36/01/24


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا
بقي مما تقدم احتمالان احدهما الغاء الاطلاق بالمرة, والثاني حمل الاطلاق والحصر في الرواية على الحصر الاضافي وعلى كل تقدير _من هذين الاحتمالين _ لا يصح الاستدلال بالصحيحة على عدم الفساد في محل الكلام ( الصوم الواجب غير شهر رمضان وقضاءه).
وقلنا بعدم صحة الاستدلال بالصحيحة في محل الكلام(أي في هذين الاحتمالين ايضا), وذلك لأن الاطلاق يدل على ان ما عدا الخصال الثلاثة لا يضر بالصوم ,وبما ان تعمد البقاء على الجنابة ليس احد الثلاثة فأنه لا يضر بالصوم ؛ ولكن هذا الكلام يتوقف على وجود اطلاق فيها ؛ اما اذا انكرنا الاطلاق وقلنا بإلغائه _ كما هو المفروض في هذا الاحتمال _ فأنه لا يصح الاستدلال بها حينئذ .
كما انه اذا حملنا الرواية على الحصر الاضافي لا يصح الاستدلال بها ايضا , لأن الحصر الاضافي يعني ان الرواية ناظرة منطوقا ومفهوما الى ما يكون من قبيل الاكل والشرب الذي فيه جنبة احداث, ولا يكون ناظرا الى تعمد البقاء على الجنابة الذي ليس فيه جنبة الاحداث , فلا تدخل مسألة تعمد البقاء على الجنابة في منطوق الرواية ولا في مفهومها , فلا يصح الاستدلال بها على عدم المفطرية وعدم الفساد بتعمد البقاء على الجنابة في محل الكلام ( الصوم الواجب غير شهر رمضان وقضاءه ) .
ومن هنا يظهر ان الاستدلال بهذه الرواية على عدم الفساد في محل الكلام ليس واضحا , نعم اذا قبلنا التخصيص ولم نرَ استهجانا ومشكلة في تخصيص الاطلاق بأدلة المانعية في شهر رمضان وفي قضاءه ويبقى ما عدا المتيقن داخلا في الاطلاق يصح الاستدلال بها حينئذ.
ثم انه قد يستدل على عدم الفساد بدليل اخر اشرنا اليه سابقا وحاصله :-
ان يستدل على عدم الفساد في محل الكلام بالتعليل الوارد في ادلة عدم المانعية وعدم المفطرية في الصوم المندوب , ومن هذه الادلة بعض ما تقدم من الروايات خصوصا موثقة ابن بكير(قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح، أيصوم ذلك اليوم تطوعا ؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار... الحديث)[1] حيث ورد في ذيلها (أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار) والذي يفهم منه انه بمثابة التعليل لصحة الصوم, أي ان الاصباح جنبا عمدا لا يمنع من صحة الصوم لأن وقت الصوم يمتد الى الزوال , ويمكن التمسك بعموم هذا التعليل لأثبات عدم المانعية في كل صوم يمتد وقته الى ما قبل الزوال , وهذا متحقق في كل صوم واجب غير معين كالصوم المنذور وصوم الكفارة , فيلتزم بأن تعمد البقاء على الجنابة ليس مانعا من صحته لأن وقته يمتد الى الزوال؛ والظاهر ان هذا الدليل لا بأس به بعد استظهار ان كلام الامام عليه السلام بمثابة التعليل لعدم المانعية , نعم لابد ان نضيف ما ذكرناه سابقا وهو ان ما يثبت بهذه الموثقة هو المانعية في الجملة وليس عدم المانعية مطلقا؛ وحينئذ بناء على تعميم الحكم لمطلق الصوم الواجب غير المعين الذي يمتد وقته الى الزوال فأنه يثبت فيه هذا الحكم ايضا ( أي المانعية في الجملة بالمعنى المتقدم). بل قد يستدل برواية ابن بكير الثانية ( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار ؟ قال : يصوم إن شاء، وهو بالخيار إلى نصف النهار)[2]
(التي لم تتم سندا) وقد يستدل بها على عدم الفساد في محل الكلام وذلك بأعتبار ترك الاستفصال في مقام الجواب , حيث ان السؤال كان عن رجل طلعت عليه الشمس ثم اراد الصيام , ومقتضى ترك الاستفصال في الجواب_ حينما قال الامام عليه السلام يصوم ان شاء وهو بالخيار الى نصف النهار ولم يقل له مثلا هل ان صومك مندوب ام واجب_ هو الاطلاق فتكون دليلا على ما ذكرناه من الحكم وهو المانعية في الجملة .
قد يدّعى انصراف السؤال الى الصوم المندوب وحينئذ لا يصح الاستدلال بهذه الرواية ؛ وعلى كل حال فأنها غير تامة سندا ولا يمكن الاعتماد عليها.
ثم انه بعد تعميم الحكم للصوم الواجب غير المعين تمسكا بعموم التعليل في الموثقة , يقال بأنه ماذا نصنع بالقضاء الموسع بناء على امتداد وقت نيته الى الزوال ؟؟ لأنه تقدم دلالة الادلة على ان الاصباح جنبا مانع من صحة قضاء الصوم كما هو الحال في صوم شهر رمضان , وهذه الادلة وردت في القضاء مطلقا ,لا في خصوص القضاء المضيق , وحينئذ يمكن الجمع بينهما جمعا عرفيا وذلك لأن النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق, لأن عموم التعليل يدل على عدم مانعية الاصباح جنبا عمدا في جميع انواع الصوم الذي يمتد وقت نيته الى الزوال ( سواء كان مندوبا ام واجبا), بينما تلك الادلة واردة في خصوص صوم القضاء وحينئذ نلتزم بخروج صوم القضاء من عموم التعليل ولا محذور في ذلك .
