع الصوم ؛ وهذا التقييد _ الذي هو صريح كلامهم _ يصعب الالتزام به لأنه اشبه بتقييد واخراج القدر المتيقن من الدليل ؛ فأن المتيقن من هذه الصحيحة _ بقطع النظر عن غيرها من الروايات _ هو صوم شهر رمضان او بمثابة القدر المتيقن منها هو صوم شهر رمضان , ونحن بهذا الكلام نخرج صوم شهر رمضان من هذه الصحيحة ونخص اطلاقها بما عداه وهو مستهجن .
والذي يبدو لعلاج هذا التعارض الواقع بين اطلاق الصحيحة من جهة وبين الادلة الدالة على لزوم اجتناب تعمد البقاء على الجنابة في شهر رمضان وفي قضاءه من جهة اخرى.
حيث ان الصحيحة مطلقة في عدم اعتبار غير الثلاثة في الصوم, والادلة الاخرى تدل على اعتبار ما عدا الثلاثة في صوم شهر رمضان وقضاءه ؛ فيقع التنافي بينهما , ولا ريب في ان الصناعة عندما يقع تعارض من هذا القبيل تقتضي التخصيص , لكن التخصيص فيه مشكلة اخراج القدر المتيقن او ما هو بمثابته من الدليل, وهذا الامر يصعب الالتزام به كما تقدم .
وللتخلص من هذا الاشكال يقترح اقتراح اخر كجمع بين الدليلين, وحاصل هذا الجمع هو ان يقال بأننا نلتزم بأطلاق الصحيحة وشمولها حتى لصوم شهر رمضان من دون ان تكون منافية للأدلة الخاصة الدالة على اعتبار عدم تعمد البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان , وذلك بأن نقول بأن مفاد الاطلاق في الصحيحة هو عبارة عن عدم اعتبار ما عدا الخصال الثلاثة في طبيعي الصوم (ماهية الصوم) , وهذا الامر نلتزم به بالرغم من ورود الادلة على وجوب الاجتناب عن تعمد البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان وقضاءه, وذلك بأن نحمل هذه الروايات على تعدد المطلوب ؛ بأن نقول ان هذه ا لروايات وان كانت تدل على اعتبار عدم تعمد البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان وقضاءه, لكن ليس فيها دلالة على اعتباره في ماهية صومه , فلعله مطلوب اضافي وخصوصية زائدة اعتبرها الشارع في الصوم الذي لا تدخل هذه الخصوصية في ماهيته ؛ وبهذا يمكن الجمع بين الدليلين بمعنى انه يبقى الاطلاق على حاله ونقول بأن تعمد القاء على الجنابة غير معتبر في طبيعي الصوم وماهيته( سواء كان ذلك الصوم مندوبا ام واجبا ) , وهذا معناه امكان الاستدلال بأطلاق الصحيحة لنفي اعتبار اجتناب تعمد البقاء على الجنابة في الصوم الواجب غير شهر رمضان وقضاءه ( كالصوم المنذور وصوم الكفارة ) بل حتى في الصوم المندوب ؛ نعم في خصوص شهر رمضان وقضاءه نقول بوجوب الاجتناب وليس ذلك من باب ان هذه الخصوصية معتبرة في طبيعي صومه وانما هي خصوصية اضافيه اعتبرها الشارع.
وبهذا يتبين ان كل من الوجه الاول والوجه الثاني يؤدي الى جواز الاستدلال بالصحيحة في محل الكلام الا ان الوجه الاول فيه مشكلة كما تقدم .
