36/05/10


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....)
الدليل الثالث: وهو ما مذكور في بعض الكلمات, وحاصله أن الصوم هو الامساك عن المفطرات وهو غير متحقق في محل الكلام, لأنه وان كان مكره الا إنه اكل أو شرب فلا يصدق عليه أنه صائم, وحينئذ لابد من الالتزام بفساد صومه ووجوب القضاء.
والعمدة في ادلة عدم البطلان (القول الاول) هو حديث الرفع ويضاف اليه مسألة (إن الله اذا غلب على شيء) والا فالاستدلال بالأصل غير تام, لعدم وصول النوبة اليه مع اطلاق ادلة البطلان, ولذا منعوا الاطلاق بدعوى الانصراف قبل الاستدلال بالأصل, لكن منع الاطلاق بدعوى الانصراف غير تام, فهناك روايات مطلقة واردة في القيء والكذب وغير ذلك, وهي تشمل محل الكلام لأن من يتقيأ بإرادته يصدق عليه الاختيار وان كان لدفع الضرر, ولا وجه للانصراف إلى غير المكره الا مسألة إنه لم يرتكب المعصية لأنه مكره, فلعل هذا هو الوجه في دعوى الانصراف وان الادلة الدالة على البطلان لا تشمله, لكن هذا الانصراف انصراف بدوي لا اثر له, خصوصاً بأن هناك اشخاص اخرين يشتركون معه في هذه النكتة (في أنه يكون معذوراً) ومع ذلك يشملهم الدليل كما في المسافر والحائض والمريض, فأن كل هؤلاء معذورون في الاكل والشرب ولم يرتكبوا المعصية عند الاكل والشرب , ومع ذلك شملهم الحديث ودل على بطلان صومهم ووجوب القضاء عليهم, إذن نكتة المعذورية الموجودة في المكره لا توجب انصراف ادلة المفطرية وادلة وجوب القضاء عن المكره, وعليه فالظاهر أن المطلقات إلى هنا تامة والاستدلال بالأصل لا يكون وجيه.
أما دليل من اكره زوجته فعليه الكفارة دونها فهو ايضاً غير تام, لأن عدم وجوب الكفارة لا يعني عدم وجوب القضاء, ولا يعني إن صومه صحيح, لأحتمال أن يكون صومه فاسداً وباطلاً ويجب عليها القضاء دون الكفارة, هذا من جهة ومن جهة اخرى أن الرواية الواردة في هذا الباب وهي رواية المفضل بن عمر( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أتى امرأته هو صائم وهي صائمة، فقال : إن كان استكرهها فعليه كفارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطا . )[1]تقول بأن الزوج عليه كفارتان, وهذا يعني أن كفارة عليه واخرى عليها, فتكون من ادلة القول الاخر (ادلة فساد الصوم), فكأنه يجب عليه الكفارة لفساد صومه ويجب عليها الكفارة لفاسد صومها, ويتحمل المكِره الكفارة عنها بأعتبار أنه اكرهها على ذلك, فتكون الرواية ادل على الفساد منها على الصحة, فلا يصلح الاستدلال بها في المقام.
أما بالنسبة إلى ادلة البطلان فالعمدة فيها هو اطلاق ادلة المفطرية وشمولها لما نحن فيه( المكره), أما بقية الادلة فالخدشة فيها واضحة, أما بالنسبة إلى الدليل الثاني( التمسك ببعض الروايات الواردة في قضية الامام الصادق عليه السلام مع بعض سلاطين زمانه), فأنه وان كانت الدلالة فيهما واضحة الا أن سندهما ضعيف بالأرسال, وهناك روايات اخرى واردة في نفس الباب لكن ليس فيها التصريح بالإفطار أو القضاء.
واما الدليل الثالث وهو عدم صدق الصوم على فعل المكره لأنه تناول المفطر ولا يصدق عليه أنه صائم بل يصح سلب الصوم عنه, فيقال هذا ليس بصائم.
اقول إن هذا الدليل يمكن ارجاعه إلى الدليل الاول,أي الى التمسك بأطلاق ادلة المفطرية, وذلك بأعتبار أن الشك في صدق الصوم من جهة تناول المفطر مع الاكراه, فيقع الكلام في أن الادلة _ادلة المفطرية _تشمله أو لا؟ فإذا قلنا بأطلاق الادلة وشمولها له فحينئذ تكون هي الدليل على بطلان الصوم ووجوب القضاء عليه , ومع المنع من الاطلاق نقول لا دليل على بطلان صومه فيمكن التمسك بالأصل على صحته, ولذا يكون عمدة الادلة للقول بالبطلان هو عبارة عن اطلاق ادلة المفطرية وفي المقابل يوجد هناك امران يدلان على الصحة وعدم الفساد وهما عبارة عن حديث الرفع وحديث كلما غلب الله عليه فهو اولى بالعذر.
فإذا تم الاستدلال على الصحة بحديث الرفع أو بحديث كلما غلب الله عليه فحينئذ لابد من تقييد ادلة المبطلية واخراج المكره منها والالتزام بأن من تناول المفطر في شهر رمضان عن اكراه يصح منه الصوم.
واذا لم يتم الاستدلال بهما فأن مقتضى اطلاق ادلة البطلان هو البطلان ووجوب القضاء.
