36/05/23


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....)
الكلام في سند موثقة زرارة وابي بصير، وقلنا بأن السند هو ما يذكره الشيخ في التهذيب وينقله صاحب الوسائل عنه في كتاب الصوم، وليس في هذا السند من يتوقف فيه إلا محمد بن علي وقد يقال بأنه مردد بين الثقة وغير الثقة, ويكون الترديد في هذه الطبقة بين محمد بن علي بن محبوب الذي هو من الثقات، وبين محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى القرشي أو الكوفي أو الصيرفي المعروف بأبي سمينة المنصوص على ضعفه، فكل منهما يمكن أن يكون مراداً وحيث لا مشخص لكون المراد هو الثقة فتسقط الرواية عن الاعتبار.
وقد ذكرنا أن الشيخ المجلسي حكم على الرواية بكونها مجهولة، ونُقل عن السيد البروجردي ( لا أعلم محمد بن علي في هذه ا لطبقة الا ابا سمينة)، لكن الذي يظهر من الفقهاء أنهم اعتمدوا على هذه الرواية وعبروا عنها بالموثقة ومنهم السيد الخوئي (قد)، ولعل التعبير عنها بذلك ينشأ من دعوى أن محمد بن علي الواقع في السند هو محمد بن علي بن محبوب، والوجه في هذه الدعوى هو الانصراف إلى محمد بن علي بن محبوب بإعتباره هو المعروف والمشهور بين الرواة, فأن رواياته كثيرة وتزيد على الالف رواية، في حين أن الطرف الاخر (ابا سمينة) فأنه وأن كان له روايات وليست بالقليلة لكنها لا تبلغ روايات محمد بن علي بن محبوب، وقد يؤيد هذا_ من إن المراد ابن محبوب وان الرواية معتبرة_ ايضاً هو أن الراوي عن محمد بن علي في محل الكلام هو علي بن الحسن بن فضال، وهو يروي روايات عديدة عن محمد بن علي، وبعضها عن علي بن النعمان كما هو الحال في روايتنا، وبعضها يرويها عن محمد بن علي عن اشخاص آخرين، وهي روايات ليست بالقليلة وقد تبلغ الخمس والعشرين رواية أو اكثر، والذي يؤيد ما ذكروه ايضاً أن الراوي في المقام هو علي بن الحسن بن فضال وإذا راجعنا ترجمته نجد أن الشيخ النجاشي يقول عنه_ بعد أن يمدحه ويوثقه_ قلَ ما روى عن ضعيف، وبناءً على ذلك قد يقال من البعيد أن يروي عن محمد بن علي ابي سمينة الذي اشتهر بالكذب _كما تقدم_ وإنما المناسب أن يقال بأن يروي علي بن الحسن بن فضان عن محمد بن علي(بن محبوب) الثقة.
ومن هنا يتضح عدم قبول ما نقل من كلام السيد البروجردي (قد) في قوله ( لا أعلم محمد بن علي في هذه ا لطبقة الا ابا سمينة) لإمكان أن يكون المراد به محمد بن علي بن محبوب فهو يعتبر من الطبقة السابعة، وقد روى عن جماعة من الطبقة السادسة كصفوان واحمد بن محمد البرقي وعلي بن النعمان وكل هؤلاء من الطبقة السادسة, وفي محل كلامنا يروي عن علي بن النعمان فلا إشكال في أن يكون المراد بمحمد بن علي في روايتنا هو محمد بن علي بن محبوب، لأن علي بن النعمان في طبقة صفوان وكان صديقاً له، ولا مشكلة في الرواية عنه من قبل محمد بن علي بن محبوب, كما أنه لا مشكلة في أن يروي علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن علي بن محبوب، وأن كانا في طبقة واحدة _بحسب الظاهر_ فإن رواية اهل طبقة واحدة بعضهم عن بعض ليست بالغريبة.