و قد يقال بأن مشكلة هذا الوجه(الثاني) هي ان الروايات الواردة في صوم شهر رمضان وفي صوم قضاءه تصرح بالمفطرية , أي ان تعمد البقاء على الجنابة فيه يوجب المفطرية ؛ وهذا التعبير يعني ان عدم البقاء على الجنابة مقوم للصوم والا فلو لم يكن مقوما لا يوجب المفطرية , غاية الامر ان الصائم يكون بتركه قد ترك واجبا اخر وذلك لتعدد المطلوب , أي ان الشارع لو نهاه عن البقاء على الجنابة, وتعمد البقاء عليها عصيانا لماذا يوجب ذلك المفطرية ؟؟
فأن المفطرية عنوان يعني ان المطلوب من المكلف _عدم البقاء على الجنابة_ يكون مقوما للصوم ولأنه لم يأتي به أي تعمد البقاء على الجنابة حينئذ يكون كأنه لم يصدر منه الصوم .
وحينئذ لا يمكن حمل هذه الروايات على تعدد المطلوب , بل لابد من حملها على ان عدم البقاء على الجنابة مقوم للصوم .
ويبدو ان هذا الجواب ليس له واقع فلم نعثر على رواية تعبر بالمفطرية خلال المراجعة للروايات الواردة في صوم شهر رمضان وفي قضاءه؛ نعم هناك روايات تعبر بوجوب القضاء وهناك اخرى تعبر بوجوب الكفارة , وهذا لا يعني انه مقوم للصوم , فأن الكفارة تترتب على الخصوصية التي اعتبرها الشارع ولو لم تكن مقومة للصوم .
الاحتمال الاخر الذي يطرح في المقام للتخلص من هذا التعارض هو الالتزام بعدم الاطلاق في الصحيحة , وحينئذ لا يصح الاستدلال بها في محل الكلام .
وهناك احتمال اخر طرحه بعض الاعلام وهو ان تحمل الصحيحة على الحصر الاضافي بلحاظ المفطرات التي فيها جنبة احداث من قبيل الاكل والشرب والارتماس ؛ بخلاف البقاء على الجنابة حيث انه ليس فيه جنبة احداث وانما هو قضية استمرارية حيث انه اجنب واستمر على جنابته حتى طلع الفجر , نعم هو لم يبادر الى الغسل ليرفع الجنابة .
فيقال ان الحصر في الرواية انها تدل على عدم اعتبار ما عدا هذه الثلاثة في طبيعي الصوم ؛ لكن المراد ما عدا هذه الثلاثة في طبيعي الصوم مما كان من قبيل المانع من جهة الاحداث, فلا يكون فيها دلالة على عدم اعتبار الاجتناب عن البقاء على الجنابة متعمدا في طبيعي الصوم , وحينئذ عندما تأتي الادلة التي تقول يعتبر عدم البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان فأنها يؤخذ بها بلا تنافي .
وهناك وجه اخر تقدم الاشارة اليه وهو ان نعمم النساء المذكورة في الصحيحة لما يشمل محل الكلام (البقاء على الجنابة متعمدا) وتفسر قضية النساء بأن المقصود بها هو الاعم من احداث الجنابة والبقاء عليها بعد حدوثها ؛ وحينئذ تكون الصحيحة دالة على لزوم الاجتناب عن تعمد البقاء على الجنابة , فيكون عدم تعمد البقاء على الجنابة معتبرا في ماهية الصوم.
ولكن هذا الوجه _ تعميم النساء _ يحتاج الى قرينة وليس هناك قرينة واضحة تدل عليه.

ولابد من لحاظ أي من هذه الوجوه هو الاولى ؟؟
والذي يبدو _ بعد استبعاد هذه الوجوه _ ان الامر يدور بين طرح الاطلاق في الصحيحة والالتزام بعدم وجود الاطلاق فيها والعمل بالأدلة الخاصة الواردة في شهر رمضان وقضاءه , بمعنى الالتزام بأن عدم البقاء على الجنابة معتبر في صوم شهر رمضان وقضاءه ؛ او نعمل بالإطلاق ونطرح هذه الادلة _ وليس المراد الطرح رأسا بل بمعنى حملها على ما ينسجم مع الاطلاق _ وهذا ما ينبغي التأمل فيه للخروج بنتيجة .