فالنتيجة الحاصلة هي التفصيل بين صوم شهر رمضان وقضاءه من جهة وبين سائر انواع الصوم ( مندوبة كانت او واجبة) من جهة اخرى ؛ فنلتزم بأن الاصباح جنبا عمدا مانع من صحة الصوم في شهر رمضان وقضاءه وغير مانع في ما عدا ذلك ؛ وهذا التفصيل هو ما تقتضيه الصناعة ويمكن ان يؤيد بصحيحة محمد بن مسلم فهي وان ناقشنا فيها ولم نقبل دلالتها على التخصيص الا ان احتمال ذلك موجود فيها ؛ وكذلك يؤيد هذا التفصيل بعدم وجود دليل على المانعية في محل الكلام (الصوم المنذور وغيره من الصوم الواجب غير المعين ). فأن كل ما دل على المانعية وارد في صوم شهر رمضان وفي قضاءه ؛ والدليل الوحيد الذي يستدل به على المانعية في المقام هو قاعدة الالحاق المتقدمة , وقد تقدم عدم تماميتها ظاهرا, مضافا الى ان هذه القاعدة تنفع حيث لا يقوم دليل على عدم الالحاق , اما مع قيام الدليل على عدم الالحاق ( كما تقدم في الصوم المندوب) فلا يصح التمسك بالقاعدة حينئذ , ونحن ندّعي في المقام ان الدليل دل على عدم الالحاق في الصوم الواجب غير المعين ايضا , والدليل هو عموم التعليل في الموثقة , وعليه فلا مجال للتمسك بقاعدة الالحاق في الصوم الواجب غير شهر رمضان وقضاءه .

قال الماتن
(الثامن: البقاء على الجنابة عمدا إلى الفجر الصادق في صوم شهر رمضان أو قضائه، دون غيرهما من الصيام الواجبة و المندوبة على الأقوى، و إن كان الأحوط تركه في غيرهما أيضاً خصوصاً في الصيام الواجب موسّعاً كان أو مضيّقاً.و أمّا الإصباح جنباً من غير تعمّد فلا يوجب البطلان إلّا في قضاء شهر رمضان على الأقوى) [3]
وقد كان الكلام في الاصباح جنبا عن عمد والان يقع في الاصباح جنبا لا عن عمد كما في قول الماتن (و أمّا الإصباح جنباً من غير تعمّد فلا يوجب البطلان إلّا في قضاء شهر رمضان على الأقوى) .
والكلام في عبارة ا لمصنف في قوله( إلّا في قضاء شهر رمضان )وان كان مطلقا يشمل الموسع والمضيق, الا انه حمل على ان المراد به خصوص الموسع.
وهناك عدة روايات يستدل بها على ان الاصباح جنبا لا عن عمد لا يضر بصحة الصوم ( والكلام مطلقا( في اصل المطلب) قبل استثناء قضاء شهر رمضان )
وقد استدل على ذلك بمسألة اختصاص ما دل على المنع والمانعية بصورة التعمد , وحينئذ لا دليل على المانعية في الاصباح جنبا لا عن عمد .
والادلة التي ذكرت في المقام هي عدة روايات منها :-
اولا : صحيحة ابن ابي يعفور (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم يومه ويقضي يوما آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له.)[4]
والاستدلال بالرواية مبني على ملاحظة صدرها وذيلها , لأن صدرها لوحده ليس فيه ما يدل على الاختصاص حتى على القول بأنه صرح بالعمد في النوم بأن قال مثلا بأنه نام متعمدا حتى اصبح , وذلك لأن الحكم المذكور بالرواية غير مختص بصور العمد وانما سأل السائل عن صورة العمد فأجابه الامام عليه السلام عن مورد السؤال وهذا لا يعني نفي المانعية عن غير مورد السؤال .
لكن الظاهر ان من استدل بالرواية كان ناظرا الى ذيلها لإمكان تفسيرها بذلك, حيث ان الامام عليه السلام اجاب عن السؤال _ على فرض انه عليه السلام اجاب عن صورة العمد حيث كان السؤال كذلك حسب الفرض_ بتبرع منه بذكر الشق الثاني فقال(وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له) والظاهر انه ناظر الى صورة عدم العمد ( حيث انه يقول لم يستيقظ ) فالرواية تنفي المانعية في صورة عدم العمد فتكون دليلا على (ان الاصباح جنبا لا عن عمد لا يوجب البطلان ).
فكأن الامام عليه السلام فهم من سؤال السائل فرض صورة تعمد البقاء على الجنابة فأجابة عليه السلام بالبطلان ثم اجابه على فرض عدم تعمد البقاء على الجنابة وذلك بأن استمر معه النوم حتى الصباح فأجابه بعدم البطلان.
فيفهم من الرواية هذا التفصيل فتكون نافية للمانعية في صورة الاصباح جنبا لا عن عمد فيمكن الاستدلال بها في محل الكلام .
ونفس البيان يذكر في الرواية الثانية ( صحيحة محمد بن مسلم )
ثانيا : صحيحة محمد بن مسلم (عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : يتم صومه ويقضي ذلك اليوم، إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه .)[5]
فأن المفهوم من قوله عليه السلام (يتم صومه ويقضي ذلك اليوم) الحكم بفساد الصوم , ويفهم من قوله عليه السلام (إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه ) صحة الصوم , وهذا يعني ان الامام عليه السلام يفصل بين الاصباح جنبا عن عمد فيبطل الصوم, وبين الاصباح جنبا لا عن عمد فيصح الصوم ؛ فتكون الرواية دليلا على عدم مانعية الاصباح جنبا لا عن عمد .