36/04/20


تحمیل
الموضوع:الصوم , المفطرات, المفطر العاشر : تعمد القئ. مسألة 69 :( لو خرج بالتجشّؤ شيء ثمّ نزل)

قلنا بأن الوجوه الثلاثة السابقة _ حمل الصحيحة على ان المقصود باللسان هو طرف اللسان من الداخل ؛ وحملها على وقوع الازدراد نسيانا ؛ وحملها على وقوعه قهرا _ خلاف الظاهر؛ ولعلها ليس بأولى من ان نعكس الكلام ونتصرف في دليل مفطرية الاكل اختيارا, بأن يحمل ما دل على مفطرية الاكل اختيارا على الاكل المتعارف وهو ما يدخل الفم وينزل الى الجوف من خارج الجسد, وتبقى الصحيحة ناظرة الى الاكل غير المتعارف فيرتفع التعارض , فالتصرف بالصحيحة بهذا الشكل ليس بأولى من التصرف بأدلة مفطرية الاكل اختيارا .
واما الوجه الاخير(الرابع) فأنه مبني على تسليم الاطلاق في كل منهما وقلنا بأنه في كل منهما محل تأمل .
وحينئذ ان قلنا بأن الصحيحة مختصة بالازدراد العمدي فأن النسبة ستكون هي العموم والخصوص المطلق _ وليس العموم والخصوص من وجه كما اُدعي في الوجه الرابع _ لأن الصحيحة مختصة بالازدراد العمدي لما يخرج من الجوف , وما دل على مفطرية الاكل اختيارا يدل على مفطرية الاكل الاعم مما يدخل الجوف من خارج الجسد او ما يدخله من داخل الجسد , فتكون الصحيحة اخص مطلقا من ادلة المفطرية وحينئذ ينبغي حمل ادلة المفطرية بعد التخصيص على الأكل العمدي المتعارف(الذي يدخل الجوف من خارج الجسد) .
ثم يتمسك بالصحيحة في محل الكلام لأثبات عدم البأس , هذا الكلام على فرض منع اطلاق الصحيحة , اما على فرض منع اطلاق ادلة المفطرية فأن الامر يكون اوضح لأنه سوف يختص كل منهما بموضوع خاص به ولا تعارض بينهما ,فالصحيحة مختصة بالازدراد لما يخرج من الجوف , وادلة مفطرية الاكل مختصة بما يدخل الجوف من خارج الجسد .

قد يقال بأن الصحيحة تسقط عن الاعتبار بأعراض المشهور , وقد ذكرنا ان المشهور بل المدعى عليه الاجماع هو المفطرية في محل الكلام ؛ فقد يقال بأن هذه الرواية صحيحة سندا وظاهرة دلالة في عدم المفطرية ومع ذلك ذهب المشهور او الجميع الى المفطرية, وهذا لا يكون الا مع أفتراض الاعراض عن هذه الرواية مع انها موجودة بمرأى ومسمع منهم (فهي موجودة في الكتب الحديثية المعروفة) ومع ذلك لم يعملوا بها وهذا يحقق الاعراض عنها ويوجب سقوطها عن الاعتبار .
اقول هذا الاعراض على تقديره لا يحل مشكلة الالتزام بفتوى المشهور , لأنه وان قلنا بعدم امكان الاستدلال بها على عدم المفطرية في محل الكلام , لكن ما هو الدليل عليها (المفطرية) ؟؟
فلا دليل سوى ما دل على مفطرية الاكل اختيارا ونحن نشكك بحسب الفرض في شمول هذه الادلة لمحل الكلام لأحتمال اختصاصها بما يدخل الى الجوف من خارج الجسد .
هذا هو ما تقتضيه الصناعة ولكن بالرغم من ذلك لابد من الاحتياط ولا يمكن الفتوى والالتزام بعدم المفطرية , فهو وان كانت الصناعة تقتضي عدم المفطرية لكن ذهاب المشهور او المجمع عليه او المتفق عليه على الاقل فيما يرتبط بالقضاء الذي يعني المبطلية والمفطرية , وحينئذ لابد من الالتزام بالمطفرية والمبطلية على نحو الاحتياط الوجوبي.

قال الماتن

(وعليه القضاء والكفارة )[1]
اما وجوب الكفارة فأنه يكون على القاعدة لكن بناء على صدق الاكل في محل الكلام , لأنه حينئذ يكون تعمد الاكل, والظاهر انه يجب فيه القضاء والكفارة , والا فإذا شككنا في صدق الاكل في محل الكلام فحكم الكفارة يكون احتياطيا ايضا , هذا بناء على ان المشهور يرى وجوب الكفارة , اما اذا قلنا بأنه لا يرى ذلك وانما يرى وجوب القضاء فقط, فحينئذ يمكن ان لا يُلتزم بالاحتياط الوجوبي بالنسبة الى الكفارة , وان كان لابد من الالتزام به بالنسبة الى القضاء .

