39/05/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ الخمس كله ملك المنصب/ قسمة الخمس/ كتاب الخمس

ولكن هناك قول آخر: يرى ان الخمس كلّه ملك لمنصب الإمامة والرئاسة «الإمام بما هو إمام» وبما أنّ هذا المنصب يكون اولاً وبالذات لله تعالى «الحاكم المطلق في هذا الكون وبيده التكوين والتشريع» ثم منه الى رسول (صلى الله عليه وآله): بما انه حاكم بأمر الله تعالى, ومنه للإمام عليه السلام بما انه حاكم بعد رسول الله بجعله خليفة بعده بحديث الغدير وامثاله, فجاء التعبير عن ذلك بان الخمس لله وللرسول ولذي القربى (الامام عليه السلام) فيكون ذلك اشارة الى مصداق ذلك المنصب ومَن ينحصر فيه وانه ينتقل المنصب بنحو طولي بين العناوين الثلاثة من الاول الى الثاني الى الثالث[1] واما الاصناف الثلاثة الاخرى (اليتامى والمساكين وابن السبيل) فقد ذُكرت بياناً لمصرف هذا الحقّ وانّ جَعْلَ الخمس للإمام ليس من باب الملك الشخصي والإستئثار, بل من أجل الصرف في شؤون الولاية والحاكميّة والتي ترجع الى المحتاجين والمعوزين من الناس.

والدليل:

اولاً: الآية الكريمة, وهي آية الغنيمة «كل غنيمة», فإنها قد بيّنت انّ الخمس لله بما انه حاكم لا بما انه ذات واجبة الوجود, اذ لا معنى لأن يملك الله قسماً من الخمس ملكية اعتبارية.

اذن الخمس لله بما انه حاكم, ولذا عطف عليه الرسول وذو القربى (الامام) بما انه حاكم من قبل الله تعالى ولا حكومة لأحد على أحد من غير ناحية الله تعالى, اي هناك طولية بين العناوين الثلاثة.

وعلى هذا: اذن لا يكون هناك ظهور في العناوين الثلاثة الاخرى في المشاركة العرضيّة مع الحاكم في ملكية الخمس خصوصاً اذا نظرت الى حذف اللام وعدم ادخالها عليها, بل طولية العناوين الثلاثة في ملكيتاها للخمس

تناسب مصرفيّة العناوين الثلاثة الباقية وانها تصرف عليها من الخمس بنظر الحاكم.

ولذا ترى ورود نفس التعبير: (لله وللرسول في آية الانفال: «يسألونك عن الانفال, قل الانفال لله والرسول»[2] .[3] بل في آية الفيء ذكرت الاصناف التي ذكرت في آية الخمس بذاتها اذ قال تعالى: (ما أفاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم»[4] ولا إشكال في ان الاصناف المذكورة في آية الفيء هي مصرف للفيء لا اكثر. على ان ذيل الآية القائل «كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم»[5] .[6] هو حكمة أو علّة فيُناسب مسؤوليات الحاكم في المجتمع.

ثانيا: الروايات:

1ـ فهي ناظرة الى الخمس المشرّع في الآية, والظاهر ان القرآن الكريم قد شرّع هذه الفريضة بعنوان كونها من شؤون الولاية والحاكميّة لله وللرسول, وحينئذٍ ستكون هذه قرينة لبيّة متّصلة بكافة الروايات التي تتعرض للسهام تصرف ظهورها الى كونها مصرفاً لا مالكة.

ثالثاً: هناك سيرة من قبل المتشرعة قبل زمان صاحب الشرائع رحمه الله على دفع الخمس كلّه للإمام عليه السلام أو وكيله ولم يُتعامَل مع نصفه معاملة الزكاة من الصرف على الفقراء السادة رغم وجودهم واحتياجهم خصوصاً في ظروف التقيّة والمحنة, فلو كان نصف الخمس ملكاً لجهة الفقراء السادة لإنعكس هذا بشكل واضح في ارتكاز المتشرّعة الأوائل وعملهم.

ولو كان عدم الولاية للمكلّف على صرف هذا الحقّ على الفقير بخلاف الزكاة وانّ صرف هذا السهم منوط بإذن الإمام عليه السلام لإنعكس ذلك ايضاً في مجال العمل واصبح واضحاً نتيجة الابتلاء الكثير بهذه الفريضة, مع اننا لا

نجد ذلك حين نراجع وضع المتشرعة في زمان الائمة عليهم السلام وبدايات عصر الغيبة, بل الارتكاز المعاكس

موجود حيث يعطون الخمس كلّه للإمام أو وكيله.

رابعاً: ذهب كثير من الفقهاء «عند تحقق الغيبة الكبرى» الى لزوم حفظ الخمس والإيصال به أو كنزه ودفنه الى ان يظهر الحجّة عليه السلام فيسلّم إليه أو يستخرج كنوز الأرض هو عليه السلام «وهذه الفتوى باطلة قد عدل عنها الفقهاء» وافتوا بلزوم صرفه في تلك المصارف, حقّ السادات الفقراء ما يرضي الامام عليه السلام اذا لم يوجد فقيه أو اعطاؤه الى الفقيه إن وُجد.