ومن هنا نقول لا مانع من أن يكون محمد بن علي في هذا السند هو محمد بن علي بن محبوب، لكن هذا لا يكفي في تصحيح سند الرواية، ولا طريق إلى ذلك سوى دعوى الانصراف المتقدمة, التي ذهب اليها بعض الفقهاء ومنهم السيد الخوئي (قد)، لكن السيد الخوئي (قد) نفسه في سند من هذا القبيل (علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن علي عن علي بن النعمان) في رواية في باب الاعتكاف توقف فيها، وقال بأن الرواية ضعيفة لأن محمد بن علي مردد بين الثقة وغيره، ومقصوده من الثقة محمد بن علي بن محبوب وغيره محمد بن علي ابو سمينة.
وعلى كل حال فالظاهر أنه من الصعوبة أن يُجزم في أن محمد بن علي الواقع في هذا السند هو محمد بن علي بن محبوب، لأن روايات ابي سمينة بالرغم من ضعفة كثيرة، ففي كتاب التهذيب فقط _ بحسب المراجعة_ ورد هذا السند في خمس وعشرين رواية ومنها ست روايات عن علي بن النعمان ( أي علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن علي عن علي بن النعمان) وعن غير علي بن النعمان, وورد في باقي الروايات ( تسع عشرة)، كما أن روايات ابي سمينة (بعنوان محمد بن علي الكوفي أو بعنوان محمد بن علي الصيرفي أو بعنوان محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى القرشي أو بغير ذلك من العناوين) كثيرة في الكتب الاربعة وفي غيرها, كما أنه وقع في طرق بعض الاصحاب إلى ارباب الكتب، وهو ايضاً له كتب حتى أن الشيخ الطوسي _ على ما في بالي_ يقول بأن كتب هذا الرجل ككتب الحسين بن سعيد، وهذا التعبير يقال عندما يراد المبالغة في كتب شخص, فهو ليس بالرجل النكرة الذي لا توجد له روايات والذي ليس مشهوراً في الاوساط العلمية والرجالية ليقال بالانصراف _ عندما يذكر محمد بن علي_ إلى محمد بن علي بن محبوب, فهناك توقف في هذا الجانب، فلا يوجد وضوح يُطمئن به على أن المراد هو محمد بن علي بن محبوب لكي تُصحح هذه الرواية ولذا نحن نتوقف فيها لما ذكره السيد الخوئي (قد) في كتاب الاعتكاف، من أن محمد بن علي مردد بين الثقة وغيره.
وبناءً على تمامية هذه الرواية يقع الكلام في النسبة بينها وبين المطلقات السابقة, فالمطلقات تدل على المفطرية عند ارتكاب المفطر بالنسبة للعالم والجاهل بالحكم، وفي قبال المطلقات هذه الرواية التي موردها الجاهل وتدل على أنه ليس عليه شيء.
والنسبة بين هذه الرواية والمطلقات بناءً على ما ذهب إليه السيد الخوئي (قد) من أن الرواية تنفي الكفارة عن الجاهل دون القضاء فلا تعارض بين الرواية والمطلقات، لأن المطلقات تدل على بطلان صوم الجاهل ووجوب القضاء عليه، وهذه الرواية تدل نفي الكفارة ولا منافاة بين الامرين، حيث يمكن أن يبطل صوم الجاهل ويجب عليه القضاء عملاً بالمطلقات، ولا تجب عليه الكفارة عملاً بالموثقة.
وأما اذا قلنا بأن الرواية تنفي الكفارة والقضاء، فحينئذ يقع الكلام في النسبة بينهما وقد ذكر السيد الخوئي (قد) بأن النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه, وذلك باعتبار أن المطلقات فيها جهة عموم من جهة الجاهل والعالم, لكنها مختصة بالقضاء دون الكفارة, بينما الرواية موردها الجاهل ولا تشمل العالم، لكنها عامة بلحاظ القضاء والكفارة_ بناءً على عدم اختصاصها بنفي الكفارة كما قلنا_ وحينئذ يكون فيها جهة عموم لأنها تشمل القضاء والكفارة وجهة خصوص لأنها تختص بالجاهل فتكون النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه ومادة الاجتماع هي محل الكلام (القضاء بالنسبة إلى الجاهل), فالمطلقات تقول بوجوب القضاء عليه والرواية تقول بعدم وجوبه، وحينئذ قد يقال يقع التعارض في مادة الاجتماع كما هو الحال في كل موارد الادلة التي تكون النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه، فيقع التعارض بين الاطلاقين فيتساقطان في مادة الاجتماع.