ثم ترقى السيد الماتن اكثر وحكم بوجوب كفارة الجمع (بل تجب كفارة الجمع إذا كان حراماً من جهة خباثته أو غيرها)
وهذا الحكم مبني على ما سيأتي في بحث الكفارات من وجوب كفارة الجمع في كل افطار على الحرام , فإذا التزمنا بهذه الكبرى فأنه ينتج في محل الكلام_ بعد فرض تحقق الصغرى_ كفارة الجمع .
ولكن سيأتي بأن هذه الكبرى غير تامة , فلا دليل يدل على ان كل افطار على الحرام يوجب كفارة الجمع , فأن الادلة دلت على ان بعض المحرمات التي نصت عليها تلك الادلة هي التي يوجب الافطار عليها كفارة الجمع , وسيأتي الحديث عن ذلك ان شاء الله تعالى.
هذا بالنسبة الى الكبرى اما الصغرى _على فرض تسليم الكبرى _ فمن قال بأن هذا الذي ابتلعه حرام لكي يصدق عليه الافطار على الحرام , وما هو الدليل على ذلك ؟؟
المفروض ان يكون الدليل هو ان يقال بأن هذا _ ما خرج من الجوف بالتجشؤ _ خبيث , وكل خبيث حرام ؛ وكل من هاتين المقدمتين _ الصغرى والكبرى _ محل كلام ؛ فأما الصغرى ( هذا خبيث) فناقش فيها السيد الخوئي بأن هذا خبيث بالنسبة الى غير المتجشىء فأنه مما ينفر الطبع منه اما بالنسبة الى نفس المتجشئ فأنه لا يكون خبيثا .
واما الكبرى فيقال انه لا دليل على حرمة كل خبيث , بحيث يكون كل شيء ينفر منه الطبع فهو حرام ؛ وما ذكر من الآية ا لشريفة (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ )[2] ليس المقصود بها ما نتكلم عنه في المقام (ما ينفر الطبع منه)؛ فلا الكبرى مسلمة ولا الصغرى, وعليه فالالتزام بوجوب كفارة الجمع في محل الكلام غير تام.

قال الماتن

مسألة 70 :( لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيؤه في النهار فسد صومه إن كان الإخراج منحصرا في القيء، وإن لم يكن منحصرا فيه لم يبطل إلا إذا اختار القيء مع إمكان الإخراج بغيره، ويشترط أن يكون مما يصدق القيء على إخراجه، وأما لو كان مثل درة أو بندقة أو درهم أو نحوها مما لا يصدق معه القيء لم يكن مبطلا)[3]
كما لو ابتلع مالا للغير وافترضنا أنه يجب عليه شرعا تسليمه في النهار الى صاحبه وانحصر طريق تسليمة بالقيء , او نفترض بأنه ابتلع سماً فيجب عليه قيؤه في النهار لدفع الضرر , حكم السيد الماتن في هذا المورد بفساد الصوم عند انحصار الاخراج بالقيء , وكأنه يريد ان القول بصحة الصوم اذا كان هناك طريق اخر للإخراج .
نعم اذا اختار طريق القيء مع امكان الاخراج بغيره فأنه لا اشكال في بطلان صومه .
قال (قد) (ويشترط أن يكون مما يصدق القيء على إخراجه، وأما لو كان مثل درة أو بندقة أو درهم أو نحوها مما لا يصدق معه القيء لم يكن مبطلا)
هذا هو الشرط الثاني , فالشرط الاول عند السيد الماتن هو ان يكون الاخراج منحصرا بالقيء والشرط الثاني هو ان يكون مما يصدق القيء على اخرجه , اما لو لم يصدق القيء على اخراجه فأنه لا يبطل الصوم كما قال (قد) (وأما لو كان مثل درة أو بندقة أو درهم أو نحوها مما لا يصدق معه القيء لم يكن مبطلا)
وعلى فرض تحقق هذين الشرطين ( انحصار الاخراج بالقيء و فرض صدق القيء على هذا الاخراج ) فأنه سوف يقع التزاحم بين واجبين الاول وجوب الصوم والثاني وجوب القيء الذي ينشأ من وجوب تسليم مال الغير او وجوب دفع الضرر , وحينئذ فأن امتثل الامر بالصوم فلازمه ان لا يقيء وبالتالي سوف يخالف وجوب القيء لأن الصوم لا يتحقق الا بالامتناع عن القيء ,وان امتثل الامر بالقيء فأنه سوف يعصي الامر بالصوم .
وفي باب التزاحم تارة نفترض ان وجوب القيء هو الاهم ( كما لو افترضنا بأنه يدفع الضرر الذي يؤدي الى الهلاك عن نفسه فيكون اهم من وجوب الصوم) فحينئذ لا امر بالصوم, ومع عدم الامر بالصوم يبطل ويفسد كما ذكر السيد الماتن ؛ واذا افترضنا ان وجوب الصوم اهم فحينئذ لا امر بالقيء , فأن صام ولم يتقيأ صح صومه لأن الصوم مأمور به , واذا تقيء يبطل صومه من جهة انه جاء بالمفطر .
واما اذا كانا متساويين في الاهمية فأن العقل يحكم بتقييد وجوب كل منهما بعدم الاشتغال بالآخر , فالصوم يكون واجبا اذا لم يشتغل بالقيء , والقيء يكون واجبا ان لم يشتغل بالصوم , وحينئذ اذا لم يتقيأ يصح صومه للأمر به بعد تحقق شرطه (عدم الاشتغال بالقيء), واما اذا تقيء فحينئذ لا امر بالصوم لأنه مشروط بعدم الاشتغال بالقيء , ومع عدم الامر به لا يقع صحيحا , هذا ما تقتضيه القواعد الاصولية في باب التزاحم بقطع النظر عن مسألة الترتب .
واما اذا ادخلنا مسألة الترتب في البين فحينئذ يمكن تصحيح الصوم حتى على فرض اهمية القيء فضلا عن حالة التساوي او اهمية الصوم , لكن ذلك بشرط ان لا يتقيأ لأنه اذا تقيء فأنه يكون قد ارتكب المفطر .
فيصح صومه عند عدم التقيؤ بالأمر الترتبي في حالة ما اذا كان وجوب القيء اهم فأن الامر الترتبي يقول وان كان القيء اهم ووجب على المكلف امتثاله الا انه لو عصى ولم يصرف قدرته في امتثال الاهم فأنه يأمر بالمهم .