36/06/10


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....) مسألة 2
ما زال الكلام في موثقة سماعة (قال : سألته عن رجل كان يصلي فخرج الامام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة ؟ قال : إن كان إماما عدلا فليصل اخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل مع الامام في صلاته كما هو، وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة اخرى ويجلس قدر ما يقول : « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله ) » ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع، فان التقية واسعة، وليس شيء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها، إن شاء الله)[1]
وقد كان الاستدلال بها مبنياً على افتراض صحة صلاة المصلي المذكور في الرواية مع موافقتها للتقية (للعامة), وبعد افتراض ذلك يقال بأن ذيل الرواية الذي ذكر كتعليل للحكم لصحة الصلاة الموافقة للتقية يستفاد منه أن التقية لا تختص بالأحكام التكليفية بل تشمل الاحكام الوضعية, وذلك لأنه يقول في ذيل الرواية بعد أن حكم بصحة الصلاة (فان التقية واسعة), فحينئذ يمكن التعدي من مورد الرواية إلى الاحكام الوضعية كالجزئية والمانعية وغيرها في غير مورد الرواية.
ويرد على هذا الاستدلال بأنه يبتني على افتراض صحة الصلاة بالرغم من كونها موافقة للعامة ومخالفة لما نعتقد, لكن هذا ليس واضحاً من الرواية, لأحتمال أن يكون المراد بها المتابعة الصورية للعامة وليس الحقيقية, والظاهر أن هذا ما فهمه جماعة من الفقهاء منهم صاحب الوسائل حيث عنون هذا الباب الذي ذكر فيه هذه الرواية (واستحباب اظهار المتابعة حينئذ في اثناء الصلاة مع المخالف للتقية) ومعنى اظهار المتابعة أن المكلف يعمل بوظيفته الواقعية التي يعتقدها لكنه يظهر المتابعة, وفي هذه الحالة يكون الحكم بصحة الصلاة على القاعدة لأنه جاء بالصلاة الواقعية، وحينئذ لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على صحة الصلاة أو صحة الصوم في محل الكلام.
وقد ذكر هذا الاحتمال اكثر من واحد من فقهائنا وبنوا عليه ظاهراً, والحقيقة أن الرواية مجملة لا يمكن الجزم بأنها ناظرة إلى المتابعة الواقعية كما لا يمكن استظهار انها ناظرة إلى المتابعة الصورية, واذا دققنا فيها نجد انها تقول(وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة اخرى) وفي بعض المصادر توجد كلمة (معه) بعد قوله (ركعة اخرى) فتكون الركعة اولى بالنسبة للإمام وثانية بالنسبة إليه (المصلي) ثم قالت الرواية (ويجلس قدر ما يقول : « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله ) » ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع) أي تكون ركعته الثالثة وركعة الامام الثانية, وعبارة (على ما استطاع) مهمة في مقام الاستدلال على الحكم بصحة الصلاة مع متابعتها لهم حقيقة (تقية) أي في اصل الاستدلال, لأن قوله (على ما استطاع) يكون ملازماً عادة للإخلال بشيء مما يعتبر بالصلاة.
ويمكن تفسير قوله عليه السلام (ويصلي ركعة اخرى) بتفسير آخر وهو أن يدخل في الجماعة ويكتفي بقراءة الامام فتكون ركعة ثانية له وركعة اولى للإمام وهذا يعني أنه تابعة متابعة حقيقية, وعلى كل حال فالاحتمالان ممكنان في هذا الرواية.
ومن هنا يظهر أن كل هذه الروايات المتقدمة لم ينهض منها دليل واحد يمكن أن يعتمد عليه لأثبات صحة الفعل, بالرغم من أن هناك رأي موجود اختاره جماعة من الفقهاء يبني على صحة الفعل, لكنه ليس هناك دليل واضح يدل على الصحة.
بقي شيء قد يذكر في محل الكلام وهو أن هذه الادلة الكثيرة من عمومات التقية والروايات الخاصة المستدل بها على الصحة لابد أن تحمل على الحكم التكليفي والمحرمات النفسية ولا تشمل المحرمات الغيرية كما في محل الكلام, وهذا في حد نفسه قد يستشكل فيه وذلك لكثرة الابتلاء بالتقية في الكثير من المسائل الفرعية هذا من جهة, ومن جهة اخرى أن المهم في نظر من يعمل بالتقية هو أن يعرف صحة عمله من فساده, وكذلك الاسئلة التي تطرح على الامام عليه السلام فأن المقصود فيها_ وان لم يكن هو المقصود الوحيد_ هو معرفة حكم عمله من حيث الصحة والفساد.