وقد وقع الكلام في وجود ما يوجب ترجيح احد طرفي الاجتماع، وقد ذكروا امكان ترجيح المطلقات على الموثقة بأحد وجهين:
الاول: أن المطلقات موافقة للشهرة فتترجح على الموثقة.
الثاني: اشاروا إليه وقد ذكره السيد الخوئي (قد) وهو مسألة أننا اذا رجحنا الرواية على المطلقات يلزم اخراج مادة الاجتماع(الجاهل) عن المطلقات, وحينئذ تختص المطلقات بخصوص العالم, فيكون لدينا دليل يدل على المفطرية لخصوص العالم بها، وبعبارة اخرى أن حكم المفطرية يكون مقيد بالعلم به، وهو إما محال _ بناءً على ما مذكور في الاصول_ أو إنه _ تقييد الحكم بالعلم به _ غير عرفي.
فيقال بأن هذا الوجه يستلزم ترجيح المطلقات على الرواية، لأن العكس (ترجيح الرواية) يلزم منه إما محذور عقلي أو عرفي.
والذي يمكن أن يقال هو أن اصل هذا الكلام مبني على أن النسبة بين المطلقات والرواية هي نسبة العموم والخصوص من وجه، لكن يمكن أن يقال بأن النسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص المطلق, بأعتبار أن الذي يلحظ في تحديد أن النسبة عموم وخصوص من وجه أو عموم وخصوص مطلق هو الموضوع، أي ما هي النسبة بين موضوع هذا الدليل وموضوع ذلك الدليل, ولا يدخل في الحساب الحكم الذي يحكم به في هذا الدليل أو الحكم الذي يحكم به في ذلك الدليل.
فإذا كانت النسبة بين موضوع احد الدليلين اعم مطلقاً بالنسبة لموضوع الدليل الاخر فأن النسبة بين الدليلين تكون هي نسبة العموم والخصوص المطلق.
السيد الخوئي (قد) عندما صور العموم من وجه أدخل في الحساب حكماً للرواية بالمفطرية وأن المطلقات تحكم بوجوب القضاء فقط بينما الرواية تنفي القضاء والكفارة، فقال بأن المطلقات فيها جهة عموم لشمولها العالم والجاهل ولكنها تختص بالقضاء دون الكفارة, فأختصاصها بالقضاء ليس بأعتبار أن موضوعها كذلك, وإنما ذلك بأعتبار إن حكمها كذلك( يختص بالقضاء), في حين أن الرواية موضوعها الجاهل، وحكمها (ليس عليه شيء) فيه عموم حيث ينفي القضاء والكفارة فصارت الرواية فيها جهة عموم بلحاظ الحكم وفيها جهة خصوص بلحاظ الموضوع (الجاهل), فلاحظنا مجموع الموضوع والمحمول في كل منهما وادخناه في الحساب فصارت النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه.
والظاهر أن هذا غير فني وإنما الذي يلحظ هو الموضوع فإذا كان موضوع احدهما اعم مطلقاً من الاخر كانت النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق كما في محل الكلام, حيث أن موضوع المطلقات هو الاعم من العالم والجاهل، وموضوع الرواية هو الجاهل, والنسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق، ولا ضير في الجمع بينهما وتقييد تلك المطلقات بالرواية فنحمل المطلقات على العالم فتكون دالة على وجوب القضاء على العالم، بينما تكون الرواية دالة على نفي القضاء ونفي الكفارة عن الجاهل، وهذه هي النتيجة المتعينة على تقدير كون الرواية معتبرة سنداً.