39/06/10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط البيع ( مسألة ( 47 ) ، مسألة ( 48 ) هل يجوز استعمال ألفاظ البيع في الشراء وبالعكس أو لا - المكاسب المحرّمة.

الحكم الثالث:- يجوز عقد البيع بغير العربية.

والوجه في ذلك واضح:- وهو التمسّك بإطلاق الدليل ، فإنَّ ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ لم يقيد بأن يكون بالعربية بل كلّ ما صدق عنوان البيع فالله عزّ وجلّ قد امضاء ، وهكذا يمكن التمسك بعموم أو أطلاق ﴿ أوفوا بالعقود ) أو ﴿ تجارة عن تراض ﴾ والأمر واضح.

وفي المقابل قد يتمسّك ببعض الوجوه الضعيفة لإثبات اشتراط العربية:-

الوجه الأوّل:- التمسّك بفكرة التأسي ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله كان يجري العقد بالعربية جزماً وقد قال تعالى ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ﴾[1] ، فإذن لابد من الاستعانة باللغة العربية في عقد البيع.

والجواب واضح:- إذ المقصود من التأسي هو الاتيان بالفعل بالنحو الذي كان يأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان هو يأتي بالعربية من باب أنها أحد الوسائل والطرق لا من باب الانحصار ، فيمكن أنه كان يستعين في اجراء البيع باللغة العربية من باب أنها أحد الوسائل المشروعة لا من باب أنَّ ذلك متعيّن ، ومعه لا يمكن التمسّك بفكرة التأسي ووجوب التأسي.

هذا مضافاً إلى أنه ربما يقال:- إنَّ فكرة التأسي تثبت الوجوب التكليفي ، يعني لابد من الاقتداء به صلى الله عليه وآله وسلم ، أما إذا خالفت وكان الشيء قابلاً للصحة والبطلان فهل يستفاد أنَّ هذا باطل أيضاً ؟ إنَّ هذا أوّل الكلام ، فإنَّ غاية ما يستفاد هو وجوب التأسي.

الوجه الثاني:- إنه إذا رفضنا صحة العقد بغير الماضي ، يعني إذا رفضناها بالمضارع كأنَّ قال له ( أبيعك ) وقلنا لا ينعقد البيع بالفعل المضارع فحينئذٍ بالأولى يصحّ بغير العربية.

وهو كما ترى:- فإنَّ عدم صحة العقد بالمضارع يمكن أن يكون من باب أنه ليس فيه دلالة واضحة على الانشاء بخلاف الماضي ، فإذا فرض أنَّ اللغة كانت لغةً فارسية وكان الفعل فعلاً ماضياً فهو يدل على الانشاء فتنتفي آنذاك الأولوية.

الوجه الثالث:- وهو أضعف الوجوه ، وهو أن يقال إنه إذا كان العقد بغير العربية فسوف لا يصدق عليه البيع.

وهو كما ترى.فإذن المناسب صحة البيع بغير العربية تمسكاً بإطلاق الدليل.

الحكم الرابع:- لا يضّر اللحن من حيث المادة أو الهيئة.

والقصود واضح ، فإن اللحن تارةً يكون من حيث الهيئة ، يعني أنَّ المادة نفس المادة وهي ( بعت ) ولكن يقول ( بَعْتُ ) أو ( بُعْتُ ) ، وتارة يكون اللحن من حيث المادة مثل ( زوجت ) فيقول ( جوَّزت ) فإنَّ مادة ( جوّز ) غير مادة ( زوّج ) ، فاللحن سواء كان بلحاظ الهيئة أو بلحاظ المادة لا يضر في البيع ، والوجه في ذلك واضح:- فإنَّ اطلاق الدليل يقتضي الصحة في كليهما مادام يصدق عليه عرفاً أنه بيع فإنَّ هذا يكفي وإن كان بشكلٍ ملحون ، وبعض الوجوه التي ذكرت في اشتراط العربية مثل فكرة التأسي لو تمت هناك تأتي هنا أيضاً ، فمن يقول بالتأسي في الحكم السابق هنا أيضاً يأتي فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يلحن لا في المادّة ولا في الهيئة ، فإذا قبلنا التمسّك بفكرة التأسي فهناك أيضاً يلزم أن تأتي بها ، والجواب هو الجواب.

الحكم الخامس:- التعرض إلى بعض الألفاظ.