وحينئذ يقال بأن سكوت الامام عليه السلام في كل هذه الروايات وعدم تعرضه إلى بيان حكم العمل الذي يتقي فيه من حيث الصحة والفساد لا يمكن أن يفسر الا بصحة العمل, لأنه لو كان الحكم الواقعي هو الفساد لكان على الامام عليه السلام أن ينبه عليه ولو في بعض الروايات, فالسكوت ينسجم مع صحة العمل لا مع فساده, وحينئذ يقال أنه لابد من الالتزام بصحة العمل.
لكنه بالرغم من هذا التقريب يبقى هذا الكلام ليس تاماً, لأنه يفترض أن روايات التقية كلها واردة بصيغة السؤال والجواب, مع انها ليست كذلك فهناك العديد من الروايات التي يذكرها الامام عليه السلام ابتداء_ وبدون سؤال_ (كما في قوله عليه السلام التقية ديني ودين ابائي والتقية في كل شيء الا في ثلاثة وغير ذلك من الروايات).
وحينئذ يقال أنه ليس هناك طرف في القضية لكي يكون سكوت الامام عليه السلام وعدم تعرضه لبيان حكم الفعل من حيث الصحة والفساد دليل على صحة الفعل.
ومن هنا يمكن أن يقال _وفاقاً لجماعة من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين _ أن الصحيح _والله العالم_ هو الحكم بفساد العمل ووجوب القضاء, ويؤيد هذا ما تقدم من رواية داود بن الحصين ( عن رجل من أصحابه، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال وهو بالحيرة في زمان أبي العباس : إني دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم، وهو والله من شهر رمضان، فسلمت عليه، فقال : يا أبا عبدالله، أصمت اليوم ؟ فقلت : لا، والمائدة بين يديه قال : فادن فكل، قال : فدنوت فأكلت، قال : وقلت : الصوم معك والفطر معك، فقال الرجل لابي عبدالله ( عليه السلام ) : تفطر يوما من شهر رمضان ؟ ! فقال : اي والله، افطر يوما من شهر رمضان أحب إلي من أن يضرب عنقي)[2]
والاستدلال بها على الفساد بأعتبار أن الامام عليه السلام يقول (افطر) وهو يدل على الفساد.
ورواية رفاعة (عن رجل، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال : يا أبا عبدالله، ما تقول في الصيام اليوم ؟ فقال : ذاك إلى الامام، إن صمت صمنا، وإن أفطرت أفطرنا، فقال : يا غلام، علي بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم والله أنه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله)[3]
وفي هذه الرواية تصريح بالقضاء, فهاتان الروايتان تامتان دلالة على الفساد لكنها غير تامتين سنداً.
هناك تفصيلات في هذه المسألة
(والكلام في هذه التفصيلات بناء على استفادة الصحة من الادلة السابقة والا فلا معنى لها)
التفصيل الاول: وهو ما يفرق بين ما لا يراه العامة مفطراً كالارتماس وبين ما يرونه مفطراً الا انهم لا يرون وجوب الصوم في ذلك اليوم كالأكل في يوم عيدهم, فيحكم بصحة الصوم في الاول والفساد في الثاني, وقد اختار هذا التفصيل جماعة من المحققين.
وقد يوجه هذا التفصيل بأن يقال بأن القدر المتيقن من الادلة السابقة هو الحالة الاولى (استعمال ما لا يرونه مفطراً تقية) أو انصراف الادلة إلى هذه الحالة (وهي المتيقنة) وهي حالة ما اذا كان العمل موافقاً لهم من حيث الحكم الكلي (كما يعبر عنها في المستمسك), كما في حال الارتماس الذي يرونه غير مفطر ونحن نراه مفطراً, وأما اذا كان من القسم الثاني الذي نشترك معهم في الحكم الكلي ولا خلاف بيننا وبينهم كالأكل الذي نحكم بمفطريته كما انهم يحكمون كذلك, وإنما يكون العمل موافقاً لهم من حيث الموضوع, فيقال بأن الادلة منصرفة عن موافقة العامة بلحاظ الموضوع وإنما هي ناظرة إلى موافقتهم بلحاظ الحكم الكلي فتختص بما اذا وافقهم بلحاظ الحكم الكلي كما اذا ارتمس ولا يشمل الحالة الثانية. هذا توجيه.
والتوجيه الاخر بأن يقال أن المفروض أن الادلة السابقة وان افترضنا دلالتها على الصحة في كلتا الحالتين الا أن هناك ادلة تدل على البطلان في الحالة الثانية, فتكون مقيدة لهذه الاطلاقات وهذه الادلة هي المرسلتان المتقدمتان بناء على العمل بهما, فأن مورد المرسلتين هو الافطار في يوم عيدهم أو في اليوم الذي لا يرونه من شهر رمضان, ونتيجة هذا التقييد هو التفصيل والالتزام في الحالة الاولى بالصحة عملاً بالمطلقات بينما في الحالة الثانية فلابد من الالتزام بالبطلان والفساد عملاً بالمرسلتين.