والبحث يقع اولاً في الحديث الشريف (كلما غلب الله عليه) وهذا اللسان وارد في كثير من الروايات في باب الصلاة والصوم, ونذكر بعض من ذلك صحيح عبد الله بن سنان (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كلما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء)[2][3]
فهذه قاعدة عامة غير مختصة بالصوم وغير واردة في المغمى عليه كما في بعض الروايات الاخرى الوارد فيها هذا المتن, وان كان صاحب الوسائل ادرجه تحت عنوان باب عدم صحة صوم المغمى عليه.
الحديث الاخر علي بن مهزيار ( أنه سأله - يعنى : أبا الحسن الثالث عليه السلام - عن هذه المسألة - يعنى : مسألة المغمى عليه - فقال : لا يقضى الصوم ولا الصلاة، وكلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر)[4]
ويستدل بهذه الروايات في محل الكلام _ ولم اجد من استدل بها في المقام (بحدود تتبعي) الا السيد الحكيم في المستمسك اشار إلى أنه قد يستدل بها_ بعموم التعليل فأنه يقتضي عدم وجوب القضاء في محل الكلام, فهذا ممن غلب الله عليه ومن غلب الله عليه ليس عليه شيء.
لكن لا معنى لأن يقال للمكره بأنه غلب الله عليه فأن هذا المعنى يصدق على المغمى عليه وعلى النائم, أما المكره فلا يصدق عليه هذا المعنى, نعم يصدق عليه(المكرَه) أنه غلب عليه المكِره.
فأما أن نشكك في الحديث من هذه الجهة واما أن نشكك به من جهة أن الظاهر من الحديث هو الاجبار_ كما اشار إلى ذلك في المستمسك_ كالإغماء والنوم فلا تشمل ما اذا صدر الفعل من المكلف بإرادة واختيار.
فالإشكال يكون إما من احدى الجهتين أو كليهما, مضافاً إلى ذلك ما ذكر الفقهاء من أن المستفاد من الحديث هو سقوط التكليف عن المعذور الذي يكون ما صدر منه مما غلب الله عليه.
وهذا المفاد يكون متحداً مع حكم العقل بأستحالة التكليف في حال المعذورية وسلب الاختيار كحالة النوم والاغماء, وحينئذ لا علاقة له بتصحيح الصوم وعدم وجوب القضاء.
فالاستدلال بهذا الحديث في المقام ليس في محله.
أما حديث الرفع _وهو المهم في المقام_ فالاستدلال به في المقام هو ببيان أن المرفوع به مطلق الاثار المترتبة على الفعل اذا تعنون بأحد العناوين التسعة المذكورة في نفس حديث الرفع (الاكراه , ما لا يطيقون , ما لا يعلمون....).
وحينئذ اذا اُكره المكلف على فعل فأن الحديث يقول ترفع كل الاثار المترتبة على ذلك الفعل لو كانت صادرة في غير حالة الإكراه, فأن مثل الاكل والشرب لو كانت صادرة في غير الاكراه لها اثار منها الافطار وبطلان الصوم والكفارة والقضاء, وحديث الرفع يقول ان الفعل اذا صدر عن اكراه فأن هذه الاثار مرفوعة, ومعنى ذلك صحة الصوم وعدم وجوب القضاء ولا الكفارة, هذا تقريب الاستدلال بالحديث الشريف.
وقد ناقش الشهيد الثاني في المسالك في هذا الاستدلال, وذكر بأن المرفوع هو خصوص المؤاخذة وليس مطلق الاثار, فلا يرفع القضاء ولا الكفارة وهو غير ناظر إلى هذه الامور فلا يصح الاستدلال به على تصحيح الصوم ونفي وجوب القضاء.
ومنع جماعة منهم المحقق الهمداني من اختصاص الحديث بالمؤاخذة وقال أن الظاهر منه بقرائن داخلية وخارجية هو التعميم وان المرفوع مطلق الاثار.
نعم ذكر المحقق الهمداني أن الحديث يدل على رفع الاثار التي يكون رفعها ووضعها بيد الشارع بما هو شارع, فإذا كان للفعل المكره عليه_ كالأكل في شهر رمضان_ اثار تترتب عليه مباشرة بحيث يكون موضوع ذلك الاثر والحكم الشرعي هو (استعمال المفطر في نهار شهر رمضان) فإذا استعمل المفطر عن اكراه يرتفع هذا الاثر, واما اذا فرضنا كون الاثر الشرعي غير مترتب عليه مباشرة وإنما هو مترتب عليه بتوسط عنوان آخر من قبيل عنوان المخالفة وعنوان عدم الاتيان بالمأمور به وامثال ذلك, فأنه لا يشمله حديث الرفع, فلو فرضنا أن حكم وجوب القضاء مترتب على عنوان المخالفة وعدم الاتيان بالمأمور _الامساك عن المفطرات_ به في وقته, فإذا تناول المفطر يقال بأن هذا خالف لأنه لم يأتي بالمأمور به , ووجوب القضاء مترتب على هذا العنوان وليس على عنون استعمال المفطر مباشرة.
فإذا كان وجوب القضاء مترتب على هذه العناوين فأن حديث الرفع لا يشمل مثل هذه الاثار الشرعية , فهو وان كان يشمل كل الاثار لكن المراد بذلك الاثار التي يكون موضوعها استعمال المفطر في نهار شهر رمضان.