فبعض الألفاظ التي هي أقرب إلى القبول تستعمل في مقام الايجاب ، مثل اشتريت أو شريت فإنها أنسب بالشراء ، فإذا استعملت في ايجاب البيع فهل يكفي هذا أو لا ؟ ، والعكس بالعكس ، يعني إذا استعملنا ألفاظ البيع في الشراء مثل لفظ بِعتُ فإنها ألفاظ انشاء الايجاب فإذا استعملها المشتري القابل هل يصح ذلك أو لا ؟وقد ذكر(قده) عدّة ألفاظ من هذا القبيل وعدة ألفاظ من ذاك القبيل ، ونحن انتخب واحدة من هذه الألفاظ بالنسبة إلى ألفاظ البيع التي هي أنسب بصيغ الشراء وهي ( اشتريت ) وأنتخب واحدة من ألفاظ الايجاب التي إذا أراد الشخص أن يستعملها في مقام القبول مثل ( بعت ) فهل هذه الاستعمالات صحيحة أو لا ؟أما بالنسبة إلى لفظ ( اشتريت ) الذي هو أنسب بألفاظ القبول إذا أُريد الاستعانة به في مقام الايجاب فبدلاً من أن أقول ( بعتك الدار بكذا ) أقول أنا البائع ( اشتريت الدار ) فهل يصح هذا أو لا ؟قد يقال بالجواز لوجهين:-

الأوّل:- إنّ كلمة ( اشتريتُ ) قد استعملت في القرآن الكريم مرّة واحدةً بمعنى البيع ، أما كلمة ( شريتُ ) فقد استعملت بمعنى البيع كثيراً مثل ﴿ وشروه بثمن بخس ﴾ يعني انَّ اخوة يوسف باعوه ، وغير ذلك ، فإنَّ لفظة ( شرى ) في القرآن مستعملة في البيع ، أما ( اشترى ) فيقال إنها لم تستعمل في البيع إلا في موردٍ واحد وهو قوله تعالى ﴿ بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً بينهم ﴾[2] فهنا جاءت بمعنى باعوا ، يعني بئس البيع ، فهو يبيع نفسه الغالية في مقابل الكفر ، ومادام قد استعمل بمعنى البيع فإذن يصح في مقام الايجاب أن أقول ( اشتريت الدار بكذا ) أي بعت الدار كذا.

ولكن يمكن أن يقال:- إنه حتى لو فرض أنَّ كلمة ( اشترى ) قد استعملت في القرآن الكريم عشر مرات أو أكثر في البيع فهذا لا ينفعنا فإنَّ المهم أن يصدق عنوان البيع في عرفنا وزماننا ، فإن الآية الكريمة تقول ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ يعني كل ما صدق عليه البيع فهو ممضىً ، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان ، ففي زماننا لو فرض في زماننا أنَّ لفظة ( اشتريت ) لا تستعمل في مقام البيع فلو قال شخص ( اشتريت الدار بكذا ) ويقصد من ذلك ( بعت الدار بكذا ) فسوف يضحك عليه الناس وحينئذٍ لا يصدق عليه عنوان البيع ، وإذا لم يصدق عليه عنوان البيع فلا يشمله دليل الامضاء ، فالمهم أنَّ الآية الكريمة هي بنحو القضية الحقيقة ذكرت حكماً يعني أرادت أن تقول كلّما صدق البيع فهو حلال ، فهي قضية حملية لكنها في قوة الحقيقية ، يعني في كلّ موردٍ صدق البيع فهو قد أحله الله عزّ وجلّ ، وهذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، فالمهم ملاحظة زماننا ، فإذا قُبِل في زماننا فنقول هذا صحيح سواء استعمل في القرآن الكريم أم لا ، وإذا كان مرفوضاً فيه فحينئذٍ لا يصح العقد به سواء استعمل في القرآن الكريم أم لا ، وهذه قضية مهمة ينبغي الالتفات إليها ، أما أنه هل يصح انشاء البيع بلفظ ( اشتريت ) في ماننا أو لا فهذا الاختلاف قد يكون صغروياً لكن لابد وأن ننظر إلى زماننا لا أن ننظر في هذا المورد إلى الاستعمالات القرآنية.