ولكن نفس صدور هذه الفتوى الساذجة يدل على عدم مركوزية أنّ نصف الخمس «حقّ السادات» ملك للسادة يصرفه المكلّف عليهم كالزكاة, بل المركوز هو رجوع الخمس كلّه للإمام عليه السلام وانّ الصرف على السادة يكون بنظره وولايته.

خامساً: يوجد تسالم فقهي على عدم وجوب البسط على العناوين الثلاثة, بينما اذا كان المراد هو الملكية لزم البسط عليها على الأقل وان لم يجب البسط على افراد كل صنف (كما سيأتي).

سادساً: ان نصف الخمس جُعِل لقرابة الرسول (صلى الله عليه وآله) (بني هاشم) بدلاً عن الزكاة, وهذه بديهيّة, فقيهة اسلامية فقرابة الرسول مستغنون عمّا في ايدي الناس فلا يأخذ الفقير منهم المال, بخلاف الزكاة فالفقير يأخذ من ايدي الناس فهي أوساخهم, بل الهاشمي يأخذ المال من الله ومن النبي ومن الامام, فالانتقال اليهم من كيس الامام عليه السلام لا من كيس الغني والإ اذا كان الهاشمي يأخذ من الغني ومن صاحب الخمس فهو كالفقير غير الهاشمي الذي يأخذ ممن تجب عليه الزكاة, فلا فرق بينهما, فأيّ تكريم في البين؟! ومجرد تسميّة هذا خمساً وهذا زكاةً لا يغيّر من الواقع شيئاً مع ان كليها للفقراء فهي صدقة وزكاة[7] .

 


[1] مثل ان يعطى شخص مليون دينار فيقال له هذا لك وعائلتك فهو يعني انه لك واصرفه على عائلتك فالعائلة مصرف.
[3] ان الآية (يسألونك عن الانفال) هو سؤال للنبي عن الانفال التي حصلت يوم بدر: كيف تقسّم وعلى من تكون القسمة؟ فكأنه يوجد خصام في هذه الغنيمة اذ يدّعيها مدّعون. فجاء الجواب: قل يا رسول الله مجيباً عن سؤالهم: الغنائم لله والرسول، وحكمها لله والرسول في التصرف والتوزيع، فما عليكم الاّ الإنقياد والاستسلام. ما هو معنى الأنفال؟والجواب: النفل هو الزيادة في الشيء لغة والنفل يطلق على التطوّع والزيادة على الفريضة.والنفل يطلق على ما يُسمى فيئاً (وهي الاشياء من الاموال التي لا ملك لها من الناس كرؤوس الجبال وبطون الأودية والديار الخربة والقرى التي باد اهلها وتركة من لا وارث له وغير ذلك وكانت هذه كلها زيادة على ما ملكه الناس فهي لم يملكها أحد.والنفل يطلق على غنائم الحرب وزيادة على ما قصد من الحرب، فان المقصود في الحرب هو دحر العدو، فالأموال التي تحصل بعد ذلك هي زيادة على اصل الغرض.وهذه الآية هي في اوّل سورة الانفال وقد نزلت بعد واقعة بدر فهي امّا تشير الى غنيمة معيّنة بدلالة الألفْ واللام ولكنها عندما يذكر حكمها فالحكم يكون لكل غنيمة حربية (أو اعمّ منها كالغنيمة الغوصية والكنزية والمعدنية) لأن مورد الآية لا يخصص الوارد.وإمّا ان تشير الى كل غنيمة «ونفل» فيكون حكمها هو حكم الآية في نفس سورة الأنفال «واعلموا ان ما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فيكون الخمس للمنصب (منصب الرئاسة والحكومة) فأية الانفال وآية الغنيمة قد وردتا في الغنيمة الحربية، فمن آية الأنفال نفهم ان الخمس في آية الغنيمة لله والرسول ولذي القربى، وحتى تقيم الأربعة أخماس الباقية هو للحاكم والرئيس فيصرفه في المقاتلين كما قالت الروايات الصحيحة.وأمّا آية الفيء وهو عبارة عن الزيادات التي لا يملكها الناس أو لم يملكها احد، فقد جاء حكمها كما في آية خمس الغنيمة: «ما أفاء الله على رسوله من أهل القربى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم» فوحدة التعبير والحكم في آية الفيء وآية الغنيمة تؤكّد وتدلّ على انّ الخمس هو للمنصب يصرفه في المحتاجين وفي اقامة الدولة الاسلامية وحفظها كما في الفيء والانفال.
[6] الفيء: هو ما أُخذ بغير مال.
[7] في قصة بريرة حينما أُعطيت من الصدقة حلاوة، فأهدتها الى النبي (صلى الله عليه وآله) فتوقفت عائشة عن مسّها وعن تقديمها لرسول (صلى الله عليه وآله) فعندما جاء رسول الله وقال ما هذا؟ قالت له عائشة انها صدقة قد اعطيت الى بريرة فقدمتها لنا، نحن لا نأكل الصدقة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي لها صدقة وهي لنا هدية فأكل منها، اذن عندما تعطى الصدقة الى بريرة ثم تهديها الى رسول الله فهي هدية وليست صدقة، فكذا السهام الثلاثة لبني هاشم عندما تعطى الى الامام أو النبي (صلى الله عليه وآله) ثم هو يعطيه الى الفقراء بني هاشم فهو هدية وليست صدقة وبهذا يكون التكريم واضحاً في البين بخلاف الزكاة حينما يعطى الى من هو الفقير مباشرة.