الثاني:- ما ذكره السيد الخوئي(قده) في تنقيح المكاسب[3] ، فإنه ذكر أنه لا مانع من انعقاد البيع بلفظ ( اشتريت ) ، لأنَّ صاحب القاموس قال:- ( الاشتراء عبارة عن أخذ شيء وترك شيء آخر ) ، يعني ينطبق حينئذٍ على ترك الدار ، فترك الدار هو عبارة عن نقلها إلى ذاك الطرف فهو قد اشترى.

ثم قال:- ( وعدم استعماله في العرف والأصحاب والكتاب الكريم لا يكون مانعاً من صحته ) ، يعني أنَّ هذا لا يضرني مادام صاحب القاموس قد قال إنَّ الاشتراء يستعمل في البيع فإنَّ هذا يكفينا ولا تضرّنا كلمات الأصحاب أو أنه لا توجد آية قرآنية في هذا أو غير ذلك.

والتعليق عليه نفس ما أوردناه على الوجه الأول:- حيث قلنا إنَّ المهم هو ملاحظة البيع في زماننا أما ماذا قال صاحب القاموس فهذا لا يهم ، فإنه إذا كان مستهجناً وقبيحاً ومتروكاً في زماننا فلا يكفي هذا الانشاء.

وأما بالعكس:- وهي لفظ ( بعتُ ) الخاصة بالإيجاب إذا أريد استعمالها في مقام الشراء ، فقد يقال يصحّ من المشتري أن يقول ( بعتُ ) ، فالبائع يقول ( بعت الدار بكذا ) والمشتري يقول ( بعتُ كذا - أي الثمن - بالدار ) ، وذلك باعتبار أنَّ المشتري أيضاً هو في واقعه يملّك ويبيع ، فكما أنَّ البائع يملّك الدار بكذا كذلك المشتري يملّك الثمن بالدار ، فكلٍّ منهما يملّك صاحبه ، فلا مشكلة ولا بأس بذلك.

نعم سوف توجهنا مشكلة واحدة:- وهي أنَّ العقد سوف يكون مركباً من ايجابين وليس من إيجاب وقبول.

ولكن يمكن أن يجاب:- بأنه ما هو الدليل على لزوم أن يكون العقد مركباً من ايجاب وقبول ؟!! فيلكن مركباً من ايجابين فإنَّ هذا لا مانع منه.

وكل هذا الكلام لا ينفعنا بل المهم أن لا ننظر إلى أنَّ المشتري هو بائع أو لا ، ولا أنه لا بأس من تركّب العقد من ايجابين فإنَّ هذا لا ينفع أيضاً ، بل المهم أنَّ هذا يصدق عليه عنوان البيع عرفاً أو لا ، فإذا صدق فسوف يشمله اطلاق ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ ، وإذا لم يصدق فما ذكر لا ينفع ، بل المهم أن يصدق عرفاً أنه بيع.

 

مسألة ( 48 ):- إذا قال بعني فرسك بهذا الدينار فقال المخاطب بعتك فرسي بهذا الدينار ففي صحته وترتب الأثر عليه بلا أن ينضم إليه انشاء القبول من الآمر إشكال ، وكذا الحكم في الولي عن الطرفين أو الوكيل عنهما فإنه لا يكتفى فيه بالإيجاب دون القبول.

..........................................................................................................ومضمون المسألة هو أنه لو جاء شخص وقال لي بعني دارك فقلت له بعتك داري فهل صار هذا بيعاً أو يلزم أن يقول المشتري بعد ذلك ( قبلت ) ، فصحيح أنَّ المشتري قابل بدلالة طلبه ولكن هل يكفي هذا أو نحتاج إلى أن ينشئ القبول ؟ قال(قده):- فيه إشكال.وهكذا لو فرض أنه يوجد وكيل أو ولي عن طرفين ،كما لو كنت ولياً على بنت أبني الأوّل وعلى ابن ابني الثاني - فأنا ولي عليها لأني أبٌ - فزوجت البنت من الولد فقلت ( زوجت بنتي فلانة من ولدي فلان ) فهل يحتاج أن أقول ( قبلت ) أو أني مادمت ولياً وأجريت العقد فلا يحتاج إلى قبول ، فإني عندما أجريت العقد فأنا قابلٌ بذلك ، فهل يحتاج إلى أن أقول ( قبلت ) أو أنه لا حاجة إليه ؟

[1] سورة الأحزاب، الاية20.
[3] تنقيح المكاسب، الخوئي، تسلسل36، ص190.